يعتبر العقم مشكلا قديما في الزمن، لكن وقعه يختلف على الزوجان باختلاف ثقافة المجتمعات، حيث يتسبب في المغرب في مآسي اجتماعية متعددة، ويؤدي إلى فسخ الروابط الأسرية، كما أن له تأثيرات نفسية جسيمة خاصة بالنسبة للمرأة التي تصبح عرضة لاضطرابات من الكآبة والقلق، أخذا بعين الاعتبار أن العقم يحدث بنسبة 15% ويصيب الرجل والمرأة بنسب متفاوتة. على أنه يجب في البداية أن نقف عند بعض المصطلحات للتفريق بين ضعف الخصوبة، وهو عدم القدرة على الإنجاب بعد سنة على الأقل من الحياة الجنسية الطبيعية دون استعمال أي موانع للحمل لكلا الزوجين، وبين العقم الذي هو عدم القدرة على الإنجاب إطلاقا. وتعرف الخصوبة بقدرة الأنثى على الإنجاب بعد ظهور الطمث وبداية المبيض بإنتاج البويضات الناضجة، كما أن هناك نوعان من العقم وهما : العقم الأولي الذي يصيب المرأة منذ بداية حياتها الزوجية أو زواجها، والعقم الثانوي الذي يصيب المرأة بعد إنجاب طفل أو حدوث حمل ينتهي بإجهاض أو حمل خارج الرحم ..، علما بأن حظوظ المرأة كي تحبل بعد علاقات جنسية عادية وبدون موانع الحمل، لا تتعدى 25 في المائة كل شهر كما تتدنى نسبة الخصوبة لديها بعد سن35 سنة. وفي هذا الإطار لوحظ أن النساء أصبحن يتأخرن في الزواج، مما أدى إلى رفع نسبة العقم، بحيث في سنة 1970 تبين أن 90% من النساء كن يحملن قبل 30 سنة ،وفي سنة 1990 تقلص هذا الرقم إلى 70 في المائة. وتبلغ نسبة العقم عند الرجل والمرأة 35% لكل طرف منهما، وتشكل الأنابيب والأعضاء الحوضية الأخرى 15% ونفس النسبة للمبيضين، بينما 10% لا تعرف أسباب العقم عندهم، و 5 في المائة أسباب غير مألوفة . ومن أسباب العقم عند المرأة نجد : خلل في المبيضين الذي يشكل 30 إلى 40 في المائة من حالات العقم خلل في الأنابيب ويمثل 30-40% من أسباب العقم عند المرأة، بحيث يكون الخلل بوجود تشوه خلقي بغياب الأنبوب مثلا أو وجود التهاب حوضي سابق أدى إلى انسداد في الأنبوب كلي أو جزئي في طرف واحد أو طرفين، داخل أو خارج الأنبوب لتعيق سير البويضة الطبيعي ومن ثم وصولها في الوقت المناسب إلى الرحم خلل في عنق الرحم يقدر تقريباً ب 5% من حالات العقم عند المرأة، حيث يكون عنق الرحم هو الحاجز الأول الذي يجب على النطفة اجتيازه أو اختراق إفرازاته للوصول إلى الرحم، وأي تغير في طبيعة هذه الإفرازات العنقية أو المخاط العنقي قد يعيق دخول النطف أو يمنعها أسباب في الرحم وتشمل وجود أورام ليفية أو زوائد لحمية أو التصاقات نتيجة التهابات أو مداخلات جراحية سابقة أو تشوهات خلقية، وهذا كله يعيق التصاق البويضة الملقحة في غشاء باطن الرحم لتنمو وتكبر وهناك أسباب مناعية، تتمثل في تواجد أجسام مناعية ضد النطف ذاتية عند الرجل أو في دمه أو عند المرأة أيضاً في الدم أو في مخاط عنق الرحم مما يؤدي إلى قتلها أسباب غير مفسرة لدى الزوجين معا، الذان يكونان سليمين بالفحص السريري والمخبري والاستقصائي ومع ذلك لا يحدث الحمل. وهناك عوامل أخرى تؤثر سلبيا على الخصوبة من قبيل السمنة المفرطة فقدان الوزن القلق الحاد أو الأكل