في حضورٍ نوعي متميز، من عالم الصحافة والإعلام والفن والتربية والتعليم والسياسة وعشّاق الصورة، افتتح الزميل عبد النبي المساوي، مصور جريدة الإتحاد الإشتراكي، مساء يوم الجمعة 24 شتنبر الجاري بِقاعة الفنون التشكيلية للمركّب الثّقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء، معرضه الفوتوغرافي الأول «عيون ممنوعة»، الذي كان- حسب الذين حجوا إليه-حدثا فنّياً بامتياز. عندما صادفتُ الزميل عبد النبي المساوي ذات يوم، يحمل معه رزمة من الأخشاب من النوع البسيط إلى مقر عمله، قلتُ أنهُ يُفكّر في تحضير إطاراتٍ متواضعة - لِلصور الجميلة التي كان يُطلعني عليها من حين لآخر- حسب إمكانياته المادية.. وعندما فاجأني بعد ذلك، بأيام معدودة، يحمِلُ معَه كمّية كبيرة من الأسلاك الشائكة، فتساءلتُ مع نفسي: ماذا سيفعلُ مصور صحفي بهذا النوع من المستلزمات البعيدة عن مجال عمله..؟!! وظننتُ أنَّ الرّجُلَ قد أُصيب بنوعٍ من الجنون.. مع مُرور الأيام، كلّما كُنتُ أتردّدُ عليه داخل محترفه بالطابق الثالث بمقر الجريدة، كنتُ أجدُهُ مُنهمكاً في إعداد أُولى لوحاته الفنية.. لوحاتٌ مُركبةٌ من مواد مختلفة، أولها وأهمّها وأجملها: الصوَر الفوتوغرافية التي التقطها صاحبها خلال العشرين سنة الماضية في إطار عملِه الميداني، من أعماق المجتمع المغربي.. صور متنوعة بين ما هو اجتماعي ونقابي وثقافي وفني وتربوي، ثانياً: آلات التصوير ومستلزماتها، بعضها سبق وأن اشتغل بها وبعضها مستعملة من طرف مصوّرين آخرين، ثالثاً: الأسلاك الشائكة والأشرطة الحمراء، للتعبير عن محنة الصحافة والاحتجاج ضدّ المنع الذي أصبح يطال الصحفيين بِدون مبرر.. بالإضافة إلى الإطارات الخشبية المغلفة بقصاصاتٍ من صفحات الورق التي كان الزميل المساوي قد انتقاها من مُختلف الجرائد الوطنية.. وحينها، اتّضح لي أنّ مشروع الزميل المساوي ليس مُجرّد معرض فوتوغرافي عادي، بل رسالة إلى كلّ من يهمُّه الأمر.. خُصوصاً وأنّهُ كان يفكّر بصوتٍ جماعي، كان يفكر فينا نحنُ زملاؤه الصحفيون الذين أصبحوا يمشون على الجمر، وضِمنهم المصورون الذين أصبحوا يُعانون من المُضايقات الكثيرة والمُتكاثرة التي تعترضهم.. ستّة وأربعون لوحة فنية، أبدعها هذا المصور الصحفي الذي تعرّض خلال مساره المهني للعديد من الإستفزازات والمضايقات والإحتجاز، من طرف بعض رجال السلطة وبعضِ عيونها.وإذا كان هذا المعرض يتميز بجمالية فنية عالية، فهو أيضاً يُعتبرُ شكلاً من أشكال الإحتجاج الراقية، على الواقع والظروف التي مرّت وتمُرّ منها صحافتنا الوطنية.إذن، فال « عيون الممنوعة « هي عُيوننا.. هي نحن.. والفكرة لها أكثر من دلالة.. فهي رسالةٌ باسم الجسم الصحفي كلّه.. باسم الذين تعرضوا للعنفِ والمنع.. باسم الذين تعرضوا للسب والشتم والصفع.. وباسم الذين تعرّضوا للترهيب والقمع.. وهي في نفس الوقت رسالةٌ إلى كُلِّ من يهمّهم الأمر من أجل تغيير هذا الوضع.. و»عيون ممنوعة» هو أيضاً إضاءةٌ وسُؤالٌ يحتاجُ إلى إجابة واضحة ضِمن «الكتاب الأبيض» الذي سيتضمّنُ خلاصات الحوار الوطني حول الإعلام الذي شاركت فيه مُختلف شرائح المجتمع المغربي، والذي من المنتظر أن يرى النور في مُنتصف شهر نونبر القادم بِتزامُن مع اليوم الوطني للإعلام، كما صرّح لنا بذلك الخبير الإعلامي، الأستاذ جمال الدين الناجي في أحد حواراته السابقة . فهنيئاً للزميل عبد النبي المساوي، بمناسبة افتتاح معرضه الأول، وشكرا له على هذه المبادرة الجرّيئة التي أبدعها للكشف عن مغربٍ مهمّشٍ ومنسي، من جهة، وللدّفاع عن زملائه في مهنة الصحافة من جهة أُخرى.. ولا يسعُنا بدورِنا إلاّ الصُّراخ ملء أفواهنا: «عيون ممنوعة» معرضٌ يستحقُّ، وعن جدارة، جائزة وطنية بدون منازع.