إن إشكالية اللغة ترتبط ارتباطا وثيقا بالقضايا المجتمعية. إنها مرتبطة بهيكل المجتمع وطبقاته الاقتصادية، ومدى تقدم ثقافته مقارنة مع باقي الأمم. لكل أمة لغة تعبر بها عن هويتها وشخصيتها الحضارية. لكن فشل مشروع التعريب هو انعكاس لفشل القرار الوحدوي القومي العربي. غير أن فشل سياسة التعريب في المغرب، ما بعد الاستقلال، لم يأت نتيجة تواجد مشروع لغوي مضاد وإنما جاء نتيجة التماطل والإهمال وغياب الإرادة الفعلية من أجل تنفيذ سياسة تعريب منفتحة ومشجعة لتطور اللغات واللهجات المحلية. وبالتالي فإن غياب الإرادة يعني السماح بانتشار الأمية واللاتمدرس والتبعية، أما إرادة التغيير فكان معناه هو النهوض باللسان العربي وتقويمه وجعله أكثر انفتاحا بدل التخندق في لغة عربية تقليدية قديمة لا تعبر عن حاجة ومأساة وأحاسيس الفرد والجماعة. إن أزمة اللغة تعد تعبيرا حقيقيا عن أزمة الهوية المغربية وغياب تلك اللحمة التي توحد بين الشعب المغربي. وإذا كان الدستور المغربي الذي يحتاج إلى تعديلات عميقة يؤكد أن اللغة الرسمية هي العربية، فإنه من المفارقات الغريبة أن تكون لغة الجامعة والإدارة والاجتماعات الحكومية نفسها غير اللغة العربية. إننا داخل الشبيبة الاتحادية نعبر عن كون اللغة العربية هي الضامن للمساواة بين المواطنين المغاربة أينما وجدوا وأداة التواصل بين الفئات الاجتماعية والعاملة، على أن يتم تعميم التمدرس منذ سن الرابعة عبر تعميم التعليم الأولي والدفع بإصلاح اللسان العربي المغربي وفتح قاموسه أمام مفردات متداولة لتصير اللغة لغة الشعب المغربي وليس لغة نخبه وشعرائه والحفلات الرسمية. إنه المشروع الذي يجب أن يأخذ على عاتقه مهمة جعل اللغة العربية لغة حية قادرة على توليد المصطلحات واحتضان مصطلحات جديدة. والملاحظ اليوم أن الدولة المغربية قامت بتهميش مجموعة من اللغات واللهجات المحلية والإقليمية وعلى رأسها الأمازيغية والحسانية. إنها اللغات التي تعبر عن تنوع الثقافة المغربية. ولعل الديمقراطية تستدعي الاعتناء بهذه اللغات، ونحن كشبيبة اتحادية سنناضل إلى جانب الحركات الثقافية من أجل الرقي بهذه اللغات بعيدا عن كل شوفينية ورؤية إقصائية. إنه من حق كل مواطن تعلم لغته المحلية إلى جانب اللغة الوطنية. وبالتالي فإنه من اللازم: * تشجيع تعلم اللغات الاختيارية منذ التعليم الأولي إلى جانب اللغة الوطنية، في إطار مدرسة عمومية مجانية. * الاعتناء باللغات المحلية عبر تشجيع الأنشطة الثقافية الهادفة إلى الرقي بهذه اللغات. * تشجيع الثقافات التي تحملها هذه اللغات. الشبيبة والمدرسة والجامعة إذا كانت المدرسة هي مؤسسة التنشئة الاجتماعية الأساسية والتي تعمل على نقل الرموز والمعلومات من جيل لآخر، فإن الجامعة هي عقل المجتمع الذي ينتج المعارف الهادفة إلى تنوير المجتمع وزرع بذار التغيير بداخله. غير أن هذه الجدلية لم تعد صحيحة بشكل كبير في المغرب. فقد صارت الجامعة تحتضن أفكار التقليد والغيب السائدة في المجتمع. فصار هذا الأخير هو الذي يؤثر في الجامعة وليس العكس. هذا ولم تعد الجامعة، والتعليم عموما، وسيلة حتمية للترقي الاجتماعي بعد ظهور الآلاف من المعطلين حاملي الشواهد العليا. فصار الشاب تابعا للأسرة وغير قادر على الاستقلال عنها، مما انعكس على سلوكه الذي تخلى عن النزعة التغييرية الثورية لصالح الخوف والخضوع والانتظارية. أمام هذا الواقع يجب على الشبيبة الاتحادية أن تلعب دور المرافعة والنضال من أجل مدرسة عمومية وجامعة مربوطة بشكل مباشر بسوق العمل، منفتحة على المجتمع ومساهمة في تغيير بنيته الثقافية والاقتصادية. هذه المرافعة ينبغي اليوم أن تتم من خلال إعادة الاعتبار إلى القطاع التلاميذي من خلال إعادة هيكلته. وقد صار اليوم من اللازم إطلاق دينامية جديدة على مستوى القطاع الطلابي عبر خلق إطار نقابي جديد بأهداف واضحة ويستند إلى هوية حداثية ديمقراطية رافضة للتقليد وقاطعة مع جميع أشكال البيروقراطية التنظيمية. ولعل هذا الإطار الطلابي الجديد سيكون جماهيريا منفتحا على جميع الطلبة المؤمنين بقيم الحرية، الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وهو الإطار الذي سيعمل على الدفاع عن مصلحة الطالب الجامعي من خلال الدفاع عن مجانية التعليم، الرفع من قيمة المنحة وتعميمها، توفير المطعم وخفض تكلفة النقل بالنسبة للطالب الجامعي وتمكينه من منح تسهل له إمكانية القيام بالبحوث العلمية. في هذا الإطار، نعتقد أن ضعف التأطير الذي تعاني منه الساحة الجامعية والصراع الفارغ المضمون والذي يحتدم ما بين فصائل راديكالية ومتطرفة لا يخدم مصلحة الطالب الجامعي. وبالتالي وجب على الشبيبة الاتحادية أن تدعم فكرة إنشاء إطار بديل هادف إلى تأطير الطالب الجامعي والدفاع عن حقوقه. الشبيبة في علاقتها بالحزب نعتقد أن الحزب يعد أداة رئيسية في المجتمع. إنه الأساس الذي بدونه لا يمكن قيام الدول الحديثة. فالحزب هو أداة للتأطير ووسيلة الشعب من أجل بلوغ السلطة في إطار انتخابات نزيهة وشفافة تتنافس فيها المشاريع المجتمعية المقدمة. إنه ذلك الإطار القانوني، السياسي والأيديولوجي الذي من خلاله يدبر المواطن الشأن العام بشقيه المحلي والوطني. غير أن المغرب، منذ الاستقلال، لم تلعب فيه الأحزاب سوى دور المشارك الثانوي في الحكم. هذا الأخير ظل مركزا بيد مؤسسة ملكية دافعت بكل شراسة عن مصالح طبقة سائدة دون الطبقات الشعبية الأخرى. وكان تعامل هذه المؤسسة مع المؤسسات الحزبية مطبوعا بالحذر تارة، وبالاستبداد والقمع تارة أخرى وبصناعة أحزاب غرضها تمييع التعددية وإغراق المؤسسات المنتخبة بأفراد غالبا ما تزور لصالحهم النتائج الانتخابية، وذلك في حالات عديدة. إننا نعتبر أن الشبيبات الحزبية هي منظمات شبابية بمثابة مدرسة لتكوين الأطر الحزبية. إنها ذلك الكيان الضامن لاستمرارية الحزب عبر تزويده بالكوادر الشابة. ولعل الشبيبة الاتحادية لعبت، منذ تأسيسها، هذا الدور بكل فعالية. وكانت، إلى جانب ذلك، منخرطة في النضال المجتمعي ورافعة لراية التغيير والإصلاح المجتمعي. غير أن الملاحظ اليوم هو كون الشبيبة الاتحادية تعرف أزمة حقيقية على مستويات عدة. إنها أزمة فعل وغياب الوضوح السياسي، ناهيك عن ترهل التنظيم وخضوعه لأجندة أفراد من أجل خدمة مصالح شخصية. إن تدخل أعضاء من المكتب السياسي في شؤون التنظيم وما يوازي هذا التدخل من ضعف يخترق المكتب الوطني وعدم انسجامه وتجمد الفروع وغياب القدرة على طرح البدائل كلها عوامل ساهمت في إفراز أزمة ستعصف بشبيبتنا إذا ما لم نتجه بكل جرأة ووضوح صوب مكامن الخطأ لإصلاح التنظيم وجعله أكثر وضوحا وفعالية. ولعل المطلوب اليوم هو جعل الشبيبة الاتحادية منظمة جماهيرية مفتوحة في وجه كل الشباب المؤمن بقيم الحداثة والديمقراطية المناهضة للإقطاع والرأسمالية المتوحشة. الشبيبة الاتحادية هي صوت الشباب المدافع عن قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الطبقات المقهورة. إنه الشباب الرافض لكل أشكال التبعية والمناهض للحكم الأوتوقراطي الواحد والنظام