تستلهم الفدرالية الديمقراطية للشغل فلسفتها من طبيعة المشروع المجتمعي الذي تطمح إلى إرسائه، مجتمع إنساني قوامه العدل والحرية والتضامن والمساواة. ومن قناعاتنا الراسخة بالديمقراطية وتحفيز المشاركة الفاعلة للمناضلين في جميع القطاعات والمجالات وسيلة وهدفا للتغيير، فالتصور التنظيمي يعكس مجموعة من القيم الجوهرية التي تؤمن بها النقابة وتسعى جادة إلى نشرها وتأصيلها داخل المجتمع. إن الذي يهتم بالقطاع النقابي بشكل عام، والمسؤولين به بشكل خاص، لابد أن يثيره مسار تاريخ انطوى على تناقضات حادة منذ تأسيس العمل النقابي داخل المغرب إلى غاية اليوم، إنها فعلا تراكمات تستوجب الوقوف عند كل محطة واستقرائها ثم تحليلها تحليلا يعتمد الواقعية في التغيير النضالي والعقلانية في التحليل النظري. وهذا يعني بالنسبة لنا كمناضلين داخل القطاع النقابي، الإيمان بأن عملية تغيير الواقع عملية ممكنة، بل وضرورية، شريطة التخلص من أعراض الجموح الرومانسي والنزوات الإرادوية الفجة، والإنصات الذكي والمنتبه إلى الواقع وإكراهاته والتخلص من النظرة الستاتيكية الجامدة. والتحرر من سطوة النصوص ونزع قدسيتها، والإمساك بمداخل التغيير عبر إعادة الاعتبار لمفهوم الدينامية التاريخية، والإيمان الصادق بقدرة الفاعلين الاجتماعيين على إنتاج الفكر المطابق للوضعية، ونحن لسنا واهمين حتى نستسهل إمكانية إنجاز هذا التجديد الفكري العميق، فشعار «الثقافة النقابية الحداثية»، يحيل حتما إلى مهمة ثقافية تاريخية تتطلب انخراطا واسعا من لدن المجتمع، وظاهر أن الأمر يتطلب منا صراعا جريئا وشجاعا من أجل أن ينتصر الأداء العقلاني والواقعي الملتزم المفتوح على المستقبل، وإشعاع مفاهيمه داخل القطاعات وخارجها ضدا على إكراهات متعددة مناوئة، ليس أقلها أهمية أننا نعمل داخل مجتمع متأخر، ما زالت هيمنة الثقافة التقليدية عليه قوية مما يجعل بالضرورة، إمكانات ازدهار النظر العقلاني والواقعي ضامرة ويقوي بالمقابل الممارسات القائمة على الذوات وسيادة منطق رد الفعل، وما إلى ذلك من مظاهر الثقافة النقابية التقليدية. ويمكن تجسيد هذا المفهوم المتجدد للمارسة النقابية،التي تسعي الفدرالية الديمقراطية للشغل في تعاطيها مع المرحلة المعقدة التي يمر بها القطاع النقابي، والمتعلقة بتدبير الانتقال الديمقراطي بوطننا، وكذا تدبير محطة التحولات الحاصلة في هذه الفترة بالذات. وفي سياق ذلك، أدمجنا ضمن نسق الثقافة النقابية الحداثية المفاهيم التالية: 1- مفهوم الحوار الحداثي : إن هذا المفهوم يتمتع لدى الفدرالية الديمقراطية للشغل بمكانة مركزية ضمن بنية الثقافة الحداثية، كما ندعو إليها، فهو لا يفهم كدعوة أخلاقية مجردة، كما أننا نعتبر أنه أرقى من أن يبقى محصورا في إطار أسلوب التدبير الاضطراري لبعض اللحظات. إن مفهوم الحوار الحداثي، كما يجب أن يفهم، يتأسس على قراءة جديدة، بعيدا عن المعنى الذي كانت ثقافة المعارضة سابقا لا ترى فيه سوى جوانبه الصراعية والتناحرية، حيث لا يمكن تصور التقدم إلا عبر آلية النفي المتبادل، في حين أن حركة التقدم لدى مناضلي القطاعات النقابية المماثلة في الغرب، لم تتحقق فقط عبر لحظات التصادم الصراعي، بل أساسا عبر بناء عقلية حداثية تضمن التوازن بين القوى المتضاربة المصالح والتوجهات والمشارب داخل المجتمع. إن مفهوم الحوار الحداثي، كما نستخلصه من هذه التجارب، يمثل في حقيقة الأمر، التتويج الفعلي لإشراك الفاعلين الاجتماعيين للتعبير عن عقلنة التسيير، كما أفضت إليه التجربة البشرية، بما هي تدبير للاختلافات والتناقضات التي تسكن المجتمع في أفق تحقيق التقدم وتثمين استقرار القطاعات والبحث عن التنمية المستدامة وتعزيز الأرباح. وإذا كان مفهوم الحداثة يستند ? بالنسبة لنا ? إلى هذه الرؤية المتعددة للممارسة النقابية، فإننا نعتقد أن الشروط المحيطة ببلدنا وقطاعنا النقابي حاليا، وخاصة ما تطرحه العولمة الكاسحة من تحديات تسائل الوجود والكيان ذاته بمختلف مكوناته وتجعل إنماء مفهوم الحداثة مسألة حيوية. 