أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    ..توقيف طالب بتهمة الاعتداء على أستاذة ب "شاقور"    المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة يواصل تحضيراته تأهبا لمواجهة أوغندا    الطالبي العلمي يرد على بركة: "ليس هناك 18 مستوردا وإنما 100 مستثمر في مجال استيراد الأغنام والمبلغ لا يصل إلى مليار و300 وإنما 300 مليون"    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    توقيف شاب متورط في التحريض على اقتحام سياج المدينة المحتلة    رقمنة الإستفادة من تعويضات العلاج ل"CNSS".. هذه هي الخطوات الجديدة التي يجب اتباعها من قبل المؤمن لهم    مسيرة تدعم الفلسطينيين في الرباط    إسرائيل تقتل 25 شخصا بقطاع غزة    العلمي: "ديون الضمان" ملف مصطنع .. ولا علاقة لحزب الأحرار ب"جود"    العلمي: لم أتلق ردا من المحكمة الدستورية بخصوص انسحاب الUMT من التصويت على قانون الإضراب    الصين تعتمد مخططا للتحول الرقمي للصناعة الخفيفة    ارتفاع الدرهم مقابل الدولار    حصيلة الزلزال في بورما تتجاوز ألف قتيل    الصين تدعو لتعاون عالمي رابح – رابح في مجال العلوم والتكنولوجيا    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    معنينو يكشف "وثيقة سرية" عن مخاوف الاستعمار من "وطنيّة محمد الخامس"    المعارضة بجماعة الجديدة تطالب بإدراج نقاط تتعلق بوضعية النظافة والصحة والثقافة في دورة ماي 2025    الرميد يرد على لشكر: مهاجمة حماس وتجاهل إسرائيل سقوط أخلاقي وتصهين مرفوض    الساسي يُقيم مشروع المسطرة الجنائية    المغرب التطواني يعبر لدور ثمن نهائي كأس العرش    المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية بطنجة تُعلن عن أماكن إقامة صلاة عيد الفطر لعام 1446    وفاة شاب في أصيلة في ظروف مؤلمة.. والمعطيات الأولية تشير إلى اضطرابات نفسية    الوداد يتأهل إلى ثمن كأس العرش    نقابات تطالب بحماية الموظفين خلال عملية توزيع الأعلاف.. وإشادة بمجهودات المديرة الإقليمية لوزارة الفلاحة بطنجة    أوراق من برلين.. أوقات العزلة المعاصرة: اكتشاف الشعور الكوني    ترجمة "نساء الفراولة" إلى العربية    لائحة الشركات التي تقدمت للإستفادة من الدعم المخصص لأضاحي العيد العام الماضي    حلويات "الفرّانْ" تتراجع بشفشاون    الأمم المتحدة: مقتل 830 فلسطينيا في غزة خلال 8 أيام بينهم 496 امرأة وطفلا    عبد الرحيم.. نموذج مشرف للأمانة يعيد عشرة ملايين سنتيم إلى صاحبها في سوق إنزكان .    العامل المنصوري يبشر بمشروع "مدينة الترفيه والتنشيط" لتطوير إقليم تطوان وخلق فرص للشغل    محكمة الاستئناف ببرشلونة تبرئ اللاعب ألفيس من تهمة الاعتداء الجنسي    تألق ليلة القدر في رمضانيات طنجة الكبرى: روحانية، تراث وتكريم لذوي الهمم    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    تحويلات مغاربة الخارج تتجاوز 17.8 مليار درهم وتراجع طفيف في الاستثمارات بالخارج مقابل ارتفاع قوي في تدفقات الاستثمارات الأجنبية بالمغرب    رفع الإيقاف عن مهدي بنعطية    عمرو خالد: هذه تفاصيل يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.. مشاهد مؤثرة ووصايا خالدة    الديوان الملكي يعلن عن ثلاث تعيينات جديدة    144 قتيلا جراء الزلزال في ميانمار    شهر رمضان.. وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم حصيلة حملة المساعدة الإنسانية في القدس    بخصوص ما قاله الكاتب الأول عن فلسطين الآن!    