بكل برودة وبابتسامة صفراء، فاجأ دركي متمركز بإحدى الطرق الوطنية، سائق سيارة عند نقطة مراقبة بالقول بأنه تجاوز السرعة القانونية. ولأن السائق كان متيقنا بأنه كان يسير بالسرعة المسموح بها، ولأنه يصر على احترام قانون السير، ولأنه حاج ، فقد احتج و أقسم بأغلظ أيمانه بأنه لم يتجاوز السرعة القانونية. وقتها لم يجد الدركي «المغلوب على أمره» حرجا في الاعتراف له، حيث صارحه بقلب مفتوح قائلا : « ماعندي مانديرليك.. جا فيك البلان أخويا!». «البلان» الذي يتحدث عنه الدركي هنا هو نظام الكوطة أو الحصص التي سبق أن تحدثت عنها الصحافة الوطنية غير مامرة وهو عرف يلزم كل سرية وكل نقطة مراقبة على امتداد طرقنا وشوارعنا، بعدد محدد من البطاقات الرمادية ورخص السياقة التي يجب سحبها يوميا وإيداعها الإدارة. نظام الكوطا أو الحصص هذا هو الذي يدفع بالبعض إلى افتعال مخالفات ليس لها وجود إلا في مخيلة الدركي أو الشرطي للوصول إلى الحصة المقررة ولم لا «زيادة شوية» فالله يرحم من «نََفعْ واستنفع»! سياسة الكوطا هاته تحتاج لوقفة تأمل لمعرفة ليس فقط تبعاتها والتي يمكن تلخيصها في تصريح السيد الدركي المغلوب على أمره، «جا فيك لبلان» بل تحليل أسبابها والغايات المرجوة منها. فإما أن السيد مهندس الحصص المحددة، تأكد مما لايدع مجالا للشك بأن رجالاته عوض سحب أوراق السيارات يتم سحب الأوراق الأخرى! خاصة بعد أن تأكد الأمر بالصوت والصورة مع فضيحة قناص تارجيست وغيره، وإما لعلمه المسبق بأن تساهلا ما قد يكون مع الذين يخالفون قانون السير، خاصة وأن عددا كبيرا من المغاربة معروف عليهم «حبهم الجم » لخرق القوانين وبالتالي هناك تناقض بين عدد الرخص المسحوبة مقارنة مع عدد حالات الخرق على أرض الواقع، وإما أن إدارة الدرك الملكي مثلا وضعت نصب أعينها رهانا على عدد محدد من الغرامات التي يجب على عناصرها ضخها في الخزينة مهما كلف الأمر، وهذا أمر وارد أيضا. المهم، مهما كانت غاية مهندس نظام الحصص في تحديد عدد الرخص المسحوبة ومهما كانت الأهداف المرجوة منه، فإن «البلان غادي يخرج في شي وحدين » ! أتخيل كيف سيكون الأمر لو أن الجميع ركب رهان احترام قانون السير، ماذا لو احترمنا الأسبقية وعلامات المرور والسرعة القصوى؟ ماذا لو سقنا بشكل حضاري لقطع الطريق على المتربصين بنا في الشارع والطرقات؟ فماذا سيكون رد فعلهم؟ وأية تهمة ستوجه إلينا ليتم سحب الرخصة أو تسجيل محضر مخالفة؟ وقتها لن يجدوا حرجا في البحث عن أسباب أخرى لاعلاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالسياقة ولا بقوانين السير، وقتها وفي سبيل احترام نظام الكوطا والحصص المحددة، ستتفتق عبقرية ومخيلة البعض للبحث عن هفوات صغيرة لإرضاء الإدارة العامة، فيصبح الضحك ممنوعا أثناء السياقة لأنه لايساعد على التركيز، والإستماع إلى الأغاني مخالفة جسيمة لأنها تساعد على السهو المتسبب في الحوادث وهلم جرا..! نظام الحصص يؤرخ لمرحلة «البلانات» وهي مرحلة لابد أنها تجد امتداداتها في المدن أيضا بدون شك من أجل تعميم التجربة مادامت تحقق مداخيل مالية جد مهمة ومادام الشعب «جا فيه البلان من زمان..»!