مأساة حقيقية تلك يحكيها بمرارة الصحافي المغربي محمد السليماني من جريدة»الصحراء الأسبوعية»عن رحلة العذاب إلى تيندوف رفقة زميله بذات الجريدة»حسن إيكبادار»وهي الرحلة التي قادتهما إلى متاهات وأوقعتهما في أوضاع لم تكن تدورفي حسبانهما من قبل، عندما قررا الذهاب إلى الجزائرلتغطية حدث عودة مصطفى ولد سلمى ولد مولود إلى مخيمات تيندوف. فالحكي عن المأساة واستعادتها بكل تفاصيلها،هو في ذات الوقت فضح جريء وإدانة صارخة للنظام الأمني الجزائري الذي يحاصرالمخيمات ويمنع أي صحافي من الوصول إليها،ويكشف عن نواياه العدوانية والإستفزازية من خلال إذلال الصحافيين المغربيين وإخضاعهما لإستنطاقات متتابعة ومبالغ فيها، بدون مبررات معقولة،لا يتقبلها العقل،ناهيك عن الضغط النفسي وممارسة جميع الإستفزازات بما في ذلك حرمانهما من النوم والراحة،ووضعهما في غرفة الفندق في حالة»احتجاز»حقيقي ومتعمد. ومنع الصحافيين إذن من أداء مهمتهما، واحتجازهما وتعرضهما لسيل من التحقيقات المتتالية للحيلولة دون وصولهما إلى مخيمات تيندوف لكشف الحقيقة كاملة،ليس له من تفسيرغير شيء واحد هو إصرارالأجهزة الأمنية الجزائرية ومخابراتها على تطويق مخيمات تيندوف ومحاصرتها وجعلها منطقة معزولة عن العالم الخارجي وفرض الوصاية والحجرعلى قادة البوليساريو. وكذا على استخدام كل آليات التعتيم الممكنة والتي تتقنها الطغمة العسكرية الجزائرية للتستر على أوضاع المحتجزين الموجودين فوق ترابها،من خلال ما تم الإفصاح عنه للصحافيين المغربيين،حول عدم رغبتها في حضور الصحافة بمخيمات تيندوف،وهي تتأهب لتنفيذ خطتها التي أعدتها على مقاسها،بشأن اختطاف واعتقال مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود واقتياده إلى مكان مجهول من قبل مليشيات البوليساريو بمنطقة أمهريز التي تبعد عن منطقة تيندوف جنوبا بحوالي400كلم، وذلك أثناء عودته إلى المخيمات وهو قادم إليها من مدينة الزويرات بموريتانيا. ونظرا لراهنية الحدث وما خلفه احتجاز الصحافيين المغربيين بفندق الواحة بتيندوف من ردود فعل قوية من قبل وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني بالمغرب،وكذا ما خلفه حدث اختطاف واعتقال المفتش العام لشرطة البوليساريو «مصطفى ولد سلمى»الذي كان لموقف البوليساريو ومعها صنيعتها الجزائر تداعيات سلبية، حيث خلف ذلك استياء وطنيا دوليا،ارتأينا أن نجري هذا الحوار مع محمد السليماني الصحافي بجريدة»الصحراء الأسبوعية»بهدف تسليط الضوء حول ما وقع هناك، ووضعنا جميعا في الصورة. في البداية نرحب بك السي محمد السليماني ،ونود منك أن توضح لنا كيف جاءت فكرة الذهاب إلى تيندوف وركوب هذه المغامرة التي كانت محفوفة بالمخاطر؟. لقد سبق لي أن أجريت حوارا مع مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود المفتش العام لشرطة البوليساريو،أثناء تواجده بالسمارة، وخاصة في الندوة الصحفية المنعقدة بذات المدينة في 9غشت2010،والتي