المخزني. ولعل الوضع الحالي للشبيبة الاتحادية يحتم منح هذه المنظمة استقلالية تنظيمية تامة عن حزب الاتحاد الاشتراكي وعن أجندة الحزب السياسية. فرغم أنها تنطلق من أهداف هذا الحزب الكبرى ومن توجهاته السياسية فإنه من اللازم أن تصير هذه المنظمة إطارا جماهيريا منفتحا على كل الشباب المؤمن بقيمها دون إلزامية انخراطهم في الحزب. إن هذه الاستقلالية التنظيمية هي الكفيلة اليوم بأن تخرج المنظمة من الحسابات الضيقة التي صارت تتخبط فيها لتصير أكثر انفتاحا على شباب قد يكون منخرطا في الحزب أو في أحزاب يسارية أخرى أو ليس لهم انتماء حزبي. فالانخراط في الاتحاد الاشتراكي هو انخراط فردي وليس جماعي. الشبيبة والمسألة الاقتصادية لا شك بأن المغرب، منذ نهاية التسعينات، حقق انتعاشة اقتصادية ملحوظة. لكن هذه الانتعاشة التي جاءت في ظروف اقتصادية دولية وظروف مناخية ملائمة لم تكن بالإيقاع المرغوب ولم تكن في حجم متطلبات الشعب المغربي ولا حتى في نفس مستوى الدول المنافسة لنا. وفي نظرنا، إن الاقتصاد السياسي للمغرب يعاني من عاهات عميقة نتيجة التراكمات السلبية الطويلة لسوء التخطيط والتدبير، ناهيك عن غياب الإرادة وضعف البحث العلمي وانتشار الفساد وتشجيع الدولة لاقتصاد الريع من أجل ضمان استمرارها. ومعلوم أن الاستبداد بالحكم ليست له علاقة سببية مباشرة بالتنمية الاقتصادية. فكم من دولة أوتوقراطية شهدت تنمية اقتصادية (كوريا الجنوبية، الصين، فرنسا عهد بونابارت، إسبانيا عهد فرانكو...). غير أن المطلوب هو تحقيق التنمية الاقتصادية بالموازاة مع الديمقراطية. ولعل الإكراهات الكبرى التي تعترض الاقتصاد المغربي هو التنظيم السياسي الحالي نفسه. إنه تنظيم يقوم على توازنات سياسية جامدة تمنعه من التقدم الاقتصادي وتحقيق ثوراته الفلاحية والصناعية والتكنولوجية والخدماتية. ولعل هذا الأمر يظهر جليا من خلال تعدد الفاعلين غير الحكوميين وغير الخاضعين لمراقبة ممثلي الشعب والذين يتمتعون بصلاحيات واسعة ولا يقدمون أية خدمة لصالح التنمية والتقدم، بل يعملون عكس ذلك على استنزاف خيرات الوطن عبر مشاريع لا جدوى منها. أضف إلى ذلك كون التركيبة الحكومية نفسها غير ملائمة وتحكمها ضرورة توزيع المناصب بدون أية رؤية إصلاحية أو تغييرية واضحة. هذا ولا ننسى النسق الانتخابي الذي يفرز تحالفات غير متجانسة وغريبة. ومن بين العوائق الكبرى نذكر كذلك استمرار الدولة في نهج سياسات عمومية قطاعية غير ناجعة، محدودة النتائج أومحكوم عليها بالفشل (المخطط الأخضر، مقاولتي، إقلاع، رواج...). ولعل إشكال الخوصصة يبقى عائقا كبيرا خاصة وأنها تشمل المجالات الأكثر حساسية، كما أن الشركات المستثمرة لا تخضع لرقابة قوية من طرف المؤسسات المنتخبة وتخرق جل بنود دفاتر التحملات. ينضاف إلى هذا سياسة التبادل الحر التي انخرط فيها المغرب ليفتح أسواقه لغزو اقتصادي لم يشهد مثيلا له في تاريخه الحديث. ولعل ظواهر من قبيل الفساد والزبونية والمحسوبية الرشوة التي تخترق الإدارة والاقتصاد الوطنيين من أسفل الهرم حتى أعلاه تشكل حاجزا أمام كل تنمية اقتصادية وتجل شعارات التقدم والازدهار والمشاريع الكبرى فارغة المضمون وبدون أي معنى. إن هذا الواقع هو الذي يجعل الملايين من شباب المغرب كما باقي الفئات الكادحة، يعيشه على إيقاع الفقر والإقصاء والتهميش وعدم تكافؤ الفرص. إنه الواقع الذي ينتج الآلاف من المعطلين حاملي الشواهد العليا والآلاف من المهاجرين السريين وأطفال الشوارع وفتيات الرصيف والاستغلال