2 تجديد الممارسة النقابية بما يجعلها تفكيرا تطويريا عبر اقتراح البدائل : تستلهم الفدرالية الديمقراطية للشغل فلسفتها من طبيعة المشروع المجتمعي الذي تطمح إلى إرسائه، مجتمع إنساني قوامه العدل والحرية والتضامن والمساواة. ومن قناعاتنا الراسخة بالديمقراطية وتحفيز المشاركة الفاعلة للمناضلين في جميع القطاعات والمجالات وسيلة وهدفا للتغيير، فالتصور التنظيمي يعكس مجموعة من القيم الجوهرية التي تؤمن بها النقابة وتسعى جادة إلى نشرها وتأصيلها داخل المجتمع. الديمقراطية ومن مبادئها، حقوق الإنسان في حركية الأفكار والأفراد. استقلالية النقابات القطاعية المنتخبة. حقوق الإنسان : وتعني بالنسبة للفدرالية حقوق الأعضاء، حقوقهم الإنسانية الطبيعية التي لا يمكن للمؤسسة أن تصادرها تحت أي مبرر كان. فالنقابة الحداثية فضاء رحب لحرية الفكر والاجتهاد لتطوير الشخصية وتفتحها لتنمية المبادرة وحقل الإبداع لتحفيز الطموح. واختيارات الفدرالية ومواقفها هي حصيلة المجهودات ومساهمة كافة أعضائها من أجل تطوير المجتمع، وكذلك نتاجا للتفاعل المثمر لمختلف آرائهم. إذن فالانتماء للفدرالية الديمقراطية للشغل يعبر عن الرغبة في المشاركة والاختيار وعن الإرادة والواعية بضرورة الفعل بهدف تغيير العلاقات السائدة في المجتمع القائمة على أساس الخضوع والتهميش وسلب الإرادة والاستئثار بالرأي والقرار. لذلك فالنقابة الحداثية تقر بحق الأعضاء في التعبير الحر والعلني عن آرائهم المختلفة سواء داخل قطاعاتهم أو داخل القنوات التنظيمية وبالشكل الذي يرونه مناسبا في إطار اللياقة والاحترام المتبادل، فالتعبير الحر عن الاختلاف لا يمكنه أن يضر وحدة النقابة المؤمنة بالتعدد والشفافية، بل على العكس من ذلك يكسبها مناعة ضد الانقسامات كما تعارض النقابة الحداثية المقولة القائلة »ضرورة تطبيق كل الأعضاء للتوجهات المركزية« كواجب من واجبات العضوية بدعوى صيانة الوحدة وضمان الفعالية. إن ذلك يعني في نهاية الأمر إرغام المناضلين المتشبثين بموقف مغاير على تبني أحد الاختيارين. إما العمل ضد قناعاتهم وهو شيء غير معقول ومناف لحقوق الفرد أو التهميش والانسحاب. فالتجربة تبين بما لا يدع مجالا للشك أن هذا النوع من المركزية المهيمنة على حرية الفرد يؤدي في الغالب إلى فقدان النقابة لكل الذين يختلفون في مرحلة من المراحل سواء بشكل جزئي أو كلي مع موقف من مواقفها. نسعى عبر هذا الملمح من ملامحح الثقافة الحداثية كما ندعو إليها المساهمة في تخليص الفاعلين الاجتماعيين من التقاليد التي راكمتها المعارضة بفعل ظروف تاريخية معينة، تقوم على تأجيج التحريض ومن الواضح أن هذا الأسلوب، يغذي موضوعيا انتعاش الإرادوية واللاعقلانية، داخل الممارسة النقابية، عوضا لضرورة تشجيع التفكير بواسطة البدائل والبرامج الملموسة وتأسيس ممارسة حداثية واقعية من شأنها اعتماد التنسيق المنطقي والعقلاني من اجل تثبيت ركائز الدعم الحقيقي للمواطنة الفاعلة التي تدعو المنخرطين داخل المؤسسة الحداثية إلى الإيمان بالمواطنة الفاعلة والمسؤولة، ليبقى في آخر المطاف الهدف الأسمى هو جعل المواطن المغربي أداة للتنمية وهدفا لها في آن واحد. عضو المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية لقطاع السكك الحديدية العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل