تعرف جل الجماعات المحلية ، تعثرا أو تلكؤا في تفعيل مقتضيات القانون رقم 17.08 المغير والمتمم للقانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي، خصوصا ما يتعلق بالمادة 14 التي تنص على خلق لجنة المساواة وتكافؤ الفرص.ومرد ذلك إلى جهل أغلب المنتخبين المحليين، بأسباب نزول هذه المقتضيات الجديدة، وخلفياتها النظرية، أو أحيانا بتجاهل إرادي لتلك الأسباب والخلفيات، أو أحيانا أخرى بالالتفاف عليها من خلال تفعيلها شكليا، وإفراغها بالتالي من روحها.من هنا يتحول خلق لجنة المساواة وتكافؤ الفرص ، من تمرين ذاتي على الديمقراطية التشاركية، بمعية مختلف الفاعلين التنمويين المحليين، إلى إجراء تقني بيروقراطي و فوقي. في هذه الورقة، نحاول التعريف بأهم حيثيات إقرار المشرع ل«لجنة المساواة وتكافؤ الفرص» . فكما هو معلوم تحدث لجنة استشارية لدى المجلس الجماعي تدعى لجنة المساواة وتكافؤ الفرص، تتكون من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحها رئيس المجلس الجماعي، الذي يرأس اللجنة ويتولى إعداد جدول أعمال اجتماعاتها.وتبدي اللجنة رأيها في القضايا المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي، كلما دعت الضرورة ، بطلب من المجلس أو رئيسه ويمكن لأعضاء اللجنة تقديم اقتراحات تدخل في مجال اختصاصاتها. ويندرج هذا التعديل، في سياق التحولات التي يشهدها مجتمعنا، خلال السنوات الأخيرة، والهادفة إلى الارتقاء بوضعية وحقوق المرأة والقضاء على كل أشكال التمييز القائمة على النوع الاجتماعي.إذ لا يمكن فصل خلق لجنة المساواة وتكافؤ الفرص، عن مجمل ما تم تحقيقه من مكاسب في بلدنا في مجال إقرار المساواة بين الجنسين ، سواء تعلق الأمر بإصدار مدونة الأسرة، تغيير قانون الجنسية بشكل يسمح للنساء المغربيات المتزوجات من أجانب ، منح الجنسية المغربية لأبنائهن، رفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ورفع التمثيلية السياسية للنساء في البرلمان وفي المجالس المحلية ...الخ وبذلك يفتح هذا التعديل صفحة جديدة لإشراك النساء في التسيير المحلي، وإعطائهن الفرصة للمساهمة كفاعلات في التنمية، التي تعد النساء رافعة لها، من خلال معارفهن وحسهن الاجتماعي وكفاءاتهن في خدمة الشأن المحلي.مع ما لذلك من انعكاس إيجابي على تقريب تدبير الشأن المحلي من حاجيات السكان والمساهمة في مصالحة المواطنين والمواطنات مع الشأن السياسي والارتقاء بالحكامة المحلية الجيدة. ويمثل إحداث لجنة المساواة وتكافؤ الفرص ، تجسيدا لمطلب ملح للحركة الجمعوية، ولمختلف فعاليات المجتمع المدني بلادنا، في إطار العمل من أجل إقرار المساواة وتكافؤ الفرص، وحقوق النساء، وحقوق الإنسان بشكل عام، و استجابة للحاجة إلى آلية مؤسسية مكلفة بإبداء الرأي في قضايا المساواة وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في سياسات،مخططات وبرامج التنمية المحلية. كما أن خلق هذه اللجنة ، هو خلق لآلية من آليات الديمقراطية التشاركية، ستمكن بلا شك ، من تعزيز الديمقراطية التمثيلية، بالنظر إنها تتيح لممثلي الجمعيات وتنظيمات المجتمع المدني المحلية، المساهمة والانخراط المسؤول في بلورة السياسات التنموية المحلية ، خصوصا ما له علاقة بواقع النساء، مع ما يعنيه ذلك من استئناس بتدبير الشأن المحلي، من خارج المؤسسات التمثيلية. ومعلوم أن قوة الديمقراطية التشاركية، تكمن في إتاحة الفرصة للمواطنين والمواطنات لمراقبة ، تتبع والتأثير، بشكل مستمر وفعلي في تدبير الشأن المحلي في الفترات التي تفصل بين الاستشارات الانتخابية، بشكل يتكامل مع العمل الذي يقوم به المنتخبون. لذلك فإن لجنة المساواة وتكافؤ الفرص ، كآلية من آليات الديمقراطية التشاركية، تقوي من جهة انخراط ومشاركة المواطنين في النقاش العمومي المحلي وفي اتخاذ القرار السياسي.