الجنسي. إنه الواقع الذي سيولد الانفجار في الهوامش وسيؤجج الحركات الاجتماعية الاحتجاجية في المدن والأرياف. ولعل المقاربات الأمنية التي تنهجها الدولة لا تعمل إلا على تأزيم الوضع وزرع الحقد وقتل الانتماء الوطني في قلوب الشباب المغربي. كما أن الديمقراطية وحدها ليست كفيلة بالتصدي لهذا الواقع. فإلى جانب الدمقرطة الشاملة، إنه ينبغي فرد نظام للحكامة الاقتصادية يجعل من محاربة الريع، الإصلاح الزراعي العادل، تشييد الوحدات الصناعية الوطنية، تشجيع البحث العلمي والتكنولوجي... أولوياته الأساسية. إنه لمن المستعجل اليوم، في نظرنا، القيام بفرض الشفافية والمحاسبة على جميع السياسات العمومية عبر تقوية مؤسسة الوزير الأول وتخويل المسؤولين الحكوميين والمنتخبين المحليين حق ممارسة جميع الصلاحيات المخولة لهم. هذا الأمر يستدعي إبعاد المؤسسات المعينة التي تلعب هذا الدور دون حسيب ولا رقيب. كما أنه من اللازم أن إخضاع التوجهات والمشاريع الاقتصادية الكبرى إلى نقاش شعبي داخل البرلمان والمجالس المنتخبة وتفعيل الدور الاستشاري مع المجتمع المدني عوض أن تظل هذه التوجهات حبيسة إرادة القوى الاقتصادية الأجنبية والمؤسسة الملكية. الشبيبة والوحدة الوطنية أمام الاحتلال الإسباني المستمر للمدينتين السليبتين «سبتة» و»مليلية» وأمام استمرار النزاع في منطقة الصحراء، فإن المغرب لم يكمل بعد استقلاله ولم يتم وحدته الترابية. وإذا كانت حكومة الظل والمسؤولين عن القرار في المغرب قد طبعوا العلاقات مع إسبانيا وتراجعوا عن المطالبة اللامشروطة باسترجاع الثغور المحتلة بشمال المغرب، فإن الشبيبة الاتحادية لا زالت مستعدة للنضال من أجل استقلال هاتين المدينتين وعودتهما إلى المغرب. كما أن الشبيبة تندد بالاحتلال الإسباني الغاشم لسبتة ومليلية وتناهض جميع أشكال الاستعمار. ولعل قضية الصراع في الصحراء تعتبر من بين القضايا التي تهدد أمن واستقرار المنطقة المغاربية عموما. وإذا كنا ننطلق من كون الصحراء المغربية جزءا لا يتجزء من المغرب، فإننا نؤكد في ذات الآن على فشل الديبلوماسية المغربية غير الشعبية التي فوضت لنفسها واحتكرت تدبير ملف الصحراء دون إشراك المؤسسات السياسية المنتخبة والقوى الحية في البلاد من أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية. كما أننا نؤكد على أن أعداء مغربية الصحراء من البوليزاريو والجزائر وباقي الدول التي لها مصلحة في استمرار النزاع وتقسيم الشعب المغربي يستفيدون من السياسة العمومية غير الناجعة التي تنهجها الدولة المغربية في الصحراء. فبدل خلق تنمية حقيقية في هذه المناطق المتنازع عليها، تنهج الدولة سياسة اقتصاد الريع وشراء الذمم مما يخلق فئات واسعة من المهمشين والفقراء سرعان ما يتبنون الطرح الانفصالي الذي لا ينتمون له في الأصل، ولكن فقط لأنه يمنحهم فرصة الحصول على امتيازات مقابل التراجع عن طرحهم الباطل. إن التنمية المجالية الشاملة والقضاء على الأمية وبالتالي استئصال الفكر القبلي ووضع أسس الديمقراطية تعد الطريق الفضلى للقضاء على خيار الانفصال وفك النزاع في الصحراء المغربية التي صارت منطقة تنذر بكارثة إنسانية كونية. إن الشبيبة إذ تدعو البوليزاريو إلى العدول عن طرحهم الانفصالي والانضمام إلى الوطن والانخراط في البناء الديمقراطي والتنموي لمغرب الغد فهي تؤكد على ضرورة السماح للأحزاب السياسية والمؤسسات السياسية المنتخبة بالانخراط في تدبير ملف قضيتنا الوطنية وإشراك ممثلي الشعب المغربي في جميع التطورات.