لم أكن من المتحمسين إلى فتح حساب لي على الفيس بوك إذ كنت أعتبرأن جميع رواد هذه القارة السادسة هم بالأساس أشخاص نبذتهم المنابرالإعلامية الورقية والإلكترونية ولاذوا بالضرورة إلى أيسر وأقصر السبل إلى قلوب الناس (الفيس بوك). قلت لأحد قدماء الفيسبوك : (هاذ الفيس بوك مابغاش يدخل لي فالراس ؟) فرد علي بتهدئة وتجربة فيسبوكية : واحدة واحدة حتى تفهمو ومنذ ان دخلت على الفيس بوك صرت أتصوروما أزال أن هذا السند الشبكي مثل (جوطية) مغربية تتأثث من دكاكين أبوابها مفتوحة 24/ 24 لتعرض كل أصناف وأنواع الإنتاج البشري (الفني والأدبي والإعلامي ...) وأنا مدجج بثوابت هويتي وملامحها المتفردة كان بالنسبة إلي النزول إلى شارع الفيسبوك هذا هوعبورإلى ضفة شبكية أجهل كل الجهل ماقد سوف تفصح عنه غاباتها من أسرار.. مفاجآت .. ومغامرات على المستوى العلائق الإنسانية بكل ما اجتمع وما تفرق من ثوابتها ومتحولاتها . وأعتقد أن الفيسبوك وبالإستناد إلى قاعدة بياناته السحرية والمغرية قد جمع ما تفرق في الأسناد الإلكترونية الأخرى (منتديات .. مدونات .. مواقع ..إلخ) ، فلكل (مخلوق) فيسبوكي حريته في أن يشكل من هذا السند بالرغبة والهدف الذي يرومه بمفرده أوبإشراك الجماعة التي تقاسمه نفس الإنتماء (الجغرافي ، السياسي ، الجمعوي ، الفني ، الإعلامي ...) ولعل أهم مايميزالفيسبوك ويتحقق فيه من دون غيره من الأسناد الإلكترونية الأخرى هي هذه الدرجة المتطورة والعالية من التفاعلية من خلال التعاليق والرد على التعاليق والرد على الردود وبالتالي فإن هذه اللقيا الإفتراضية بما يلملمها من إفضاء (كتابة وتدوينا) وإنصات للآخر(قراءة واستماعا) توطد من متانة الوشائج الإجتماعية بين أعضاء المجموعة الواحدة التي قد يتضاعف عدد أعضائها لينضم إليهم ضيف أو منتمي آخربالنقرة البسيطة فقط على رابط (أضف كصديق)(ajouter comme ami(e وباتساع دوائرالتعارف تتعانق هويات بنظائرها وتتصادم هويات بمناوئيها ما قد يعلن بشكل وبصورة ما صدام حضارات صامت وبارد على غرارالحرب الباردة البائدة التي عاشتها الإنسانية بكل تقلبات فصولها بين صهد وقروحروب صغيرة من الدرجة الثانية اكتوت بشراراتها بؤرالتوترالمفتعلة في العالم ... شخصيا لم يتجاوزعمرتجربتي الفيسبوكية أكثرمن عام ولكم كنت أتلقى عبربريدي الإلكتروني العديد من الدعوات للإنخراط في هذا النادي الكوني غيرأنني كنت أشد ما أكره في هذه (الجوطية الفيسبوكية) ذروة هذا الإزدحام بل هذا الضياع في الزحام الذي قد يعرض القامة الإعتبارية والرمزية للعديد من الأديبات والأدباء والكاتبات والكتاب إلى التذويب وبالتالي الذوبان بل الترهل أحيانا في اللاعتبارية واللاخصوصية ... وبالقدرالذي تصيرفيه خيوط هذا العنكبوت الفيسبوكي جسورا افتراضية واهنة لاقتسام (partage ) لحظة فرح أولحظة ألم فإن أشد ما أخشاه على البشرية هذه المغامرة الشبكية التي تمضي فيها بوثوق من عوالم الواقعية وشمسها الدافئة إلى عوالم ظلال الإفتراضية الباردة التي قد تتسبب في عجزإنساني طافح بعقد نفسية فيسبوكية دعونا نسميها (عقدة الفيسبوك) ينتقل فيها العمق الإنساني من سيكولوجية الآدمي إلى سيكولوجية الأفاتار(الله يستر). وأخيرا إلى أي مدى قد تصيرهذه الشبكات الإجتماعية الإلكترونية بنوك معلومات لأحفادنا .. للأجيال القادمة قد ترجع إليها للبحث والدرس في تاريخ أجدادهم الفيسبوكيين مثلما نعود نحن اليوم إلى رفوف المكتبات لندقق فيما سطره الأولون. ماذا يعني لي انخراط العديد من الكتاب والإعلاميين ومدراء المواقع والجرائد في أممية الفيسبوك ؟ قد لايعني لي أكثرمن القولة العربية ( لابد مما ليس منه بد) فالسيارة البخارية التي ظهرت أواخرالقرن التاسع عشرقد نحت العربة وحصانيها شيئا فشيئا عن ذهن الركاب والتقنولوجيا طوت مسافات الإسفلت وحولتها إلى ومضات برقيات (télégramme ) وتكنولوجيا المعلوميات قد لملمت قارات الورق التي مشى على أرضها الإنسان منذ خمسة قرون والعديد من الجرائد والمجلات والدوريات قد استعاضت عن معاطفها الورقية بسترات مجدولة من خيوط إلكترونية والكثيرمن المنابرالإعلامية العالمية آلت إلى الإقفال وسرحت تقنييها وفنييها ومحرريها وحجزت لها نسخها الإلكترونية على الفيسبوك والقنوات الفضائية العربية والغربية (الجزيرة نموذجا) أطلقت نسخها الفيسبوكية عوض عناوين إمايلاتها ... إذن هل كان (mark zuckerberg) وصديقه (dustin moskovitz ) مخترعا الفيسبوك يعلمان أن ذلك المارد الهرم الذي انفلت قزما من زجاجة منتديهما المتواضع الذي أطلقاه في سماء النت خاص فقط بطلبة جامعة هافارد سيصبح بعد أقل من عشرسنين أوسع شارع في العالم للاحتجاج وأجمل حديقة للعشق وأكبردفتر في العالم لتدوين الأعماق .