قال الأخ محمد اليازغي في تأبين الفقيد محمد المجدوبي:«أعطى سي محمد المجدوبي لرجل التعليم الصورة الحقيقية التي يجب أن تكون،وقد بين أن في هذه البلاد يمكن أن تكون لرجل التعليم مكانة حقيقية في المجتمع،وكان يعتبر أن إصلاح التعليم هو في القسم حيث تبنى شخصية المتعلم..»وأردف قائلا في الكلمة التي ألقاها وسط حضور عدد من مكونات الطيف السياسي والنقابي والثقافي، بمناسبة الذكرى الأربعينية للفقيد محمد بوعمامة المجدوبي التي نظمتها جمعية المقاصد الخيرية مساء يوم السبت 18 شتنبر 2010 بالقاعة الكبرى لقصر المؤتمرات بفاس:«إن محمد المجدوبي لم يبحث يوما عن الأضواء،ولم يكن يجري وراء المسؤولية بل المسؤولية هي التي كانت تجري وراءه، حيث كان رجل التواجد في الميدان العملي وليس فقط رجل الإعلان عن المبادئ، مضيفا أن المرحوم كان يعرف كيف يخاطب سكان البوادي، كما أن دوره في العمل البرلماني كان مشهودا به حيث خلق تقاليد عريقة في هذا المجال. وحينما تحمل مسؤولية تسيير جماعة سايس بفاس في ظروف صعبة تميزت وقتها بتفتيت المدن، فقد استطاع أن يضمن لجماعة سايس خطة وتدبيرا جماعيا تنمويا اعترف به الجميع. ولم تفت الأخ اليازغي الإشارة إلى دوره الصحافي، حيث أبرز كيف أن المجدوبي الذي كان مراسلا لجريدة العلم في خمسينات القرن الماضي وانتقل إلى الكتابة في «التحرير» و»المحرر» و»الاتحاد الاشتراكي»، كان حقا رجل إعلام بامتياز ساعدته في ذلك حاسته المتقدة بالمشاكل الحقيقية للمجتمع المغربي. من جهته، اعتبر مصطفى الكثيري الذي بدا متأثرا غاية التأثر حين أبن الفقيد بكلمة استعرض فيها خصال الوطني الغيور والمقاوم الجسور، مبرزا كيف تشبع المرحوم بشكل متزامن بهدي القرآن وكيف رشف من معين الإرث العلمي للقرويين وروائع الأدب العربي، وكيف أثر كل ذلك في الروح الوطنية التي لازمته منذ نعومة أظفاره. وشدد الكثيري كذلك على الدور البارز للأستاذ المجدوبي كرجل للتعليم والتربية، سواء كمدرس أو كمفتش، كما ذكر بدوره في تخليق الممارسة السياسية والعمل الحزبي حيث كان واحدا ممن يجسدون في حياتهم مبدأ «السياسة أخلاق». ثم قدم شهادة وفاء وإكبار على مساهمة المرحوم بتلك الدراسة القيمة التي أنجزها حول تاريخ الحركة الوطنية في منطقة عين بني مطهر جنوب شرق المغرب، والتي قدمها في الندوة العلمية التي نظمتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير سنة 2005 ، مضيفا أن المجدوبي دافع باستماتة على محورية الإنسان وإنسية الفكر داحضا مزاعم خصوم الديموقراطية، معتمدا منهاج النقد البناء الهادف إلى الإصلاح والتغيير، ومؤمنا بفضيلة التأني الموضوعي، مختتما كلمته بالتأكيد على أن هذا المناضل الفذ والرمز سيظل مرجعا شامخا كلما كانت الكتابة حول النضال والوطنية..». الأستاذ محمد بن سعيد في كلمته بالمناسبة، استعرض بتأثر عميق خصال الفقيد ومناقبه، قائلا بهذا الخصوص:«ماذا عساي أقول في حق مناضل أصيل خرج من صلب نضال حزب القوات الشعبية، وماذا عساي أذكر أكثر مما قيل عن امرئ أخذ تعاليمه من المدرسة السياسية الاتحادية. لقد عرفت الأستاذ المجدوبي في مختلف مواقع المسؤولية في الحزب، بدءا بالكتابة الإقليمية بعد المؤتمر الاستثنائي حيث كان يمثل حقا