لم تستطع الجهات المسؤولة بالدار البيضاء، لحد الآن، إيجاد حل ناجع لشريحة مهمة من الأطفال والمراهقين دفعتهم ظروف مختلفة إلى أحضان الشوارع والتعاطي للعديد من أنواع التخدير، كشم مادة «السلسيون»، لدرجة أصبحوا يُنعتون ب «الشمكارة». وكم هو قاسٍ على نفسية المرء «مصادفة» طفل / شاب من هذه الفئة : لباس متسخ، جسم احمرت أطرافه من أثر الشم، وجه يحمل علامات التيه والضياع ، يد تمسك بقطعة ثوب توضع على الأنف بعد تبليلها بسائل السلسيون... معظم هؤلاء تراهم سائرين في اتجاه مجهول، غير مبالين بمن حولهم! لكن لن يستطيع أي كان من المارة تقديم أي شيء لصالحهم سوى التأسف والحسرة على هذا المآل . اقتربت الجريدة من بعض المراهقين الذين كانوا جالسين في جانب من حديقة توجد في ملتقى شارع محمد السادس وشارع المنظر العام في منطقة ابن امسيك، يستعدون لإفراغ ما بجعبة قنينة على قطع من الثوب ليشرع بعد ذلك كل واحد في استعمالها استعدادا ل «الارتقاء» عن واقع مر يعيشونه والدخول في عالم آخر لن يعرفه سواهم وذلك هروبا من أشياء كثيرة. أول ملاحظة تم تسجيلها هي أن هذه المجموعة حديثة العهد بهذا العالم الجديد، وذلك من خلال حالتهم الخارجية التي تبدو جد مختلفة عن المدمنين « القدامى»! أسئلة كثيرة طرحت عليهم: سنهم سبب دخولهم «هذا العالم» سبب مغادرة منازلهم هل ندموا على ما يفعلونه أم لا؟ أسئلة ترددوا في البداية عن الإجابة عنها لكنهم استجابوا الواحد بعد الآخر. طارق يبلغ من العمر 16 سنة يقول إنه خرج إلى هذا العالم منذ ما يقارب 4 شهور لأنه لم يكن موفقا في دراسته حيث كان يكرر أحد الأقسام الابتدائية « ما بغاتش تدخل لي القرايا في راسي... الواليد مات الله يرحمو وأنا صغير مي خرجت للعمل باش تجيب لنا ناكلوا أنا وأخوتي الثلاثة. ما لقيتش اللي زيرني للقراية أنا الآن اكبرت وما خدامش ، أنا ضايع، ما لقيت غير «الشرويطة» باش ننسى حالي.. الله يتوب أوصافي». هشام أكبر من طارق بسنة واحدة يقول، من جهته، «أنا ما بقيش قادر على العيش في الصداع ديما، والدي يعود في منتصف الليل «سكران» ويبدأ في ضرب أمي»، كما أننا لا نتوفر سوى على غرفة واحدة، «واش هادي عيشة اللهم اتشمكير أو العودة إلى ذلك الرجل»! لم تكن أسباب تعاطي بقية الأطفال الجالسين للمخدرات تختلف عن أسباب طارق وهشام ، فكلها نابعة من واقع مجتمعي مر قوامه الفقر والسكن غير اللائق والعلاقة بين الوالدين التي تتسم بشجار يومي مصحوب بالكلام النابي. ورغم صغر سنهم وضعف تكوينهم المدرسي ، فقد أشار بعضهم، في أكثر من مرة، إلى مسؤولية الدولة «ماكين لا سبيطارات ولا خيريات.. كاين غير البوليس اللي تايجري علينا ، مالقيناش اللي يشدنا من يدينا ويخرجنا من هاذ البلية ويدخلنا لشي سانطر نتعلموا غير شي صنعة». كيفما كانت أسباب تعاطي هؤلاء الأطفال والمراهقين لهذا النوع من التخدير، فإن هناك تقصيرا ملحوظا من المسؤولين لمحاربة هذه الظاهرة والحد من اتساع دائرتها، حسب مصادر جمعوية ، والبداية بمراجعة الطرق المستعملة لمحاربة آفة الهدر المدرسي، والتي لحد الساعة لم تستطع ، رغم الشعارات المرفوعة من قبل أكثر من جهة، القضاء عليها والحد من تداعياتها السلبية!