كما أنها تتيح من جهة أخرى للجماعة المحلية تحسين فعالية تدخلاتها وجودة خدماتها، عبر الأخذ بعين الاعتبار انشغالات النساء واهتماماتهن وحاجاتهن، على مستوى تحديد الأولويات واقتراح الحلول، و تخطيط وبرمجة السياسات والمشاريع الهادفة إلى تحسين حياة الساكنة المحلية بصفة عامة. والأكثر من ذلك، فإن خلق لجنة المساواة وتكافؤ الفرص، هو استجابة لحق إنساني أساسي، حق المرأة في أن تلمس، على مستوى مضمون القرارات المتخذة محليا، احترام القيم والمبادئ الإنسانية الأساسية ومنها الإنصاف، المساواة، تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية. ومعلوم أن رفع نسبة تمثيلية النساء في أجهزة القرار السياسي على المستوى المحلي، لا يمثل في ذاته ضمانة لتحول أنماط تدبير السياسات المحلية في اتجاه اتخاذ بعد النوع بعين الاعتبار في مختلف مظاهر الحياة المحلية. لهذا يؤكد المشرع ، من خلال هذا التعديل القاضي بخلق «لجنة المساواة وتكافؤ الفرص»، بأن المساواة بين النساء والرجال في الحياة المحلية ، لا تتحقق فقط عبر تعزيز المشاركة السياسية للنساء في المؤسسات المنتخبة محليا، ومشاركتها في صياغة القرار المحلي، وإنما عبر إدماج بعد النوع في مجموع السياسات المحلية. هكذا يأتي إحداث لجنة المساواة وتكافؤ الفرص، بهدف النهوض بمسألة المساواة بين النساء والرجال بطريقة عرضانية ، تشمل كل مناحي ومستويات الحياة المحلية ، خصوصا وأن هذا المستوى هو الأقرب، المباشر، والملموس.بل يمكن اعتبار المستوى المحلي أساس البناء الديمقراطي للمجتمع ككل، لأن الحياة المحلية تشكل فضاء للقرب،و مجالا للتنشئة الاجتماعية على قيم المساواة، الحرية، التعاون، فالجماعة المحلية تضطلع بمسؤولية حاسمة فيما يخص تطبيق الحق في المساواة في مجموع المجالات ذات العلاقة بحقل تدخلها. وينبغي تصور استراتيجية للنهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة المحلية،على غرار الإستراتيجية الوطنية للمساواة والإنصاف، تأخذ بعين الاعتبار كل أبعاد الشأن المحلي، وأن تنسجم مع تعدد أدوار الجماعات المحلية، باعتبارها أولا جهازا سياسيا ، ينبغي أن يتيح ، يسهل، ويشجع مشاركة النساء على قدم المساواة مع الرجال في الهيئات التقريرية السياسية والإدارية ، ومحاربة المواقف النمطية في التعيين في الوظائف السياسية والإدارية(المجلس، اللجن..الخ)، وفي الممارسات الاستشارية للساكنة التي ينبغي أن تتأسس على المساواة بين الرجال والنساء،وفي طرائق التواصل التي تعتمدها الجماعة الخ . ثم بوصفها مؤسسة لتقديم الخدمة العمومية في مجالات متعددة لها علاقة بالصحة، النظافة، التربية والتكوين، السكن، الثقافة، الرياضة..الخ. لهذا يتعين أن تتأسس الخدمات التي يقدمها هذا المرفق العام على الإنصاف و المساواة ، حتى تكون متلائمة مع حاجات الساكنة، ويكون الولوج إليها قائما متاحا للجميع. كما ينبغي على الجماعة باعتبارها تنظيما مشغلا، أن تشجع وتطور آليات وتدابير توظيف وتنقيل الموظفين، تتيح تمثيلية متوازنة بين النساء والرجال في مجموع الوظائف وعلى الخصوص المناصب العليا(الأطر) ، بحيث لا تبقى النساء أسيرات المناصب الدنيا والسلالم المتدنية. وأخيرا يتعين على الجماعة كمؤسسة للتخطيط، التعمير والتنمية المجالية وخلق الموارد الاقتصادية والاستثمار، أن تأخذ بعين الاعتبار حاجات النساء والرجال، الأطفال والشباب ، وأن تراعي الخصوصيات ، في حالة وجودها. والواقع أن «لجنة المساواة وتكافؤ الفرص» ذاتها، تحتاج رغم أهميتها، إلى آليات ووسائل أخرى مادية وبشرية من أجل بناء جماعة محلية تضمن المساواة الفعلية بين النساء والرجال.حيث يستلزم الأمر تشجيع تمثيلية ومشاركة متوازنة بين النساء والرجال في كل مستويات دوائر اتخاذ القرار محليا، ثم القضاء على كل الصور النمطية القائمة على الجنس، والتي تؤثر في ممارسات وسياسات الجماعة المحلية، وإدماج متغير النوع الاجتماعي في مجموع الأنشطة والسياسات المحلية، وتحديد مخططات وبرامج للفعل، وتخصيص موارد مالية وبشرية من أجل تنفيذها، تراعي متغير النوع الاجتماعي. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أهمية « جندرة الميزانية المحلية » في التجسيد العملي لمبدأ المساواة، خصوصا وأن وزارة المالية ، راكمت ما يكفي من التجربة على مستوى تصور الميزانية العامة للدولة بشكل يراعي متغير النوع الاجتماعي.