الفكر الثاقب في اتجاه تقدمي صحيح..» مضيفا» إن اقل ما تنعم به ذاكرتي تلكم، الفترة التي عايشته فيها إثر انتخابنا نوابا لمدينة فاس في البرلمان سنة 1977 حيث كان رحمه الله من المدشنين لتقليد نبيل يتمثل في عقد تجمعات جماهيرية منتظمة بعد كل دورة برلمانية. لقد كان المجدوبي بحق رجل التواصل بامتياز.» وذكر بنسعيد بمواقف الراحل الصارمة في مجال محاربة السكن غير اللائق، ومناصرته للجهود التي بذلت وأثمرت إعادة هيكلة حي طارق بفاس في اتجاه القضاء على ظاهرة مدن الصفيح، حيث عمل معي يقول الأستاذ بنسعيد- جنبا الى جنب بإخلاص وتفان في هذا المجال، مختتما كلمته بالقول: إن سمعة المرحوم المجدوبي هي خير شاهد على عصاميته واستقامته.. شهادة الأستاذ إدريس حمادي والذي أراد لها أن تعنون ب»مواقف» استهلها بالقول بأن الذات هي المواقف مذكرا بالبيت الشعري المعروف: إني أفتح عيني حين أفتحها على *** كثيرين ولكن لا أرى أحدا مشيرا إلى أن شخصية المرحوم تلازم فيها في وئام وانسجام الإيمان والعقل، العقل والنقل، مبرزا كيف أن المبادئ العقلية لا تخرج عن المبادئ التي آمن بها الاتحاد من القمة الى القاعدة: الإيمان بالديموقراطية ولا شيء غير الديموقراطية، مفهوم الدولة الذي يجب أن يرتبط بالتعاون الاجتماعي، مفهوم الدولة كخادمة للشعب وضامنة للحقوق وغيرها من المبادئ التي أسست لثقافة الاتحاد ورعاها المجدوبي في قلبه وعقله، مضيفا أن المرحوم بين بوضوح أن المبادئ العقلية لا تتناقض مع المبادئ الشرعية لأن العقل والشرع مصدرهما واحد هو الحق سبحانه وتعالى. كما ذكر الأستاذ حمادي بحديث الرسول «ص» لرجل جاء يسأله عن أحسن السبل في التقوى والورع والعمل الخير، فأجابه «ص»: «قل آمنت بالله ثم استقم» . وفي معرض حديثه عن خصال الرجل، ذكر المتحدث أن المجدوبي كان بسيطا في حياته وقويا في مواقفه، وكان يتطلع إلى كل المواقع التي يمكن أن يخلخل منها الأوضاع الفاسدة. وفي سياق حديثه عن رمزية اسم بوعمامة ذكر إن العمامة في ثقافتنا هي لباس الجميع: العلماء والعامة، الفقراء والأغنياء وهي رمز للرجولة والشهامة. والمجدوبي وإن لم يلبس العمامة، فإن أجداده لبسوها واتخذوها رمزا لعاداتهم وثقافتهم، مختتما كلمته بالقول بأن لا تناقض بين العقل والنقل إلا في ذهن غير العارفين.. هذا وقد توالى على منصة الخطابة، عدد من الفعاليات السياسية والجمعوية من معارف الفقيد وأصفيائه ، حيث استعرض الأستاذ العربي الجابري مختلف المحطات النضالية التي كان المرحوم المجدوبي حاضرا فيها وبقوة من الكفاح الوطني الى تأسيس حزب القوات الشعبية سنة 1959 الى مؤتمر 1962 ،مبرزا تلاحم الرسالة السياسية والرسالة التربوية عند الفقيد. كما ذكر الأستاذ محمد حداد بنضال الفقيد وممارسته الرائدة في المجال الإعلامي، مؤكدا أنه رحمه الله برع في كل الأجناس الصحفية من المقالة الصحفية القصيرة إلى الربورتاج فالمقالة الفكرية، مذكرا بمساهماته التي لا تنسى على أعمدة المحرر والاتحاد الاشتراكي في تحليل الإشكاليات الحقيقية للمنظومة التعليمية في بلادنا. وفي كل الأجناس الصحفية، كان أسلوب الفقيد في الصحافة يقوم على خمسة مبادئ موجهة، عددها الأستاذ حداد كما يلي: الوضوح، السلاسة في التعبير، الموضوعية، الانفتاح والشفافية. الأستاذة غنية لايرني أحد الوجوه النسائية الاتحادية البارزة في العمل الجماعي والجمعوي ، استهلت بدورها كلمتها بالقول بأنها تعرفت على الفقيد في الجماعة الحضرية بفاس، رجلا كفؤا مناضلا وطاقة كبيرة في العمل لصالح المواطنين.»