تطرق فيها إلى عزمه على العودة إلى مخيمات تيندوف لكي يعبرعن رأيه بكل حرية وعلانية داخل مخيمات العار. وعلى ضوء هذا الخبرقررت هيئة التحريربالجريدة إيفاد صحافيين إلى عين المكان لتغطية عودة مصطفى ولد سلمى،نظرا لأهمية الحدث، خاصة أن مصطفى سلمى ولد سيدي مولود تحدث في الندوة الصحفية المذكورة عن أهمية المقترح المغربي بشأن الحكم الذاتي،وكان هذا هو السبب الحقيقي الذي دفعنا إلى الذهاب إلى الجزائر العاصمة ومنها إلى تيندوف. معنى ذلك أنكم اتخذتهم جميع الإجراءات والترتيبات من قبل وعزمتم على خوض هذه المغامرة الأولى من نوعها للذهاب إلى مخيمات تيندوف،نريد أن تحكوا لنا بتفصيل عن المحطات التي قطعتموها في رحلتكم الشاقة والمتعبة كما أشرتم إلى ذلك أكثر من مرة. بعد أن اتخذت جريدتنا كافة الإجراءات واستوفت جميع الشروط الإدارية مع قنصلية الجزائر بالدارالبيضاء، واتصلت جريدتنا»الصحراء الأسبوعية»بوزارة الخارجية ووزارة الداخلية بالجزائر يوم15شتنبر 2010،تخبرها بأن صحافيين مغربيين سيقومان بتغطية إعلامية على التراب الجزائري وتحديدا بمخيمات تندوف.. وهنا استقلنا الطائرة يوم17 شتنبر 2010، من مدينة أكَاديرنحوالدارالبيضاء ومنها إلى العاصمة الجزائرية،ولما وصلنا إلى مطارالهواري بومدين وتقدمنا إلى المصلحة الأمنية المكلفة بتسجيل الزائرين وختم جوازات السفر،علم الجزائريون أننا صحافيان مغربيان، فقاموا بحجز جوازينا وكذا قرار التكليف بالمهمة التي فيه جميع المعطيات والمعلومات التي كلفتنا بها الجريدة،ثم انصرفوا إلى إحدى القاعات المخصصة للأجهزة الأمنية بالمطار،وبقينا نحن ننتظرمدة طويلة،وبعد ذلك جاء أحد رجال الأمن يحمل معه وثيقة فيها جميع البيانات الشخصية عن هويتنا، فسلمنا جوازات سفرنا وقرار التكليف بالمهمة،وحينها تمكنا من الدخول إلى التراب الجزائري. ذهبتم طبعا إلى إحدى فنادق العاصمة الجزائرية . (يقاطعني) لا لم نذهب إلى أي فندق،لأننا سنستقل طائرة أخرى متوجهة إلى تيندوف ليلا،ولهذا استغلنا وقت الفراغ،فقررنا التجول لبعض الوقت في العاصمة ،ولم تستغرق جولتنا غير وقت قصير حتى عدنا إلى المطار،بعدما لاحظنا أن هناك عيونا تترصدنا وتراقبنا عن كثب. كيف عرفتم ذلك؟ كنا نتجول في الساحة العمومية وأعجبنا تذكاربتلك الساحة وأردنا أخذ صورة تذكارية،ولما قمنا بذلك لم نشعرحتى قصدنا أحد أفراد الشرطة بزي عسكري رفقة عنصرين آخرين بزي مدني(أعتقد أنهما من المخابرات الجزائرية)وسألونا عن هويتنا وأخذوا جوازات سفرنا،ثم سألونا عن الصورة التي التقطناها، فأخبرناهم أنها صورة تذكارية،فكان رد فعل رجل الأمن كالتالي»يمنع منعا كليا التقاط صورة بالعاصمة الجزائرية «ولما استفسرناهم عن ذلك وقلنا لهم إن الأمريتعلق فقط بصورة تذكارية بالساحة العمومية وبالتالي لا يشكل ذلك أية خطورة،فأجابنا الشرطي الجزائري:»هذا قرار رئاسي». وماذا فعلتم آنذاك؟ لما أدركنا أن المخابرات الجزائرية تتابعنا وتترصد خطواتنا بالعاصمة، استغنينا عن الجولة وعدنا في الحين إلى مطارالهواري بومدين ولم نتمكن من الإستمتاع بتلك الجولة، وكان عقرب الساعة يشير إلى الساعة الثالثة والنصف زوالا (بالتوقيت الجزائري)في الوقت الذي وصلنا المطارقادمين من الدار البيضاء فى الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح ذات اليوم،وبقينا في المطار إلى حدود الواحدة ليلا للتنقل إلى تيندوف، مع العلم أن الطائرة التي ستقلنا كان مقررا أن تقلع في الساعة الحادية عشرة ليلا. من الأشياء التي أغضبتنا هي أننا بقينا في المطاربدون أكل وشرب،لأن المطار ليس فيه مرافق ولا مطاعم وليس فيه ما يؤكل،زيادة على التعامل الفظ للمسؤولين الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الإعتذار عن تأخير الطائرة عن موعد الإقلاع. لمّا عرفت أجهزة الأمن الجزائرية،أنكما صحافيان مغربيان ستتوجهان إلى تيندوف،ماذا كان رد فعلها؟. لقد أخضعنا رجال الأمن مرة أخرى للتحقيق، حيث تجند العشرات من رجال الأمن والجمارك لتفتشينا لوحدنا دون بقية المسافرين في تلك الرحلة، واستنطقونا من جديد لما يزيد عن ساعة تقريبا،وبعد ذلك غادروا القاعة وبقينا في إحدى القاعات معزولين عن العالم الخارجي،إلى أن جاء مسؤول أمني يحمل نفس الوثيقة التي تحمل البيانات المتعلقة بهويتنا وأسباب زيارتنا ومهمتنا بمخيمات تيندوف،وبعد ذلك سمح لنا بركوب الطائرة. وماذا كان شعوركما آنذاك وأنتما تتوجهان إلى تيندوف؟. لقد شعرنا حقيقة بالخوف،خاصة أنه وقبل صعودنا إلى الطائرة تصادفنا مع وفد من البوليساريوكان قادما من إسبانيا وبرفقته 28 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين4 و10سنوات. وفي غفلة من مرافقيهم اقتربنا من الأطفال وسألناهم عن الجهة التي أتوا منها فعرفنا منهم أنهم قدموا من إسبانيا لرؤية عائلاتهم بمخيمات تيندوف، ثم بعدها سيعودون إلى إسبانيا، حيث تسلمهم جبهة البوليساريو إلى عائلات إسبانية. وفي هذه الأثناء تطوع أحد عناصر المخابرات الجزائرية وأخبر وفد البوليساريو بأننا صحافيان مغربيان سيكونان معهم في الرحلة وسيذهبان إلى مخيمات تيندوف لتغطية عودة مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود، وهنا بدأت نظرات وفد البوليساريو ترمقنا بعين الريبة غيرالبريئة وبطريقة استفزازية،وهنا شعرنا بالخوف، وتسرب إلينا الشك بأن مكروها سيصيبنا في الرحلة. لاشك أن أجواء التوتر ستزداد حدة والإجراءات ستتضاعف بمجرد وصولكما إلى مطار تيندوف،نريد أن تحدثونا بدقة عن كافة الأجواء التي عشتموها في تلك اللحظات العصيبة. لقد استغرقت مدة الرحلة ساعتين تقريبا،حيث قطعناها ليلا،لأن جميع الرحلات من العاصمة الجزائرية إلى تيندوف تتم ليلا، وذلك بشكل متعمد حتى لا يرى المسافرون المنطقة عبرالطائرة بالنهار،لأنها منطقة عسكرية محروسة بامتياز،ويمنع على المدنيين اكتشافها. لكن الطامة الكبرى هو أنه لما وصلنا إلى مطار تيندوف وجدنا فرقة من الشرطة والمخابرات في