كنا هناك لحظة وصول عناصر الفرقة الوطنية، كنا شهودا على انطلاق البحث من طرف عناصر الفرقة الوطنية في ملف فساد مالي وإداري سيكون بحق - في حال أخذ طريقه الصحيح- محاكمة السنة بالنظر لحجمه ولطبيعة المتورطين المحتملين فيه. الساعة تشير إلى حوالي الثالثة صباحا، ولجنا السوق، كانت الحركة غير عادية، فهناك زوار غير مرغوب فيهم! جاؤوا على حين غرة، التكتم طال هذه العملية والتي ستحول مجرى ملف سار سير السلحفاة وهو يتنقل بين هذا المكتب أو ذاك وهذا المسؤول أو ذاك. تحركت الهواتف النقالة للتبلغ بالأمر، شوهدت سيارات وهي تغادر الباب كما شوهدت بعض المحلات وهي تغلق أبوابها على غير عادتها، الأمر الذي يدعو للشك والريبة. ولم يفطن أحد من رواد السوق لمايقع فجميع المسؤولين كانوا في حالة ذهول . وسط تكتك شديد حلت حوالي الساعة الثالثة صباحا بسوق الجملة للخضر والفواكه بالدارالبيضاء عناصر من الفرقة الوطنية لمباشرة تحقيقاتها في عين المكان بشأن ما أصبح يعرف إعلاميا بملف الفساد والتلاعبات المالية بسوق الجملة للخضر والفواكه بالدارالبيضاء. حلول عناصر الفرقة الوطنية جاء لمباغتة العاملين بالسوق أثناء مباشرتهم لمهامهم بدءا من التسجيل عند دخول الشاحنات وصولا إلى مراقبة الحمولة في مركز المتابعة أو مايطلقون عليه هنا «البراكة» وانتهاءا بالتحقق من حقيقة مادون في سجلات الدخول مع مايتم عرضه للبيع. وبمجرد وصول عناصر الفرقة الوطنية بدا الارتباك واضحا على المسؤولين بالسوق . وبحسب مصادر مقربة طلبت عناصر الفرقة الوطنية من المسؤولين تحضير وثائق كشوفات الدخول الخاصة باليوم ذاته وتم الاطلاع على محتواها وقد شوهد معهم التاجر الشاب مراد الكرطومي - وهو الذي فجر فضيحة الاختلاسات المالية بالسوق - حيث كانوا يشرحون للفرقة الوطنية كيف تسير الأمور في حين كانت عناصر الفرقة الوطنية تركز على خانات معينة في ورقة الكشوفات وكأنها جاءت لتتبع مسارا معينا في الملف خاصة وأن الأخبار المتسربة لحد الآن تفيد بأن دخول الفرقة الوطنية على الخط في هذا الملف جاء بعد أن تبث بأن الملف من العيار الثقيل وبأن تداعياته لن تقف عند من تضمنت محاضر استماع الشرطة القضائية من قبل أسماءهم من صغار الموظفين والتجار. وبحسب مصادرنا فإن عملية التفتيش أو التحقيق شملت مجموعة كبيرة من الكشوفات تم الاحتفاظ ببعضها كما تم الاحتفاظ ببعض الأوراق الرمادية الخاصة بشاحنات نقل الخضر والفواكه حيث تم الوقوف على مجموعة من الاختلالات وعدم مطابقة مادون في ورقة الدخول مع ماهو مدون في ورقة انطلاق البضاعة من المدينة الأصلية ومع حمولة الشاحنات وتحركوا في اتجاه سوق آكادير حيث استمعوا إلى مجموعة من التجار وتم الاحتفاظ ببطائقهم الوطنية وزاروا « العطرية» وهو السوق الذي تباع فيه الخضر والفواكه بشكل متنوع. البحث والتحقيق دام زهاء الثلاث ساعات قبل أن يغادروا السوق ويستدعون مجموعة من الموظفين والأعوان العاملين بالسوق وكذلك بعض التجار وسائقي الشاحنات حيث أفادتنا مصادرنا بأن مجموعة منهم أدلوا بتصريحات تفيد تورط مجموعة من المسؤولين والمنتخبين وإدارة السوق في أي تلاعب يسجل. أصل الحكاية الحديث عن التلاعبات بسوق الجملة بالدارالبيضاء لايتعلق بملايين السنتيمات ، ولكن بالملايير وبنزيف مالي حاد المتضرر الأول والأخير منه مدينة الدارالبيضاء والمستهلك والفلاحون والتجار. فهل يتعلق الأمر فعلا بصندوق أسود لتمويل أنشطة ما لوزارة الداخلية، كما يُتداول داخل السوق، أم أن هذه مجرد إشاعة للابتزاز والاغتناء غير المشروع؟ فكيف تتم عملية تهيئة الفضاء للتلاعب وكيف يتم جر التجار إلى شرك المزايدة والإبتزاز؟ الحكاية بسيطة للغاية، من المعروف أن أية سلعة وبشكل خاص بالنسبة للخضر والفواكه، تختلف جودتها ، فحمولة الشاحنة أحيانا يكون نصفها من النوع الجيد والنصف الآخر يتوزع مابين متوسط الجودة والرديء! إدارة السوق تقوم بتحديد سعر السلعة بشكل مزاجي وليس وفق اعتبارات علمية بعد معاينات وعملية تتبع لمسار السلعة، وهنا بيت القصيد. يقومون بالرفع من سعر السلعة، يفرضون عليهم التوقيع على المحاضر ويقولون بعد الاحتجاج : لاش تشكي؟ سير خربق واحنا معاك! . الرفع من السعر يفتح باب التلاعب ليس فقط في الميزان، بل أيضا لفتح الباب أمام مراجعة الأسعار والتي تتم بعد (المفاصلة!) . مراجعة الأسعار حق مشروع لكنه يتم التلاعب به ويخضع لمزاجية المدير ومن يدور في فلكه . فالأسعار تحدد يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع ، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤل حول مدى ملاءمة هذا التوقيت للتجار، ولماذا لا يتم التثمين بشكل يومي، بل لماذا يتم النفخ في الأسعار أصلا؟ فبالإضافة إلى فتح باب التلاعبات ودفع مجموعة من التجار للتناور، هناك رغبة السيد المدير ( للإشارة فإن المدير الحالي كان اليد اليمنى للمدير الأسبق أيام كانت التلاعبات في السوق في أوجها وتناسلت فضائحه) في الرفع من المداخيل الجبائية لمجلس المدينة والظهور بمظهر الشخص الذي رفع من مردودية السوق ولو على حساب الفلاحين والتجار المغلوبين على أمرهم. وحكايات التجار الذين أعلنوا إفلاسهم على كل لسان ! وأنت تتجول في السوق وتجالس التجار ، تلمس أن الجميع يتحدث عن الفساد المالي، الجميع يتحدث عن الحيف والغبن الذي يشعرون به وهم يمارسون عملهم هذا دون الحديث الذي أصبح باديا للعيان حيث تتحول السلعة والحمولة عند باب السوق إلى سلعة أخرى أقل سعرا. لعبة الخاوي والعامر بسوق الجملة! الحكاية ، بكل بساطة هذه المرة، تتعلق بلعبة جديدة قديمة تتقنها مجموعة ممن «رْضَى عليهم الشاف» وهي لعبة «الخاوي والعامر» والتي تحرم مدينة الدارالبيضاء من مداخيل كراء مجموعة من المتاجر»الفارغة» والتي تستغل من قبل هؤلاء»ببلاش»، ليس من أجل بيع وشراء الخضر، بل من أجل الإتجار « في الخاوي» ، و» الخاوي « في قاموس السوق هو الصناديق التي تستغل في عملية نقل الخضر والتي يضطر عدد من تجار الخضر بالجملة إلى كرائها من عند أصحاب هذه المحلات لنقل بضاعتهم . هكذا إذن تستغل هذه المتاجر في تجارة مربحة من دون أداء القيمة الكرائية لمجلس المدينة! لعبة الخاوي والعامر بسوق الجملة جعلت البعض يتحين الفرصة للاستحواذ على متاجر أخرى فارغة مادامت تدر هذا الدخل الإضافي من دون جهد أو مغامرة غير محسوبة العواقب. هكذا إذن يتبين أن تسيير السوق كان يخضع لمنطق الخطوط الحمراء ومناطق الظل التي تدر الملايين على المتحكمين في زمامه، أكانوا من داخل البناية أو خارجها ، والذين