مستقبل الدولي المغربي سفيان أمرابط بات على المحك … !    بورقية وبوعياش وبلكوش .. الديوان الملكي يعلن عن تعيينات جديدة    إسبانيا تعلن عن ملف مشترك مع المغرب والبرتغال لتنظيم بطولة عالمية جديدة    السعيدية.. تسليط الضوء على الندوة الدولية حول تطوير الريكبي الإفريقي    العجز التجاري للمغرب يقفز إلى 50.7 مليار درهم عند متم فبراير    وزارة الداخلية.. إغلاق 531 محلا ومصادرة 239 طنا من المنتجات غير القانونية    العرض ماقبل الأول لفيلم «مايفراند» للمخرج رؤوف الصباحي بسينما ميغاراما    رامز جلال في رمضان والكاميرا الخفية المغربية .. مقلب في الضيوف أم في المشاهد؟    مباريات كرة القدم للتأهل إلى المونديال إصابة أكرد تدمي قلب مشجع ستيني    عودة أسطورة الطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي في عرض يعد بالكثير    باحثون يكتشفون رابطا بين السكري واضطرابات المزاج ومرض ألزهايمر    كرة القدم لعبة لكنها ليست بلا عواقب..    سكان المغرب وموريتانيا أول من سيشاهد الكسوف الجزئي للشمس السبت    "الرزيزة" .. خيوط عجين ذهبية تزين موائد ساكنة القصر الكبير    رسالة إلى تونس الخضراء... ما أضعف ذاكرتك عزيزتي    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كي لا ننسى.. عندما غصّ المكانُ بالصُور.. وتكلّم الشهيدُ فأنطق الحجر

تخليذاً للذكرى الخامسة والأربعين لاختطاف واغتيال رجلٍ ناذراً مايجود الزمان بمثله، تخليذا لذكرى عريس الشهداء، المهدي بنبركة، نظم الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، مساء يوم السبت 30 أكتوبر 2010، بالمركب الثقافي محمد زفزاف بالدار البيضاء، معرضاً خاصاً بصور هذا القائد الرمز، أبُ الفكرة التقدُّمية وأحد بُناة المغرب الجديد، الذي وهب حياته خدمةً لبلادِه.. صورٌ تُؤرّخ لحياة الشهيد.. في مجالات فِعله وعطائه، بعضُها مُرفقة بأقواله المأثورة، وبعضها مُرفقةٌ بِما قيل عنه، وبُورتريهات ناطقة، يبدو أن الشهيد يُخاطبنا من خلالها.. كأنّهُ يقول لنا : لم اقدر على نسيانكم.. مازلتُ أذكرُكم واحداً واحداً.. مازلتُ أذكرُ أسماءكم.. وُجوهكم.. ملامحكم.. ابتساماتكم.. عيونكم.. ما زلت أذكر كل ما كان يجمعُني بكم..
الصُورُ تٌؤكد أنّ السّي المهدي، كان أحَدُ الوجوه البارزة في حركة التحرير الشعبية، دِينامو الحركة الوطنية، ابنُ الشعب، المُرتبط دائماً بالجماهير وبالحركة النقابية، مُؤسس اليسار ومٌنسّق عمل الحركات الثوريّة في العالم الثالث، الُمُدافع عن الشعوب المقهورة والمُستضعفة، المُدافع عن الديمقراطية والحرية وقضايا حقوق الإنسان، المُدافع عن المرأة والطفولة والشباب،المُثقَل بِهموم شعبه، دائم التّنقُل بين مُختَلف مُدن المغرب وقُراه، وحاضرٌ في كلّ المحافل الدّولية.. صورٌ تُبرز ما اختزلته شخصية الرجل من خصالٍ وصِفات وتطلُّعات.. صور تؤكد أن الشهيد كان من العيار الثقيل.. كان رجل دولة بامتياز، ولكن في خِدمة الشعب.. كان رجلاً وطنياً، مناضلاً قومياً، وثائراً كونياً.. كان قائداً محنكاً.. رقماً صعباً.. مناضلاً صلباً.. خطيباً متمرساً وملتزماً برسالة لايمكن لغيره أن يومن بها.. وفي بعض اللقطات تُبرز لنا الصُوَر المهدي المُواطن المُناضل، الذي لا ينفصِلُ عندَه العمل عن التّأمّل والنّقد، كُلّه حيوية وديناميكيّة ودِقّة ولَمَعان وتبصُّر.. صاحبُ الطاقة الإستثنائية والقُدرة على العمل، المُبدع، المُفكر، صاحب الأفكار الواضحة،المُنظّروالمُحاظِر، المُتشبّت بقناعته والمُسيطر على مُجريات النّقاش، صاحب المُبادرات الجرّيئة والمهام الصّعبة..