انتظارنا عند سلم الطائرة، حيث اقتادتنا إلى إحدى القاعات بالمطار وقامت بتفتيشنا من جديد وبدأ المحققون في استنطاقنا داخل قاعة غير مكيفة بها حرارة مرتفعة ومطوقة برجال الأمن والدرك والمخابرات،حيث دام الإستنطاق والتحقيق ثلاث ساعات من الثالثة صباحا إلى السادسة صباحا من يوم18شتنبر2010 وبدون أكل أوشرب. ما هي نوع الأسئلة التي طرحوها عليكما؟. الأسئلة كانت مختلفة تتعلق بعملنا الصحفي وبالجريدة التي نعمل فيها وإدارتها وطاقهما مصادر أخبارها،كما سألونا عن سبب تسميتها ب»الصحراء» ،وسألونا كذلك عن هويتنا وآبائنا وأمهاتنا،وهل توجد لدينا علاقة بالعائلات الصحراوية بتيندوف وعن دواعي الزيارة؟.ولما أجبناهم بأننا جئنا لتغطية عودة مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود،تجاهلوا الموضوع والشخص،وقال لنا أحدهم من هو مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود؟. قلنا لهم إنه مسؤول أمني لدى البوليساريو،فأجابونا بأنهم لا يعرفونه إطلاقا،لكن في ثنايا التحقيق معنا قال أحدهم:»بأن مصطفى ولد سلمى عقد ندوة صحفية بالمغرب»فأدركنا حينئذ أنهم يتعمدون عدم معرفته للتقليل من شأنه من جهة والتقليل كذلك من شأن تغطية عودته إلى مخيمات تيندوف. كما سألونا عن الأوراش الإقتصادية والتنموية والإجتماعية التي فتحها المغرب وسألونا عن الديمقراطية وحرية التعبيروحقوق الإنسان،حيث اكتشفنا أن هناك حقدا دفينا لدى السلطات الجزائرية تجاه المغرب، خاصة أنهم يُحسّون من خلال أسئلتهم المتكررة في كل استنطاق أن المغرب قطع أشواطا مهمة في هذه المجالات وهذا صار يزعجهم كما تبين من أسئلة الإستنطاق والتحقيق. هل تركوكما وسلموكما وثائقكما كما فعلوا بمطارالعاصمة الجزائرية؟ لا بل أخذونا فى الساعة السادسة والنصف صباحا في سيارات الشرطة (ثلاث سيارات ذات الدفع الرباعي،كنا في السيارة الوسطى) ووضعونا في فندق الواحة بتيندوف التابع للحكومة الجزائرية،لأن ليس فيه ما يدل على أنه بالفعل يحمل صفة فندق،زيادة على كونه يوجد خارج المدينة،بدليل أن سيارة الشرطة التي حملتنا حرفت مسارها،لتقطع بنا طريقا بهامش المدينة التي تبدو لنا من بعيد صغيرة وذات أضواء خافتة. وبعد ذلك أدخلونا إلى الفندق تحت حراسة أمنية وأمرونا بالبقاء داخل الغرفة وعدم مغادرتها،وهي غرفة في حالة يرثى لها مغلقة ليس بها نوافذ ولا مكيفات ولاتلفاز. خارج الغرفة كانت المخابرات الجزائرية طول المدة التي مكثنا فيها،ترابض ليل نهار، وهي تحكم الحراسة علينا لمدة أربعة أيام، بحيث إنها تتابعنا حتى عندما نقصد مرآبا بالفندق لنشتري من مالنا ما يذهب فقط ألم الجوع والعطش (فيه أكل بسيط عبارة عن ساندويش، ولا توجد به قنينات الماء والمشروبات الغازية ولا الحليب ومشتقاته ولا أي شيء آخر،وكنا نشرب فقط من ماء الصنبور). وهذا يعني أنهم اقتادوننا إلى مكان تابع لهم لا تقصده في الغالب إلا المخابرات الجزائرية بدليل أن الغرفة التي وضعونا فيها ولم