يباشر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، زيارة جديدة لمنطقة المغرب العربي تستهدف إعادة تحريك مسلسل المفاوضات لإيجاد تسوية لقضية الصحراء، ارتكازاً على قرارات مجلس الأمن الداعية الى حل متفاوض عليه ومقبول من الأطراف. وليس هناك تفاؤل من احتمال أن تتقدم الأمور. وتكشف الرسالة التي نسبتها جريدة «البايس» إلى روس في شهر يونيو الماضي عن بداية تسرب اليأس الى المبعوث الأممي من احتمال تحقيق نتائج إيجابية، طالما أن خصوم المغرب يتشبثون بنفس الموقف القاضي بتنظيم الاستفتاء، والذي بينت الممارسة استحالة تنظيمه لعدة اعتبارات مرتبطة بالتحولات التي تعرفها المنطقة، وخاصة منها التغيرات الديمغرافية والتنموية التي غيرت جوهريا المعطيات فوق الأرض. وتتم هذه الجولة في الوقت الذي تسجل فيه قيادة البوليزاريو تنامي تآكل هذه الحركة الانفصالية لاعتبارات ثلاثة أساسية: أولها زيادة عدد الفارين من مخيماتها، والذين يشعرون أكثر من أي وقت بانسداد الأفق وإفلاس خيارات الحركة المناهضة لحركية التاريخ الدافعة نحو الوحدة والتجمع في كيانات تتوفر على مقومات الحياة والتنافسية، في خضم تيار العولمة الجارف، مما دفع البعض الى تحدي القيادة في عين المكان، كما هو الأمر بالنسبة للمفتش العام للشرطة مصطفى ولد سلمى ولد مولود الذي عبر عن مساندته لخيار الحكم الذاتي والدفاع عن ذلك داخل المخيمات، مما جعله عرضه للاعتقال والاختفاء لحد الساعة. وبممارستها هذه، عبرت قيادة البوليزاريو عن تناقض واضح. فهي في الوقت التي تعتبر أن خيار الحكم الذاتي يمكن أن يكون من خيارات الاستفتاء، فهي ترفض السماح لشخص مسؤول بالتعبير عن مساندته له. وثانيها التغيرات الجيو استراتيجية التي تعرفها المنطقة، والتي تتميز بتنامي الظاهرة الإرهابية وتفاعلها الموضوعي مع كافة أصناف التهريب والجريمة بسبب ضعف الدول المجاورة، وصعوبة مراقبة الحدود. هناك شبه اتفاق بين الدول النافذة على أنه لا يمكن تشجيع حركات انفصالية من شأنها أن تفضي إلى ميلاد كيانات ضعيفة، يمكن أن تصبح بؤرة للإرهاب. كما نلاحظ ذلك اليوم من خلال حالات الصومال واليمن والشريط الساحلي الصحراوي. وثالثا: المقترح المغربي الذي قدم في أبريل 2007، والقاضي بتسوية نهائية على أساس حكم ذاتي يشكل تركيبا إيجابيا بين فكرتي تقرير المصير، واحترام الوحدة الترابية لدولة قائمة، وهو المقترح الذي مافتىء يستقطب تأييداً ومساندة في العالم بفعل جديته ومصداقيته. ورغم تظافر هذه العوامل كلها، إلا أنها لم تقنع الجزائر التي تتحكم في القرار داخل البوليزاريو بأن تغير من موقفها المناهض للمغرب. فهي تنظر الى هذا الملف، وكأنه وسيلة فقط لمناهضة مصالح المغرب. وهو الأمر الذي يخلق توترا وحربا باردة مستمرة في العلاقات بين الدولتين بالرغم من وجود علاقات دبلوماسية. في لحظة التراجع والانهيار الواضح الذي تعرفه حركة البوليزاريو، تحاول مع ذلك أن تلوح بورقتين: تتمثل الأولى في استئناف العمليات العسكرية ضد المغرب في الصحراء، وتكمن الثانية في استعمال بعض العناصر المقيمة في المغرب للقيام ببعض الأعمال الاستفزازية التي قد تعطي نوعا من الحضور الإعلامي للحركة. في ما يتعلق بالأولى فهي خيار لا يمكن استبعاده، لكنه محفوف بالمخاطر السياسية على الحركة وعلى الجزائر المساندة لها. فعلاوة على مردوديته الضعيفة، بفعل الاستراتيجية التي دشنتها القوات الملكية المسلحة، والهادفة الى منع تسرب قوات البوليزاريو بفعل الجدار الأمني، وكذا بفعل اكتساب تراكم ميداني بحرب الصحراء، فإن استئناف العمليات من شأنه أن يبرز البوليزاريو وكأنها قد نقضت المقاربة التفاوضية التي سار فيها مجلس الأمن، ومكنت من المحافظة على وقف إطلاق النار منذ سنة 1991. لكن أكثر من ذلك، فإن استئناف العمليات العسكرية من شأنه أن يزيد من عوامل التدهور الجيو استراتيجية التي تنامت بفعل ظاهرة الإرهاب التي تقودها اليوم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ومن ثم، لا يبدو أن الجزائر قد تغامر بهذه الورقة. قد تفضل استثمار تحرك بعض العناصر واستفادتها من خلال ما سماه زعيم البوليزاريو بالمقاومة السلمية في المدن المغربية. هذه المناورة مستمرة، لكن لا تجد تعاطفا لدى المواطنين الصحراويين الذين يتلمسون بشكل واضح مظاهر الأمن والاستقرار، أكثر من ذلك المجهود التنموي الذي بذلته السلطات العمومية من أجل تحقيق تنمية شاملة تمكن من دمج هذه المناطق ضمن محيطها الطبيعي. وبالنسبة لنا، فإن تدبير مثل هذه الممارسات الاستفزازية، لا يمكن أن يتم إلا في ظل احترام مقومات دولة القانون التي تتطلع بلادنا إلى تشييدها. وهي تميز بوضوح بين حرية التعبير وبين أعمال الشغب والفوضى والتخابر مع المصالح الأجنبية. في ظل هذه الأوضاع تبدو مهمة المبعوث الأممي صعبة، ولكنها غير مستحيلة. فالمهم بالنسبة له هو استمرار التواصل بين الأطراف، وإقناعها بضرورة تقريب وجهات النظر، لأن كل خيار آخر لا يمكن إلا أن يرتب عواقب وخيمة على المنطقة برمتها. وبالنسبة لبلادنا، فإن الأساس يكمن في مواصلة إقناع الخصوم والمنتظم الدولي بأنه لا بديل عن خيار الحكم الذاتي، وأنه لا تسوية بدون الإقرار بصفة نهائية بسيادة المغرب على صحرائه.