كانت الحلقة الأخيرة من «سهران معاك الليلة»، غارقة في روتينيتها التي تستوجب إعادة نظر في البرنامج ككل، لولا أن أنقذتها الوصلة الكوميدية التي أداها بتفوق الفنان الكوميدي المغربي محمد عاطر.. لقد أعادت تلك الوصلة، مصالحة المشاهد المغربي، مع نوع أصبح نادرا من «الكوميديا الشعبية»، التي تستمد قوتها من أنها كوميديا غارقة في المحلية، ما يمنحها قوة تأثير كبيرة في الناس، لأنها تفلح في أن تستثير ضحكا حقيقيا من الأعماق. إن مجال السخرية الفنية المغربية، قد تراجع خلال العقدين الماضيين، منذ خبا دور «الثنائي الكوميدي»، في شكليه البدوي والمديني، الذي خلق مساحات هائلة للسخرية والضحك المغربي الصرف منذ السنوات الأولى للإستقلال.. بل إن ريبرتوار كل من بوشعيب البيضاوي والماريشال قيبو، وخليفة، وقرزوز ومحراش، ولوزير وبلقاس، وعبد الرؤوف، ثم الثنائي الشهير «بزيز وباز»، قد انتهى دون أن تنجح الساحة الفنية المغربية في إنتاج فكاهيين وازنين جدد، على مدى عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وكانت لحظة الإبداع الحقيقية الوحيدة التي نجحت في أن تجلب الناس إلى المسارح بكثافة (ولا تزال) هي تجربة الفنان الكوميدي الساخر حسن الفد. اليوم، مع ما يراكمه الفنان الكوميدي المغربي الساخر، محمد عاطر، تمة مجال للفرح الفني الحقيقي بالساحة الفنية المغربية، كونه يكاد يشكل الحالة الوحيدة التي تصالح المغربي مع عمقه الشعبي بخطاب فني بدوي أصيل (تمة شاب جديد يَعِدُ أيضا بالكثير في هذا الباب، هو «جاواج» الفائز ضمن مسابقة «كوميديا» بالقناة الأولى). ولعل أكبر دليل على تميز وقوة المنجز الفني للفنان الساخر عاطر، هو المادة الفنية التي قدمها ضمن حلقة السبت الماضي من برنامج «سهران معاك الليلة»، فقد كانت لحظة الإبداع الوحيدة في تلك الأمسية، التي شدت إليها الإنتباه ورفعت من قيمة الحلقة، بسبب من ضيفها الأساسي الذي لم يكتب له قط أن ينسج علاقات مودة فنية مع الجمهور الواسع (التادلاوي). فالخطاب الفني الذي بناه عاطر، كان خطابا مغربيا أصيلا مئة بالمئة، ليس فيه تقليد، بقدر ما فيه إبداع. بل كانت فيه أساسا «حنة تامغربيت» التي تخلق الإحساس بالإنتماء، وتستثير التفاعل من أعماق الأعماق، مع طبقات الصوت، مع القفشات، مع البناء الدرامي للسكيتشات، التي تصالح الناس مع ذاكرتهم الخاصة في جوانبها المشرقة كوميديا وسخرية. برافو عاطر..