نختارها نحن، كانت أشبه بزنزانة انفرادية،منها بغرفة فندق،شهدت استنطاقات وتحقيقات ماراتونية دامت ساعات طوال في الصباح والمساء على امتداد الأيام التي قضيناها بتيندوف. وفي يوم 18 شتنبر2010، جاء فريق من رجال البحث والتحقيق مكون من أزيد من 5 أفراد على الساعة التاسعة صباحا،وبدأ في التحقيق معنا من جديد وطرح علينا نفس الأسئلة لأزيد من ساعة داخل الغرفة،وقبل أن ينصرف أمرنا بالبقاء داخل الغرفة وعدم مغادرتها،وفي الزوال جاء فريق آخر مكون من أكثرمن 5 أفراد البعض داخل الغرفة والبعض الآخرخارجها، وبدأ هو الآخرفي التحقيق معنا وطرح الأسئلة نفسها،لما يزيد عن 3 ساعات،وذلك بلهجة مستفزة فيها ترهيب وتخويف،وقبل أن ينصرف أمرنا بالبقاء داخل الغرفة دون مغادرتها. وفي مرات عديدة، كان رجال الأمن لايجرون أي تحقيق،بل نسمع حركاتهم وأصواتهم خارج الغرفة فهم يأتون ويذهبون في نوع من الإستفزازمما جعل الفندق مرتعا للأجهزة البوليسية الجزائرية.أما في الليل فلا نستمتع قط بالنوم لتعمد عناصرالمخابرات والأمن الجزائري إزعاجنا في الليل من خلال إصدار قهقهات خارج الغرفة أي بالجناح التي نتواجد فيه،زيادة على التدخين المتواصل الذي عمت رائحته غرفتنا المغلقة،وتبادل الكلام طوال الليل،وفهمنا أن ذلك يدخل ضمن استراتيجية الضغط النفسي والترهيب الذي نهجته المخابرات الجزائرية معنا منذ البداية. وفي صباح يوم 19 شتنبر 2010، وبمجرد أن أفقنا جاء فريق آخرمن الشرطة بزي عسكري، واقتحم علينا الغرفة، واقتادنا في حراسة مشددة داخل سيارات تابعة للشرطة، ونحن لم نتناول فطورنا بعد،إلى ولاية أمن تيندوف فوجدنا مجموعة من الضباط ورجال الأمن والمخابرات، ومعهم والي الأمن، فبدأوا في استنطاقنا من جديد وهنا قال لنا والي الأمن إن المهمة التي جئنا من أجلها تمنع منعا كليا على أي صحافي بأن يذهب إلى مخيمات تيندوف. ولما استفسرناه عن السبب في منع الصحافيين لم يجب عن سؤالنا.وبعد ذلك واصلوا التحقيق معنا وبقينا في ولاية الأمن إلى حدود 12زوالا،وبعد ذلك أعادونا من جديد إلى الغرفة وأمرونا بالبقاء دون مغادرتها. وفي الساعة الثانية من زوال ذات اليوم جاء فريق آخر مكون فقط من عناصر الدرك الوطني الجزائري في زي عسكري، وأخذونا إلى قاعة صغيرة بالفندق ثم أغلقوها، وبدأوا في التحقيق معنا واستنطاقنا وطرح الأسئلة نفسها،وبعد ذلك غادروا الفندق وأمرونا بالبقاء داخل الغرفة. وفي صباح يوم 20 شتنبر2010، خضعنا مرة اخرى للتحقيق من قبل فرقة الأمن والمخابرات، حيث استمر التحقيق لأزيد من ساعة،وفي المساء جاءت فرقة من رجال الشرطة وقامت بنفس ما قامت مختلف الأجهزة الأمنية التي سبقتها. وفي يوم21 شتنبر2010، وبعد الوقفة الإحتجاجية التي نظمتها النقابة الوطنية للصحافة أمام مقرالسفارة بالجزائرية بالرباط، استقدمت عناصرالمخابرات الجزائرية مجموعة من الأشخاص عزموا أنهم صحافيون جزائريون،وكان بعضهم يحمل كاميرا تصوير لا تحمل أية إشارة لأية قناة