سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مسيحيون أسلموا في بلاط السلاطين المغاربة .. عبد الرحمان دوسولطي.. الفرنسي الذي أسلم طوعا، وبنى الطرق وركب الساعات الشمسية بقصور السلاطين واحتكر بيع القهوة بالمغرب!
ما الذي نعرفه عن المسيحيين الذين أسلموا في بلاطات السلاطين المغاربة منذ العهد الموحدي والسعدي؟!.. هل نعلم أن القائد الذي قاد بحنكة معركة وادي المخازن، مع السلطان عبد الملك السعدي، والذي أخفى وفاته عن جنده حتى يواصلوا انتصارهم، هو القائد والحاجب رضوان العلج، البرتغالي الأصل والمسيحي الذي أسلم بعد أسره، وأنه ساهم في الإنتصار على ملك البرتغال وقائدها في تلك المعركة الشهيرة، سلفستر؟!.. ما الذي نعرفه عن مسيحيي السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله؟!.. وعن الفرنسي عبد الرحمان دوسولطي؟!.. ما الذي نعرفه عن القائد العسكري إيكرمان؟!.. إنها بعض من المساحات النادرة في تاريخ بلادنا، التي سنحاول تتبعها في هذه السلسلة من المقالات، من خلال الإعتماد على كتابات الفقيه السلاوي الناصري، صاحب كتاب «الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى»، وكذا كتابات الباحث الأنثربولوجي الفرنسي دولامارتينيير، الذي نواصل ترجمة رحلته في مغرب القرن 19. بعد هزيمة [المغاربة] في معركة إيسلي [ضد الجيش الفرنسي، سنة 1844]، تعاظم دور عبد الرحمان دوسولطي، ووقف الجميع عند أهمية نصائحه. وقاده ذلك إلى أن يحوز صداقة الأمير سيدي محمد الذي سيصبح بعد مدة قصيرة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان. بل، إن درجة تلك الحظوة والثقة قد بلغت حد أن أصبح يسمح له بالدخول إلى جناح السلطان الخاص، وإلى مكان تواجد حريمه. مثلما سيزوجه السلطان من إحدى محظياته، وسيرزق منها بولد وبنت. الولد سيعمل معي مدة في طنجة، أما البنت، التي كانت المحببة لديه أكثر، فإنها ستتزوج وترزق بولد لا يزال مقيما بمراكش. لقد أنجز عبد الرحمان [دوسولطي] مهام عدة بالمغرب، منها بناء مشور فاس، والباب التي تعرف بباب البوجاد، مثلما حول سرير نهر فاس، الذي كان يعبر من قبل عند قدم أسوار قصر السلطان. وقام ببناء ساحة للرماية العسكرية على مساحة أربع هكتارات. وإليه يعود فضل بناء القناطر في الطريق بين مكناسوفاس، وكذا قناطر وادي مكناس. ومن بين أعماله القيمة، إنجازه لعدد من الساعات الشمسية داخل عدد من القصور السلطانية، التي لا تزال متواجدة إلى اليوم [ تاريخ كتابة هذه التفاصيل من قبل دولامارتينيير سنة 1904]. في شيخوخته، بعد أن حاز قيادة وإدارة المدفعية في الجيش المغربي، فإنه لم يعد يرافق السلطان في رحلاته، فيما كلفه السلطان مولاي الحسن الأول، الذي كان يعزه كثيرا، بإدارة ماله الخاص. [ بذلك يكون هذا الفرنسي الذي أسلم من تلقاء نفسه واختار الإستقرار في المغرب، بدءا بمدينة العرائش قبل أن يلتحق بقصر مكناسوفاس، قد عايش ثلاثة ملوك علويين، هم مولاي عبد الرحمان الذي استقدمه من العرائش وكلفه بتهيئة طريق فاس - مكناس، ثم ابنه سيدي محمد بن عبد الرحمان، ثم الحفيد مولاي الحسن الأول. وكلهم سلاطين