شكل المعرض الدولي للنقل والحركية « لوجيسترا »المنعقد في المعرض الدولي للدار البيضاء ما بين 24 و 28 دجنبر الجاري فرصة جديدة أمام المهنيين للاطلاع على ما جد من تجهيزات تواكب حاجيات الطلب المتزايد في المغرب على الخدمات اللوجيستيكية العالية الجودة، ومناسبة لتبادل الرأي حول أهم القضايا التي تتحكم في مستقبل القطاع والعاملين به والمرتبطين به، فنوعية الشركات العارضة عكست إلى حد بعيد نوعية العلاقات التي تربط فيدرالية النقل التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب مع الهيئات والشركات الوطنية والدولية الفاعلة في القطاع، وإذا كان من الصعب حصر مستوى الصفقات التي أبرمت بهذه المناسبة فإن تنوع الحاضرين، بمن فيهم الذين يختلفون تنظيمياً مع فيدرالية النقل، غذى المناقشات الثنائية، البعيدة عن الأضواء، وأفرز المزيد من الأدلة التي تؤكد بأن المخاطر التي تهدد القطاع ليست في القدرة على التأقلم مع المعايير الدولية التي تتغير باستمرار، وإنما في قدرة باقي الهيئات على مواكبة المهنيين، وخاصة منهم أرباب المقاولات الصغرى الذين يمثلون حوالي 90% من مجموع المقاولات المغربية العاملة في قطاع النقل الطرقي العمومي للمسافرين والبضائع، وهذه المواكبة لا تهم القطاع البنكي فحسب وإنما تشمل بشكل خاص الاستراتيجية الحكومية في مجال اللوجيستيك ونوعية خياراتها. طوال اليومين الأولين من انعقاد المعرض هيمن منطق الخوف مما قد يحمله المستقبل على تحاليل العديد من المهنيين، ومنهم من ذهب إلى حد إثارة الانتباه إلى أن الطريقة التي تدبر بها استراتيجية اللوجيستيك يمكن أن تسفر عن إخضاع المغرب إلى الهيمنة الأجنبية وعن ارتفاع كلفة النقل ومن خلالها ارتفاع كلفة المعيشة، وقد كان من المرتقب أن يحمل خطاب الوزير الوصي عن القطاع بعض الأجوبة المطمئنة على التخوفات المعبر عنها منذ عدة أشهر، والتي غذتها المعطيات التي تؤكد اتساع رقعة كبريات الشركات الأجنبية العاملة في قطاع اللوجيستيك على حساب المقاولين الصغار والمتوسطين، ولكن الوزير كريم غلاب كرر في الخطاب الذي ألقاه في اليوم الثالث من افتتاح المعرض نفس الأرقام والتوجهات والخيارات التي سبق له أن عرضها في عدة مناسبات وسبق لرئيس فيدرالية النقل عبد الإلاه حفظي أن عرضها في الندوتين الصحفيتين اللتين نظمهما قبل انعقاد المعرض، فقد كان اللقاء بمثابة «مراجعة للدروس» عوض أن يكون فرصة للتقدم في مواجهة العراقيل التي تحول دون استمرار نسبة مرتفعة من أرباب المقاولات المغربية الفاعلة في قطاع اللوجيستيك، وخاصة منهم اأرباب الشاحنات وحافلات النقل بين المدن، في مزاولة نشاطها. إن المغرب الذي يسعى إلى تقوية علاقاته الاقتصادية مع دول القارة الإفريقية يواجه اليوم وضعية استثنائية، فبالنسبة لأوربا التي تتوفر على قوة شرائية مرتفعة وعلى قوانين واضحة، تضاءلت حصة الأسطول المغربي من الرحلات التي يقوم بها إلى أوربا وصارت العديد من المقاولات المغربية تواجه احتداد مشاكل التنافسية غير المتكافئة مع الأسطول الأوربي داخل التراب المغربي، أما بالنسبة لإفريقيا التي تعاني من ضعف القدرة الشرائية وغياب ضمانات الأداء ومن مشاكل أمنية فإن المقاولات المغربية التي تعاني من مشاكل عويصة داخل التراب المغربي لا يمكنها أن تقوم برحلات إلى إفريقيا ما لم يكن هناك دعم حكومي منبثق عن رؤيا استراتيجية تضع قطاع اللوجيستيك في صلب العلاقات النموذجية التي يسعى المغرب إلى ربطها مع القارة الإفريقية. ففوائد الموقع الجيواستراتيجي للمغرب بما فيها القيام بدور صلة الوصل بين إفريقيا وأوربا، لا تتم عبر الخطب والتصريحات والأماني، وإنما عبر تقوية الآليات الوطنية لتكون في مستوى تنفيذ الخيارات الاستراتيجية المعلن عنها.