تلفزية، وهنا طلبت منهم شخصيا إيقاف التصوير حتى نعرف أسباب هذه الزيارة والمطلوب منا فقالوا لنا:« إن وسائل الإعلام المغربية قالت إنكم محتجزون في هذا الفندق من طرف رجال الأمن،ونريد منكم أن تقفوا أمام الكاميرا وتنفوا نفيا قاطعا أنكم محتجزون». فرفضنا هذا الإقتراح وقلنا لهم:«نحن محتجزون منذ أن وصلنا إلى تيندوف وجميع من تناوب على استجوابنا واستنطاقنا أمرنا بالبقاء في الغرفة وعدم مغادرتها، وكان الأجدر بكم أن تسألوا رجال الأمن عن هذا السؤال». فقال لنا أحدهم:« أنتم بين خيارين الآن إما أن تقفوا أمام الكاميرا وتصرحوا بما طلبناه منكم،وإما أن تبقوا هنا إلى ما لانهاية»، وهنا انسحبنا وتركناهم وسط بهو الفندق وعدنا إلى غرفتنا (زنزانتنا). عندما سمعتما هذا التهديد،كيف كان شعوركما ؟ وفيما كنتما تفكران فيه؟ لا أخفيك، فقد انتابني خوف شديد واعتقدنا أن مكروها سيصيبنا لا محالة في تلك اللحظة،وما زاد من خوفنا أكثرهو أنه بعد ذلك بزمن قصير تلقينا مكالمة هاتفية من مجهول قدم لنا نفسه على أنه جزائري وقال لنا« إذا كنتم رجالا أخرجوا من الفندق، وسترون ما سيقع لكم»، وهنا شعرنا بأن دائرة الخطر أصبحت تضيق بنا. وما حدث بعد ذلك؟. في الساعة الثالثة بعد الزوال جاء رجال الشرطة من جديد وبدأوا في استنطاقنا وسألونا لماذا لم تدلوا بتصريح أمام الكاميرا،فقلنا لهم نحن صحافيان جئنا في مهمة صحفية وأنتم احتجزتمونا هنا وأمرتمونا بعدم مغادرة الغرفة، فكيف تطلبون منا أن ننفي ما نحن فيه، كما أخبرناهم بأننا تلقينا مكالمة هاتفية مجهولة تهددنا،فأجابونا بأن الأمرعاد جدا، ولم يكلفوا أنفسهم عناء الإستفسار عن فحوى الرسالة التي تلقيناها. وفى الساعة 12و45 دقيقة ليلا، اقتحم الغرفة كوماندو مكون من 14فردا من رجال الأمن، وقاموا بتفتيش أمتعتنا وأخذوا منا هواتفنا النقالة وآلة التسجيل وآلة التصوير ومعجون الأسنان وفرشاة الأسنان وآلة لشحن الهاتف النقال والعطور.. ثم اقتادونا في سيارات إلى مبنى على هامش المدينة لايحمل أي إسم،وليس به أي علم جزائري، وقاموا بتفتيشنا من جديد، ثم أخذونا على متن سيارات الشرطة إلى مطار تيندوف، وأدخلونا بطريقة استفزازية جدا، ونحن وسط صفين من الشرطة مما أثار اندهاش المسافرين، وبعدها أدخلونا في قاعة صغيرة جدا وأغلقوها علينا وبقينا هناك من الواحدة ليلا إلى السادسة صباحا بدون أكل أو شرب، مع العلم أن درجة الحرارة بتيندوف كانت مرتفعة جدا بشكل لا يطاق. لاشك أنكما وأنتما في الطائرة نحو العاصمة الجزائرية،قد رفعت عنكما الحراسة الأمنية اللصيقة،فهل شعرتم في تلك اللحظة باستعادة الحرية؟. بل بالعكس من ذلك، فقد كنا في الطائرة كذلك محروسين من قبل رجلي أمن كانا بجانبينا،وعندما حطت الطائرة بمطارالهواري بومدين في الساعة الثامنة من يوم22 شتنبر2010، قام الشرطي المكلف بحراستنا بتسليمنا إلى أمن مطار العاصمة الجزائرية، فلم يفارقونا إلا بعد أن وضعونا في الطائرة التي ستقلنا إلى