من يذكر مدينة القنيطرة يستحضر ساحة الخبازات. التي كانت في الستينات تحتضن صناديق اسمنتية يجلس داخلها باعة الخبز . أما اليوم فقد تحولت الى تجمع تجاري مهم يستقطب الباعة المتجولين والقارين وأيضا المتبضعين ولا يقبلون أي مكان بديلا للخبازات . وفي شهر رمضان يشتد الاقبال على الخبازات حيث تشهد هذه الساحة الشعبية والأزقة المتفرعة عنها رواجا تجاريا كبيرا ، انه فضاء تؤثته محلات أهل فاس المتخصصة في بيع جميع أنواع الحلويات وعلى رأسها الشباكية والثمور .وعربات الفواكه التي تعترض طريق المارة ولا تخلي الطريق لأحد، أصحابها أغلبهم من الشباب العاطل أو الفارين من قساوة الطبيعة وضيق ذات اليد ببوادي الغرب وبائعات البغرير والعجائن والخبز البلدي وهن يرتدين جلاليب زرقاء وعيونهن السود تكاد تتمرد على اللثام، ومقاهي الحريرة التي يقبل عليها العزاب من كل مكان، وبائعو الجبن القادم من جبال الشاون الشاعرة، ولابأس أن تشتعل بين الفينة والأخرى حروب صغيرة تكون الخبازات ساحة لها، وتدور رحاها بين الباعة المتجولين ساعات قليلة قبل الافطار، وكعادتهم يتدخل أفراد القوات المساعدة المرابطين بهذه الساحة طيلة السنة، لتهدئة الوضع ، ورأب الصدع، فهؤلاء المرود أو المخازنية ربطوا علاقات حميمية مع الباعة المتجولين حيث انمحت الحدود بينهم فلم يعد معنى لتلك الخصومة التاريخية، ومن هنا نفهم لماذا تعرضت ساحة الخبازات الى قائمة طويلة من الظواهر الحادة والملتهبة، فالتهبت معها جيوب المواطنين المقهورين، ظواهر تعاكس كل مقومات الجودة وقواعد الحفاظ على الصحة العامة ، حيث تسود الفوضى التي يصنع فيها الكل ما بدا له، فاستفحل الغش في المواد المعروضة للبيع خلال هذا الشهر الفضيل، وكأن الصيام يبيح ذلك، وكأن عصر المواطنة والأخلاق الحميدة قد ولى وأدبر من غير رجعة، وكأن المستهلك المقهور في زمن تناسلت فيه جمعيات حماية المستهلك قد وقع فريسة خاضعة ذليلة في مأدبة اللئام من محترفي الغش والكسب الحرام الذين لا يرتجفون ولو للحظة واحدة من بشاعة جرمهم وقبح فعلهم.