يسيرون شؤونه الخفية «بالتيليكوموند»! من جهة أخرى أفادتنا مصادر من داخل السوق أن الإدارة وفي سياق الضغط على التجار لتغيير أقوالهم، التجأت إلى أسلوب المساومة والتدليس، حيث يتم استدعاء التجار الذين يكترون المحلات التجارية لاستغلالها في تخزين الصناديق الفارغة ويتم تلقينهم التصريحات التي سيدلون بها أمام عناصر الشرطة القضائية بحيث يقرون بأنهم مجرد عاملين عند الوكلاء المسجلة هذه المحلات بأسمائهم، وهو الأمر الذي اكتشف خلال الاستماع إليهم، حيث لم يقدروا على إثباث علاقة تشغيل بينهم وبين الوكلاء، خاصة إذا علمنا أن مدة استغلال هؤلاء لهذه المتاجر يفوق الست عشر سنة وهناك آثار معاملات مالية سنوية معهم. سير طول، بلا ماتخلص! فبعد التصاريح المزورة عند الدخول وسياسة سير طول بلا عبار والتلاعب في الأسعار الحقيقية والوزن جاء دور الإفراغ أمام السوق وخارجه والتواجد المكثف «للحضاية» الذين يمثلون بعض أعضاء المجلس « وكل واحد وخلاصو من بعد مايتم لخلاص!» فكيف يمكن تفسير انتظار مجموعة من الشاحنات لأزيد من أربع ساعات أمام أسوار سوق الجملة صباحا وانتظار وصول المكلف « بالمفاصلة» لتيسير دخول الشاحنة ومعرفة ما إن كانت من أصحاب «سير طول» أم لا، في الوقت الذي تدخل باقي الشاحنات ويتم تطبيق الإجراءات القانونية عليها بصرامة . «المعاينة» شكل آخر من الأشكال التي يتم التلاعب خلالها في الأسعار، فوفق مصادر من داخل السوق فإن عملية مراجعة الاسعار خلال النهارتخضع لمنطق الشونطاج! كماهو الشأن بالنسبة للاجتماع الأسبوعي الخاص بتحديد سعر الخضر والفواكه. الزائر المتمعن لمجريات الأمور في سوق الجملة لابد أن يلاحظ توافد مجموعة من «طالبين معاشو» أو أحد العاملين بالسوق على بعض المربعات أو المتاجر للحصول على صناديق خضر أو فواكه مجانا ويتم التوجه بها إلى المتجر المعلوم ليتم توزيعها بعد ذلك على سيارات خاصة تقول مصادرنا بأنها تعود إلى مسؤولين بالمدينة وبعض المحظوظين ممن يدور في فلكهم بمختلف القطاعات. من المستفيد الحقيقي من هذه التلاعبات؟ الاختلالات المالية والتلاعبات في سوق الجملة كانت محل متابعات صحفية مكثفة في الآونة الأخيرة قبل أن تتحرك النيابة العامة لتباشر عناصر الشرطة القضائية التحقيق بعد أن فاحت رائحة الفساد وأصبح الحديث يدور حول هوية المستفيد الحقيقي من الأموال المختلسة، خاصة بعد أن تم نشر خبر اعتبار السوق صندوقا أسود خاصا وهو ما يتداول حاليا مع استمرار التحقيقات وتصريح أحد المسؤولين بمجلس المدينة بحسب ما أورده أحد التجار الذين تم الاستماع إليهم- انه سيلتجئ إلى جهات عليا لوقف أية متابعة، الأمر الذي يطرح التساؤل عن هوية هذه الجهات العليا، خاصة إذا علمنا أن ملفا مماثلا لاختلاس سابق بسوق الجملة للدار البيضاء قد تم إقباره وتوقيف مسطرة المتابعة فيه من دون سبب أو تبرير قانوني منطقي، فهل ستتدخل جهة ما لوقف المتابعة واستكمال التحقيق، أم أن المسطرة ستأخذ مجراها الطبيعي، ذلك ما ستكشف عنه الآتي من الأيام. الحساب الإداري لمجلس المدينة يكشف جانبا من الاختلالات كشفت وثيقة الحساب الاداري بمجلس مدينة الدارالبيضاء جانبا من جوانب »الثغرات والاختلالات« المالية بسوق الجملة للخضر والفواكه، ففي الباب المتعلق