المفرط. وللتعرف على أسباب العقم عند المرأة يقوم الطبيب المعالج بعدة فحوصات التي تقيم وظائف المبيضين والأنابيب، والرحم وعنق الرحم، بفحص الهرمونات بالدم، ثم قياس درجة حرارة الجسم أخذ عينة من باطن الرحم مسحة خلوية من المهبل متابعة حجم ونمو البويضة في المبيضين بالأشعة ما فوق الصوتية رؤية مكان خروج البويضة من المبيض بعد التبويض بالمنظار الباطني - تنظير تجويف البطن ورؤية الأعضاء التناسلية الأنثوية الداخلية تصوير الرحم و الأنابيب من الداخل تحت الأشعة السينية تصوير الرحم و الأنابيب تحت التنظير لتجويف البطن تنظير الأنابيب تنظير الرحم بفحص المخاط العنقي وعنق الرحم في منتصف الدورة ودراسته تحت المجهر وأخذ عينة من المخاط العنقي بعد ساعات قليلة من الجماع لدراسة حيوية ونشاط النطف في افرازات عنق الرحم تحت المجهر. ويمكن فحص مضادات الأجسام عند الذكر والأنثى. وبالنسبة للرجل نجد كذلك الأسباب النفسية والبيئية والمهنية التي تؤثر على الخصوبة، ونجد كذلك أسباب هرمونية وتتعلق ب : خلل في وظائف الغدة النخامية أو الغدد الأخرى التي تؤثر على وظيفة الخصية مثل الغدة الدرقية و الغدة فرق الكلوية - أسباب داخلية في الخصية: مثل غياب الخلايا الأم المنتجة للحيوانات المنوية، أو تلف الخصية ، التي قد تحدث نتيجة مضاعفات التهاب الغدة النكافية. وتعرض الخصية للإشعاع أو الأدوية الضارة وتأثير وجود دوال بها، علاوة على إهمال علاج حالات الخصية المعلقة في وقت مبكر أسباب إنسدادية: نتيجة انسداد البرنج أو الحبل المنوي بسبب عوامل خلقية، أو التهابات بالجهاز البولي التناسلي، أو نتيجة لبعض التدخلات الجراحية التي تؤثر على مرور الحيوانات المنوية من الخصية، ويمكن تعدادها كالتالي: تأخر نزول الخصيتين في كيس الصفن عند الولادة - مشاكل الحبل المنوي: انسداد الحبل المنوي بسبب إصابة أو مرض مثل السيلان أو درن الجهاز التناسلي أو غياب الحبل المنوي على الجهتين - خلل في الهرمونات المسيطرة على عملية تصنيع الحيوان المنوي هرمونات الغدة النكافية، وهرمون الذكورة أو زيادة في هرمون البرولاكتين الأمراض التي تنتقل عن طريق الجنس مثل السيلان والزهري - خلل في السائل المنوي الذي تنتجه الغدة المنوية والبروستات.. وتأثير دوالي الخصيتين على عدد الحيوانات المنوية وحركتها - بعض الأمراض المناعية مثل وجود أضداد للحيوانات المنوية سواء عند الرجل أو المرأة - أسباب أخرى مثل سرطان الخصية، وإصابتها إصابات مؤثرة، وبعض الأمراض مثل أمراض الكلي المزمنة والحمي الميكروبية. وفي السياق ذاته فإن الصعوبات الجنسية تؤثر على الإنجاب كالقذف السريع أو عدم الانتصاب عند الرجل، والتشنجات العضلية المهبلية عند المرأة، ثم هناك الجماع المتباعد في الزمن الألم عند الجماع، كما تؤثر التبعات النفسية لعدم الإنجاب على الخصوبة والتوازن داخل العش الأسري. ويلاحظ الباحثون في مشاكل الإنجاب تقلص الخصوبة الذكورية في عصرنا الحالي، والتي تفيد بأن الرجل اليوم لا ينتج إلى 40 في المائة من عدد الحيوانات المنوية التي كان ينتجها أجدادهم، وبأن