أصبحت ظاهرة أطفال الشوارع من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة في مدينة ازمور، بعد أن استفحلت وانتشرت بقوة، أعداد كبيرة من الأطفال المشردين يجوبون مدينة ازمور، قاصرين ويتامى ومتخلى عنهم، وهم أول ما يلاحظه أي زائر للمدينة، أطفال ضحية ظروف مجتمعية خارجة عن إرادتهم، نشئوا في الفقر و في البؤس غارقون، حفاة عراة، متسخون، جائعون، مهملون، لا أب يرعاهم ولا أم حنون، إنها ظاهرة تستدعي انخراط كل مكونات المجتمع من أجل العمل على انقاد هذه الفئة الاجتماعية ودمجها. عثر مؤخرا في مدينة ازمور على جثة متشرد تحت شجرة وهو مغطى بقطعة من البلاستيك، ولعله كان قد فارق الحياة بسبب البرد والجوع أو المرض أو نتيجة تعاطيه للمخدرات، فمعلوم أن أعداد المشردين بهذه المدينة باتت تتزايد أعدادهم يوم بعد يوم ، هكذا ونحن نجوب شوارع وأزقة المدينة أثارنا صبية بالقرب من ضريح الوالي الصالح مولاي بوشعيب السارية ضاقت بهم سبل العيش بسبب الأوضاع المتردية لعائلاتهم، فأصبحوا أحد المعالم التي تؤثث المشهد العام للمدينة ، هؤلاء البؤساء الذين التقيناهم حكاياهم متشابهة وأحيانا متطابقة، هم ضحايا الفقر والحاجة والعوز استوطنوا الشوارع مكرهين، بعض الآباء هم أنفسهم يدفعون بأطفالهم إلى الشارع وليس فقط زوجة الأب أو زوج ألام في ظل حالة الفقر المدقع والبطالة التي يزداد حجمها في مدينة ازمور، وباتوا يخدشون كل شئ جميل في شوارع المدينة، يرتدون ملابس رثة مليئة بالثقوب ومتسخة تفوح منها رائحة القذارة، وفي الأحياء الهامشية يجد هؤلاء الصبية مرتعا خصب للبقاء على الأقل على قيد الحياة، حتى صارت هذه الظاهرة الاجتماعية تأخذ أبعادا خطيرة خاصة أن أخطر ما يتعرض له أطفال الشوارع بهذه المدينة هو الاستغلال الجنسي وان الكثير منهم أدمنوا تعاطي الكحول والمخدرات وشم السليسيون، ديليو (سائل يستعمل في خلط مواد الصباغة) ، دهان الأحذية، اللصاق أو العمل في المجال الإجرامي من خلال السرقة أو التسول.. مدينة ازمور اليوم تلفظ أطفالاً بشكل يبعث على القلق ليعيشوا في الطرقات و الأزقة .. احمد الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر لم يدخل المدرسة قط، صادفناه مع اثنين من أصدقائه في يدهم قنينات من مادة الدليو يشمون قطع قماش مبللة بهذه المادة المخدرة ،يقول هذا المتشرد القاصر: أهلي فقراء يصارعون شظف الحياة ولا يستطيعون في اغلب الحالات توفير لقمة العيش ولا يحتملون الإنفاق علي، واضاف كثيرة هي الليالي التي بت فيها جائعا ، نتعاطى الحبوب المخدرة، نحمل المخدرات في جيوبنا ونشم السليسيون ومادة الديليو حتى يغيب -وعينا عن هذا العالم الذي يرفضنا. ولم يخف صديقه كريم حزنه وهو يشم الدليو بكلمات متثاقلة وعيون ناعسة أن والده على حد قوله عصبي ومجنون وأضاف أصبحت مدمنا على الدليو والسلسيون، واتسول للحصول على بعض النقود لشراء هذه المادة، أبي سبب تعاستي فهو مدمن على الخمر ولا يعيرني أي اهتمام ،وأمي المسكينة هي التي تصرف عنا من شغلها كخادمة بيوت ومنظفة ألبسة الناس المتسخة في المنازل، ومن أين لها إن تلبي حاجة العائلة كلها ونحن خمسة بنتين وثلاثة أولاد، حاولت مساعدتها مرارا بالعمل في بعض الحرف الهامشية لكن دون جدوى، وحين كثرت مشاكلي وزادت همومي التجأت إلى شم مادة الدليو علها تنسيني ما أنا فيه، أما حال حسن الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر سنوات فليست أفضل من سابقيه، بل ربما كانت الأسوأ، تعلو وجه حسن ابتسامة مصطنعة، لا يتحدث إلينا إلا وهو ينظر إلى أسفل، يقول: ماتت أمي وأبي متزوج من امرأة شريرة دأبت على طردي من البيت لأتفه الأسباب مستغلة غياب أبي المتكرر لأنه يعمل بناء خارج مدينة ازمور، التقي بهؤلاء الأصدقاء، تجمعني بهم علاقة قوية، نقضي النهار في التسكع ونطلب من المارة النقود لشراء مادة الدليو أو السلسيون ونلجأ إلى الأماكن الآمنة لنشم هذه المواد التي تخفف من وطأة أحزاننا ، أنام في الشارع بالرغم من البرد القارس ولكن كيفما كان الحال الشارع ارحم من طغيان زوجة أبي. هذا جزء من الصور المأساوية التي رصدناها أثناء تجوالنا في شوارع مدينة ازمور، وهناك حالات كثيرة جدا مماثلة لأطفال تركوا منازلهم وأهاليهم بسبب الفقر والفاقة والتفكك الأسري.. وهكذا طغى على المنظر العام لهذه المدينة حشود أطفال الشوارع ، إلى الحد الذي دفعنا إلي الاعتقاد أننا داخل سوق للمشردين، و قد تصبح هده البراعم هي نفسها من تبيع المخدرات في غياب الرقابة ودور المجتمع المدني.. إن من أهم العوامل التي تدفع الطفل إلى التشرد في ازمور هو الفقر، فاغلبهم يخرج بحثا عما يسد به الرمق ويشبع حاجته الأساسية نتيجة لظروف أسرته الفقيرة او المتفككة، وكيفما كان السبب فإن هؤلاء الأطفال جميعاً يفتقرون إلى الحماية والرعاية المناسبة وهم معرضون للإيذاء البدني، وكل انواع الاستغلال... ?