وفي لحظاتٍ عائليّة، تُؤكد لنا الصور أن أستاذ الرياضيات ومربي الأجيال كان إبنا باراً.. رجلاً طيّباً.. زوجاً وفياً مخلصاً.. محباً عاشقاً.. وأباً حنوناً.. صور تجعلنا نُدرك قيمة الوطن والوطنية.. تجعلنا نُدرك معنى نُكران الذات والتضحية، ونبد كُل ما تحمِله ذواتنا من فكرٍ متطرّف وإقصاء وأنانية.. وفي كُل الصور، كان المهدي يُردد أن السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة.
صور تؤكد أن الرجل كان يتوقع جريمة اغتياله، ويعرف من نسج خيوطها.. ففي بعض الصور يبدو المهدي وكأنه يسائل الذين تواطأوا بالصمت، ويتكتمون عن أسرار الحقيقة، لعلهم يتجرأون ويجاهرون بها، كان يتساءلُ بصوتٍ عالٍ: أماآن للجُناة، والذين اختاروا الصمت، أن يستجيبوا لإرادة الحقيقة..؟ بل يكاد يسر لنا من خلال بعض الصور بوقائع وتفاصيل الجريمة..
المعرضٌ كان يحتاج فقط إلى صور الجريمة حتى تكتمل الحقيقة.. عندما استدرجوه.. عندما اختطفوه.. عندما عدبوه.. عندما قاموا باغتياله.. عندما كان مضرجاً بدمائه.. عندما لفظ آخر أنفاسه.. أين نُقل جثمانه، وأين دُفن، بالإضافة إلى أدوات الجريمة
شخصياً، لم أتشرّف بمعرفة المهدي بنبركة.. فعندما تم اغتيال عريس الشهداء، كنتُ ماأزالُ جنيناً في بطن أُمي. ولأن التاريخ يجعل سير العُظماء خالدة، ويُطيل في عُمر أصحابها حتى يظلّوا تاج مجدٍ وكبرياء على مرّ العصور وتعاقٌب الأجيال، فقد عرفتُ الشهيد من خلال ذاكرة حزب القوات الشعبية،من خلال الاختيار الثوري، ومن خلال فِكره الذي تشبّع به بعض رفاقه، وكذلك من خلال بعض الكتابات الصحفية التي تُنشر من حين لآخر على امتداد التاريخ والجغرافية.
لم أعرف الرّجُل عن قُرب، لكنني تشرّفتُ ذات يومٍ من دجنبرسنة1999، بِلقاءٍ حميمي مع أرملته وأبنائه عندما عادوا إلى أرض الوطن، ضِمن وفدٍ من حركة الطفولة الشعبية، كان على رأسه السّي الطيبي بنعمر، صديقُ أسرة الشهيد وأحَد الذين كانوا أكثرُ قُرباً منه. كما أُتيحت لي في إطار عملي الصحفي، فُرصة مُساءَلة بعض عناصر جهاز المخابرات المغربية بوحدة «الكاب1» الذي كان يُشرف عليه الجنرال الدليمي الذي تكلّف بتنفيد الجريمة.
لم أُعايش الشهيد، لكنني عشتُ مُختلَف مراحل عُمره مِن خلال الصُوَر، بل كِدتُ أُصافحُه ذلك المساء..ففي بعض الصور، رأيتُ المهدي، الطفل، الشاب، ابن العائلة الفقيرة، المُتواضعة، المهدي، الذي حَباهُ الله بِكلّ المُؤهلات، المُتميّز بِذكائه الحاد وتفوّقِه المُنقطع النظير ونجاحاته الباهرة في سائر الميادين، العبقري، المُلمّ بفقه الجبر وضروب الهندسة والمنطق.. المهدي، الكتاب المفتوح في حياته الخاصّة والعامّة في نضاله من أجل حرية وتقدّم بِلاده.
ولأن الحقيقة حق مثلما الدّم حق، وكلاهُما دَينٌ، والدّينُ حقٌّ لا يُؤجّل، فستبقى الحقيقة هي الإسمُ العملي للمُصالحة، والشكلُ الأرقى للإنصاف.وفي انتظار بزوغ شمس الحقيقة، كي نودّع الشهيد وداعاً يليقُ بحجمه وبمقامه.. في انتظار أن نُزيّن قبرَهُ بِالوُرود، ونَشدو عليه أغاني الحبّ والفرح والحريّة ويرتاح ضميرنا الجماعي.. في انتظار كلّ ذلك، سيظلُّ المهدي منفانا وغُربتُنا، سيظلُّ مرجِعنا ومُرشدنا نحو المُستقبل، وسيظلُّ المهدي الوجهَ المُشرق الذي يُضئُ خريطة الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.