معدل الدفق تحول من 3.4 ميليليتر في سنة 1940 إلى 2.75 ميليليتر في 1990 ، وفي نفس الفترة معدل تمركز المني تقلص من 113 مليون إلى 66 مليون خلية منوية في المليلتر وهو ما يعادل نقص ب 1 في المائة كل سنة لمدة 50 سنة. وارتباطا بالموضوع، فإن أهم المؤثرات التي تضر الحيوانات المنوية عند الرجل تتمثل في : التدخين الذي يقلص من حجم الخصيتين ويضعف إنتاج النطف، وكذلك المخدرات وإدمان الخمور - التعرض المتكرر للتلوث الكيميائي مثل الاستنشاق المستمر لمبيدات الحشرات أو أمراض مهنية وكذلك التعرض المستمر لمنطقة الحوض للحرارة العالية ومزاولة التدريبات الرياضية العنيفة استعمال بعض الأدوية لفترة طويلة. ولكي نقرب القارئ من صورة العقم ندرج هذا البحث الذي أجري على 2000 أسرة عانت من عدم الإنجاب، حيث تبين أن الثلث يعاني من هذا المشكل أكثر من ثلاث سنوات، مع نقص في الخصوبة، ونسبة الخمس تعاني أكثر من 10 سنوات، وتعرضوا لأفكار انتحارية، و 70 في المائة كان من الممكن أن يستشيروا طبيبا نفسانيا لو اقترحت عليهم الفكرة. وقبل الختم ،فإنه لا بد أن أشير إلى أن مسار علاج النقص في الخصوبة محفوف بالصعوبات النفسية والاقتصادية، كما أن 90% من حالات نقص الخصوبة ممكن التعرف على السبب فيها، وبأن الحمل ممكن حصوله باستعمال العقاقير العلاجية أو الجراحة بنسبة 60 في المائة، مع العلم أن العلاج يجب أن يكون مبكرا، لأن الخصوبة عند المرأة تنقص مع الزمن، بحيث احتمال حملها بعد سن 35-40 سنة لا يتعدى 10 في المائة كل شهر، أخذا بعين الاعتبار أن الحمل في سن متأخر يكون محفوفا بالمخاطر بالنسبة للأم ورضيعها. أما بالنسبة للعلاج عند المرأة فنجد منشطات التبويض لتنشيط وظيفة المبيض، و الهرمونات النخامية، وهما معا يعطيان معاً نجاحاً بنسبة 85-90% من الحالات، كما تقدم الجراحة المجهرية خدمات جليلة بالنسبة لبعض الحالات كانسداد الأنابيب، أو بفك الإلتصاقات سواء في البطن أو الرحم أو الأنابيب أو حول المبيضين أو التكيسات. أما في حالات العقم غير المفسرة أسبابه، أو حالات الشك بوجود أجسام مناعية، فيلجأ الزوجان إلى التلقيح الصناعي، إذ أن 3000 أسرة مغربية التجأت إلى المساعدة في الإنجاب الطبي سنة 2006، وبلغ عدد الأطفال الذين استفادوا من هذه التقنية 300 منذ سنة 1991، ويوجد في المغرب 16 مركزا يقدم خدمات المساعدة في الإنجاب، حيث تصل نسبة نجاح المساعدة على الإنجاب إلى 25 في المائة عند كل محاولة. وفي الأخير نود أن نتوجه إلى الأشخاص الذين مروا من هذه التجربة الصعبة للتسلح بالتضامن الأسري والتفاهم والمودة والصبر، لتجاوز هذا المسار التشخيصي والعلاجي في أحسن الظروف والنتائج، كما نشير إلى أن الفريق الطبي المكون من الطبيب المختص في النساء الطبيب المختص في المسالك البولية الطبيب المختص في الغدد والطبيب العام ،الطبيب النفسي، يسهرون على إيجاد الحلول العلاجية المناسبة بتنسيق منتظم بينهم..كما نطلب من المسؤولين مصاحبة هذه التطورات التقنية المتقدمة في الإنجاب بالتأطير القانوني والأخلاقي لتفادي الانزلاقات .