كما تعرفت تقول المتحدثة- عليه إنسانا خيرا في جمعية المقاصد الخيرية، ينتصر للحق ولا ينساق أبدا مع الباطل، ترجم مبادئ الإسلام السمحة في هدوء واعتدال، احترم المرأة وساند حقوقها دون تشدق أو رياء وكان شغوفا بالخير وعمل من أجله..» وباسم أسرة الفقيد، تناول الكلمة السيد الهبري المجدوبي الذي أفاض في استعراض النسب الذي ينحدر منه الفقيد، باعتباره سليل أسرة وطنية عريقة أنجبت رجالات ورموزا في مختلف المراكز والواجهات ذات الصلة بعالم الفكر والعدلية والخدمة العامة والالتزام السياسي والعمل الخيري. كما أشار في محور آخر من كلمته إلى المسار التربوي للفقيد، وتدرجه في مختلف أسلاك الوظيفة التعليمية التي كانت بالنسبة إليه أكثر من مهنة، مسألة هوية والتزام..» وقدم الأستاذ عبد الحي الرايس باسم جمعية المقاصد الخيرية شهادته في حق الفقيد بنبرات تأثر عميق، مستهلا كلمته وهو يؤبن الفقيد بالقول:«محمد بوعمامة المجدوبي: اسم اشتق من طينة أبرار عين بني مطهر وأشاوس شرق هذا الوطن. عجمت عوده السياسة بنضالاتها ومسؤولياتها في تأطير تنظيمات ولقاءات الاتحاد، فأكد حضوره وحقق إشعاعه دون أن يغويه بريقها، كما أرقته معاناة المهمشين والبؤساء فانبرى لتأسيس جمعية المقاصد الخيرية، وكلف بالجماعة فعبأ نفسه لتلبية حاجاتها وإشاعة النزاهة في أوصالها. وفاجأته الأدواء، فكان مثال الحكمة في معايشة عللها، ونموذج الإيمان في الصبر على بلواها. فهنيئا له ما قدم وما أسلف، وهنيئا لنا به رمزا ومنارا يبعث الحماس في عشاق الوطن ويلهم خير الدروس والعبر..» ومعلوم أن هذا الحفل التأبيني الذي انطلقت فعالياته في الساعة الخامسة مساء، كان قد عرف في البداية كلمة مجلس المدينة التي ألقاها السيد الملوكي الذي أكد على الحضور النضالي الوازن للفقيد وتشبعه بقيم الاستقامة والنزاهة والبذل والعطاء لصالح الجماهير، وتشبثه بالعمل الوحدوي لصالح تقوية الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. كما تخلل هذا اللقاء تقديم شريط مصور يستعرض مراحل حياة الفقيد ومساره السياسي والنضالي، وشهادات بعض من عرفوه عن قرب أمثال الأستاذ احمد بنجلون والأستاذ النقيب عبد الرحمن بنعمرو والأستاذ محمد البواب رفيق دربه في العمل التربوي على امتداد خمسين سنة والأستاذ بنشقرون. وقد وقفت هذه الشهادات عند بعض المحطات التي تعرض فيها الفقيد للاعتقال والمضايقات منذ الفترة الاستعمارية حيث سبق أن ذاق مرارة السجن لمدة سنتين. إلى ذلك، تحول اللقاء إلى مناسبة حميمية التقت فيها العديد من الوجوه من الإخوة والرفاق في درب النضال من مختلف المدن المغربية، وتعانقت فيها كل الفعاليات السياسية والجمعوية والثقافية والإعلامية في جو مطبوع بشحنة عاطفية قوية ودفء نضالي وحدهم رجال من طينة الفقيد قادرون على توفيره. رحم الله فقيدنا العزيز محمد بوعمامة المجدوبي وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.