كبار في مغرب القرن 19، سعوا إلى إدخال إصلاحات هيكلية على الدولة المغربية خاصة في مجالات الجندية والمالية والتعليم والبريد. لكنها مشاريع إصلاحية حوربت بشراسة داخليا وخارجيا، لأن فرنسا التي احتلت الجزائر سنة 1830 لم تكن لتقبل بمغرب قوي مستقر وآمن إلى جوارها بالجزائر . - م - ]. بل إن الرجل قد استمتع كثيرا بمباهج المامونية في مراكش، التي ستوهب بعد ذلك في ظروف مماثلة للقايد ماكلين. مثلما منح حق احتكار بيع القهوة في مراكش. في أخريات أيامه، سكن مواطننا عبد الرحمان [هكذا يصفه الكاتب]، بيتا عتيقا بحي القصبة بمراكش. وهو بيت متواضع زرته بعد ذلك، لأقف عند مستوى العيش البسيط والمتواضع الذي اختار مواطننا العيش فيه. ورغم أنه بلغ مستويات عليا في الدولة، فإنه سعى إلى عدم إثارة حنق وحسد المغاربة. لقد فهم جيدا الذهنية المغربية [ ليلاحظ معي القارئ حكم القيمة التعميمي هنا من الكاتب - م - ]، الصعبة والمشكاكة والمرتابة، التي تصدر أحكام قيمة كثيرة حول طرق عيشنا وأفكارنا. لقد سألت عبدا أسود عنه، وكان عبدا طاعنا في السن، من عبيد البخاري، إسمه «المعلم الطبايلي»، يعيش في مراكش منذ خمسين سنة، والذي احتك مباشرة بعبد الرحمان [دوسولطي]. لقد كان هذا الأخير - حسب إفاداته - رجلا طويل القامة، بجسم متناسق، وملامح وجه جميلة، بلحية طويلة، وميل نحو بعض من البدانة. فيما كانت ملامحه ملامح رجل وقور، وبه مسحة حزن دائمة تسكن عينيه. لقد أكد لي أن عبد الرحمان كان يتحاشى الحديث عن ماضيه، وأنه في أخريات أيامه اعترف له فقط بأمر واحد، أنه ارتكب خطأ في حياته وأنه كفر عنه. إنه لمؤسف جدا، أنه على مدار مهامه الكبرى بالمغرب، والتي امتدت لسنوات طويلة، لم نتمكن من حسن استثمار موقع عبد الرحمان دوسولطي القريب من ثلاثة سلاطين مغاربة لصالحنا. لقد كان قراره بقطع كل صلة نهائيا مع الوسط الذي غادره [أي مع كل ما يمت بصلة بفرنسا]، قد جعلنا نفلت فرصا عديدة هامة لتقوية وجودنا هنا [بالمغرب]. بل إن السيد فريدو الذي لمحه مرة في فاس، أثناء تقديم سفارة سفيرنا السيد دوفيرنوي، لا يزال يتذكر ذلك الرجل الشيخ الطاعن في السن، الممتلك لهيبة حقيقية غير مفتعلة. لقد حاول الإقتراب منه، لكنه ظل سجين صمت الرجل وانعزاليته ووقاره، لأنه - حسب ما أكد لي قد لمح آثار دمع يملأ عينا عبد الرحمان دوسولطي، حين كانت تمر أمامه بدل الجندية الفرنسية، التي يرتديها الجنود الفرنسيون المرافقون للسفير. توفي عبد الرحمان [دوسولطي] بفاس سنة 1879، ودفن بمقبرة «باب المحروق»، وظل قبره قبر رجل مسلم، عادي، غفل، مثله مثل باقي قبور المسلمين، ولقد تكفل الزمن بمحو أي أثر عنه، مثلما يمحي أشياء كثيرة فوق أديم الأرض. حين وصل «الضابط إيركمان» إلى البلاط الشريفي، بصفته مدربا للمدفعية لن يجد سوى عدد قليل من الأروبيين الذين أسلموا، بينهم البارون دوسان جي. كان هذا الفرنسي البئيس محاميا، ولا أحد يعلم كيف انتهى به المطاف في بلاد المغرب. أصبح يمارس الطب هنا، واعتنق الإسلام، مثلما نجح في نسج علاقات قوية مع عدد من شخصيات البلاط. ولقد زوجه السلطان من أمة سوداء ذميمة