بمداخيل السوق الباب رمز الميزانية 21 والمعنون ب » حق امتياز استغلال مراحيض سوق الجملة للخضر والفواكه « كانت تقديرات الميزانية محددة في 1000 درهم كمداخيل إجمالية عن 15 مرحاضا موزعة على مختلف أجنحة السوق، وفي الجانب المتعلق بالمداخيل المحصلة من هذه المراحيض في نفس الباب نلاحظ بأن المبلغ المحصل هو صفر درهم! هكذا يظهر جليا أن المراحيض الخمسة عشر بسوق الجملة لاتستفيد منها ميزانية المدينة، وذلك راجع إما لأن ولوج هذه المراحيض مفتوح للعموم بالمجان وهو أمر غير وارد، أو أن هذه المداخيل، وفق مصادر مطلعة، تجد طريقها إلى وجهة أخرى غير حسابات مجلس المدينة ، وهو مايقع بالفعل والحسابات المالية لمجلس المدينة تؤكد ذلك. ماتضمنته وثيقة الحساب الإداري حول هذه النقطة دفعتنا إلى زيارة سوق الجملة للخضر والفواكه بالدارالبيضاء للوقوف عن كثب على حقيقة الأمر. لاحظنا وجود 15 مرحاضا تسعة منها فوتت إلى أشخاص معروفين وهي تشتغل بشكل مستمر والدخول بالمقابل، ثلاثة منها مغلقة في اتجاه التفويت وثلاثة أخرى فوتت وتم تحويلها إلى مقاه تشتغل طيلة النهار إضافة إلى جزء من الليل. الجميع داخل سوق الجملة يعرف جيدا ملابسات هذه التفويتات، الجميع يدرك طرق الحصول على رخصة حق الإستغلال، وكيف أن هذه الوثيقة تساوي الملايين، لكن الجميع هنا لم يكن يدرك أن هذه المراحيض و المقاهي »المراحيض« لاتدر ولو سنتيما واحدا على مجلس المدينة! موضوع المراحيض وباقي الاختلالات المالية التي يعرفها سوق الجملة للخضر والفواكه ، كانت محور سؤال وجه إلى رئيس مجلس المدينة محمد ساجد خلال لقاء مباشر معه على أمواج إذاعة »إف إم« بالدارالبيضاء إلا أنه تحاشى الإجابة عنه وامتنع عن التعليق إن بالنفي أو التأكيد! موقف رئيس مجلس المدينة يزكي ماذهب إليه نائبه نور الدين بركاع في إحدى خرجاته الإعلامية حيث نفى أن تكون هناك تلاعبات مالية بالسوق معتبرا أن كل مايكتب وينشر عن السوق مجرد مزايدات »سياسوية!« فهل هناك إجماع داخل مكتب مجلس المدينة لحماية »المتلاعبين« بالمال العام؟ فأين تذهب دراهم هذه المراحيض ومن هو المستفيد من الملايين التي تدرها عمليات التفويتات المتتالية لمجموعة من مرافق السوق؟ وللسوق مشاكله الأخرى سوق الجملة بالدارالبيضاء فلا أحد يجادل في أهميته، فهو شريان اقتصاد المواد الفلاحية وأهميته تكمن في حجم الرواج الذي يعرفه، لكن أهميته تكمن أيضا في حدة المشاكل التي يعرفها والتي ، بالإضافة الى العناصر المرتبطة بالسير العادي داخل السوق، من مشكل الأمن والنظافة والتسلط الإداري والتلاعبات ، هناك السومة الكرائية التي ظلت ترهق كاهل التجار، إذ لايعقل أن يؤدوا الضرائب بشكل مزدوج، العشار، الضريبة على الأرباح، واجب الكراء ، فهل يعقل أن يستخلص مجلس المدينة واجبات استغلال هذا المرفق مرتين؟مرة عند دخول السلعة أو ما يعرف بالعشار، ومرة ثانية عند نهاية كل شهر كواجب كراء؟ وبالنسبة للوكلاء بسوق الجملة بالدارالبيضاء ، فقد تحول معظمهم إلى مجرد أصحاب شكارة ! علما بأن القانون على علته ، واضح في هذه النقطة، ومع ذلك هل يعقل أن يتم توريث المربعات وكأنها أصل تجاري؟ وهل يعقل أن »يمتنع« والي الدارالبيضاء عن الإعلان عن المباراة و التي تأجلت لمدة عشرين سنة ؟