الدارالبيضاء، إلى درجة أنهم بقوا هناك بالقرب من الطائرة إلى أن همت بالإقلاع. لابد أن أشير هنا إلى أنه وقبل أن ينزل رجال الأمن من الطائرة، سلمنا أحدهم ظرفا كبيرا فيه أمتعتنا التي أخذوها منا بتيندوف، ولما فتحنا الظرف وجدنا الهاتفين النقالين غيرموجودين،مع العلم أنه في اليوم الذي أخذنا فيه رجال الشرطة إلى ولاية أمن تيندوف،وجدنا أثناء عودتنا أن أمتعتنا تم تفتيشها من قبل أجهزة أمنية أخرى،حيث أخذت نسخ من جريدة»الصحراء الأسبوعية» وقباعات تحمل إسم الجريدة وشعارها، واختلست مبلغ 400 أورو كانت توجد بمحفظتي. كل هذا وقع لكم داخل التراب الجزائري،ولم تتصل بكم سفارة المغرب بالجزائر. لا ، فقد اتصلت بنا وقامت بمجهودات جبارة، حيث اتصلت بوزارة الداخلية والخارجية الجزائرية وطلبت منهما إما تيسير وتسهيل مهمتنا للذهاب إلى مخيمات تيندوف وإما أن ترجعنا إلى بلدنا المغرب. كما احتجت على احتجازنا داخل غرفة الفندق،وكانت من حين لآخرتتصل بنا بشكل يومي، حيث تتبع أخبارنا وبما يجري بالفندق،وأخبرتنا بأنها تقوم بالإجراءات اللازمة،وهذا ما خفف عنا رحلة العذاب والمأساة والمعاناة التي عشناها هناك منذ أن دخلنا التراب الجزائري،ولم نحس باستعادة حريتنا إلا بعد أن حطت الطائرة بمطارمحمد الخامس بالدارالبيضاء، حيث فوجئنا بوسائل الإعلام المغربية تستقبلنا بحرارة سواء بالدارالبيضاء أوأكَادير. ما الذي استخلصته أنت وزميلك حسن إيكبادارمن خلال ما وقع لكما بمطار الهواري بومدين ومدينة تيندوف؟. لقد تأكد لنا بالملموس أن الجزائر وهي تحتجزنا بالفندق، تؤكد مرة أخرى أن مخيمات تيندوف تحت قبضتها وسيطرتها وتمنع أي صحافي وبالخصوص الصحافي المغربي من زيارة تلك المخيمات، لهذا نطالب من جميع المنظمات الحقوقية الدولية أن تضغط على الجزائرلفتح مخيمات تيندوف في وجه الصحافة العالمية لأن الأوضاع هناك كارثية جدا ولا يتقبلها عقل سوي،وما وقع لنا في تيندوف من تعسف واحتجاز وعنف نفسي لن يثنينا بتاتا عن مواصلة النبش في أوضاع محتجزي تيندوف. كلمة أخيرة. لابد أن أشكر هنا جميع وسائل الإعلام المغربية المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية التي تطرقت إلى احتجازنا بشكل تعسفي ويومي وتتبعت الأمربشكل دقيق، مما أزعج الأجهزة الأمنية الجزائرية، فلولا وسائل الإعلام المغربية لما كانت عودتنا بهذه الطريقة. كما أشكر النقابة الوطنية للصحافة المغربية والأحزاب السياسية المغربية والمنظمات والجمعيات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني على مساندتنا ودعمنا ومطالبة السلطات الجزائرية بالإفراج عنا. وفي الأخير أشكر جريدة «الإتحاد الإشتراكي» على متابعتها لمجريات الأحداث التي عشناها هناك، وعلى إتاحة الفرصة لنا عبرهذا الحوار لتسليط الضوء على ما وقع لنا هناك على التراب الجزائري وخاصة بتيندوف، ولتمكين القراء من كل الحقائق والتفاصيل التي بقيت عالقة في ذاكرتنا عن الوضع الأمني بمخيمات تيندوف.