الخلقة، تعلم العربية ولقد قدم خدمات جليلة للعديد من الضباط الفرنسيين الذين كانوا يجدون صعوبة في التأقلم مع الفضاء المغربي الجديد عليهم، والصعب بالنسبة لبعضهم. كان تمة أيضا مواطن بلجيكي، متخصص في صناعة الأسلحة بحنكة عالية. ثم كان هناك مواطن آخر من بافاريا عمل بسلك الجندية الفرنسية سنة 1870. وكان هناك أيضا مواطن فرنسي، قادم من الجزائر، وهو من فرقة «قناصة إفريقيا»، وكلهم توفوا أثناء وباء الكوليرا الذي ضرب المغرب سنة 1878. [يقدم المؤرخ المغربي الفقيه الناصري في كتابه « الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى» تفاصيل أكثر دقة عن هذا الوباء وعن الإجراءات التي تم اتخادها على مستوى مركز الحكم، خاصة في فاس - م - ]. مثلما سأتعرف شخصيا، بعد ذلك، على قنصل برتغالي سابق بالمغرب، هو السيد دوسي، وكان رجلا طيبا، اختار العمل داخل البلاط السلطاني وأن يعتنق الإسلام. [ الحقيقة، أن ما قام به الضابط الفرنسي إيركمان، ضمن مهمته العسكرية الرسمية بالمغرب، بطلب من السلطان المغربي لدى السفارة الفرنسية في حوالي سنة 1879، ليس سوى جزء يسير - وهام - من عمل أكبر لعدد من الباحثين والعلماء والجغرافيين والبحارة والعسكريين الأروبيين ببلادنا، منذ القرن 17. وإذا كان مجال تفصيل القول بالتواريخ والمهام، منذ سنة 1518، تاريخ صدور كتاب ليون الأفريقي (المغربي الأندلسي الذي اسمه الأصلي هو: الحسن الوزان، والذي أرغم على اعتناق المسيحية بعد أسره بتونس في طريق عودته إلى المغرب من مهمة ديبلوماسية بمصر وتركيا)، هو الكتاب الذي عرف بعنوان «في وصف إفريقيا»، إذا كان ذلك أمرا صعبا هنا، فإن ما يجب التوقف عنده هو الدور الذي لعبه عدد من المستكشفين الأروبيين، خاصة الإنجليز والفرنسيين والألمان، لبسط تفاصيل المغرب الدقيقة أمام الأروبيين، بعد أن ظلت البلاد متمنعة ومجهولة، رغم أن ما يفصلها عن أروبا لا يتجاوز سوى 14 كلمترا. إن رحلة الفرنسي شارل دوفوكو سنة 1883 كمثال هنا تعتبر دالة وهامة. وأيضا رحلة البريطاني هاريس سنة 1894 التي تعتبر مرجعا هاما في ما يرتبط بتحديد خرائط المغرب المعدنية والأثرية. ورحلة الضابط الألماني كودنفيل سنة 1886 ورحلة البريطاني دولس إلى جبل درن (توبقال ومحيطه) ووادي درعة وسوس سنة 1888 ورحلة البريطاني طومسون للأطلس الكبير والمتوسط سنة 1889. وهي كلها رحلات سمحت بتحديد خرائط ما يفوق 2205 كلمترا بالمغرب، الذي لا يعتبر سوى استكشافا للثلث فقط من مساحة المغرب، الذي ظلت باقي مناطقه متمنعة على الأجنبي. ولعل من أجمل وأدق تلك الأبحاث الخرائطية والإثنولوجية، تلك التي قام بها الأميرال الفرنسي فانسوندون - دومولان، في ما يرتبط بالضفة المتوسطية للمغرب. وتلك التي قام بها اليوتنان أرلت من البحرية الملكية البريطانية في ما يرتبط بالمحيط الأطلسي. مع الإشارة أن الرحالة والعلماء والمستكشفين البريطانيين وحدهم الذين ولجوا إلى مناطق غير مسبوقة في المغرب، بفضل الحظوة التي كانت للتاج البريطاني في بلاطات سلاطين المغرب على مدى أكثر من أربعة قرون. فقد كانت تتوفر لهم حماية رسمية خاصة. - م - ].