لا يجادل اثنان بشأن حاجة البلاد إلى تطوير الإبداع السينمائي بشكل يواكب بقوة المجهودات التحديثية والإرادة في تسريع وثيرة الحسم العقلاني مع المعيقات التقليدانية. إن السينما تعد من القطاعات الفنية المتميزة بلونها الإبداعي وبشدة تأثيراتها السريعة على الحياة الثقافية للمجتمع أفرادا وجماعات. والدليل على ذلك يتجلى في كون المنتوج السينمائي المغربي حاضر بشدة في ذاكرة الأسرة المغربية، حيث يحفظ الصغير والكبير عناوين الأفلام التي قاموا بتتبعها. ونظرا لهذه الخاصية والمكانة المجتمعية، يجب أن يشكل رهان تطوير المنتوج السينمائي أولوية في الشأن العمومي والخاص. إنها أداة للتعبير عن واقع المجتمع والتأثير فيه وتطوير مقوماته من خلال خلخلة مقدساته التقليدية اللاعقلانية وإعادة بناء ثراته على أسس صحيحة تتماشى والانشغالات الجديدة للشعوب والأمم زمن الانفتاح على الآخر. وللإشارة على سبيل التشخيص والملاحظة، فبالرغم من الوعي المبكر بدور السينما في التنمية الثقافية والاقتصادية ومن تم السياسية والاجتماعية بالمغرب، لم يستغل السبق التاريخي لبلادنا في هذا المجال في جعله آلية أساسية لتقوية الوعي الثقافي والسياسي المجتمعي من خلال مسايرة التطورات الدولية. نقول هذا والكل يعلم أن المغرب كان من الأوائل عالميا الذي عرف فن السينما عرضا وتصويرا. إن إيقاع مواكبة السينما للتطورات ذات الصلة بالدولة والمجتمع، في سياق دولي يتطور بوثيرة قياسية خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية، بقي دون مستوى الإنتظارات، بل وساهمت في بعض الأحيان رداءة المنتوج السينمائي والتلفزي في عرقلة المسار الطبيعي لتطوير المجتمع. وإذا كان لمسار الإبداع السينمائي معيقاته، فإن الانفتاح الذي عرفه مغرب اليوم يحتاج إلى خلق الآليات والوسائل لجعل السينما بإبداعاتها الفكرية والثقافية آلية لتطوير النظرة السياسية للمواطنين من خلال تجاوز المعيقات التي جعلت منها دون أهمية كبرى في المجال السياسي. وعليه، وبقدر المطالبة بتسخير السينما للغوص في أغوار التراث بهدف تشخيصه وإعادة بنائه على أسس حديثة (أحداث «فلمية» تخلق الحماس المجتمعي لتقوية الروح الحداثية العقلانية)، بقدر ما تحتاج البلاد إلى الاهتمام بالذاكرة السياسية الحقيقة للوقوف على أحداثها وتحليلها تحليلا تاريخيا يحولها إلى دروس في خدمة الديمقراطية السياسية والحداثة الثقافية. إن استخدام السينما في السياسة ليس مطلبا جديدا بالمغرب، بل كانت الصورة عبر الإعلام والسينما دائما في صلب انشغالات السياسيين، خصوصا المرتبطين بالسلطة العمومية. فأول فيلم طويل تم عرضه بالمغرب سنة 1919 (شريط «مكتوب») عبر إنتاجه وعرضه على أهداف سياسية استعمارية واضحة كان الغرض منها هو إبراز صورة «الروح البربرية المتوحشة» لساكنة المناطق الطبيعية العذراء واستغلالها لتبرير أساليب الحماية وآلياتها المستعملة للسيطرة على البلاد وترويض أهلها ومن تم ترسيخ الأدبيات الاستعمارية في نفوس المغاربة. وإتباعا لنفس المنطق تم تأسيس المركز السينمائي المغربي سنة 1944 من طرف السلطة المستعمرة وتسخيره للسهر على إنتاج الأفلام السينمائية والشرائط الوثائقية التي تخدم مصالح الحماية الفرنسية في المغرب وخاصة ترسيخ حضورها اللغوي والهوياتي. وفي مرحلة الاستقلال، وبالرغم من ضعف المنتوج السينمائي، لا يمكن لأحد أن يتجاهل دورها التأثيري الإيجابي في المجالين السياسي والثقافي. وهنا لا بد من الوقوف على أهمية بعض الأشرطة التسجيلية التي كان لها الأثر الكبير على نفوس المغاربة والتي نذكر منها تغطية حدث عودة الملك محمد الخامس من المنفى، وشريط تمجيد الجيش الملكي، وحدث بناء طريق الوحدة، وورش محاربة الأمية، والبرنامج الحكومي للإصلاح الزراعي، وحدث تسجيل الشباب في التجنيد الإجباري،... وفي مجال المرأة، الكل يتذكر دور الصورة في مواكبة خروج المغاربة إناثا وذكورا في بداية الاستقلال للتظاهر في كل المدن والقرى احتفالا برؤية كريمة محمد الخامس الأميرة «للاعائشة» على الشاشة في أجمل صورة وأبهى حلة، معبرة على الصورة الحداثية للمرأة المغربية. إنه إسهام جدي في انقلاب سريع للقيم المعاشة، إسهام خلق رجة كبيرة في التمثلات المجتمعية اتجاه المرأة، حيث فتح الباب في النفسية المجتمعية للثورة على التقاليد الخاطئة. وهكذا بفضل الصورة، تغيرت تمثلات المجتمع اتجاه المرأة حيت تم تجاوز الصورة النمطية للمرأة «الحاجبة» في المنزل و»المنقبة» بالطريقة المغربية في خارجه، وفتح الباب لها لتشارك الرجل في العمل والإنتاج والفن والكفاح من أجل بناء وتنمية الوطن. بذلك تحولت وضعية المرأة «الحاجبة» كمعطى مقدس يصعب اختراقه إلى ثورة عامة وشمولية بالبلاد أحدثتها صورة وثائقية وبيت شعري مشهور تم تداوله بالدارجة في كل أرجاء البلاد :»اخرجوا يا الحاجبات، للاعائشة في الرباط». وفي نفس السياق، لا يمكن أن ننسى أهم الأفلام ذات البعد السياسي والتربوي والأفق الطليعي التي تم إنتاجها بعد الاستقلال مثل فيلم «وشمة» لمخرجه حميد بناني، وفيلم «ألف يد ويد» لسهيل بنبركة، وشريط «حرب البترول لن تقع»، وفيلمي «عرس الدم» و»الصمت العنيف» لسهيل بنبركة، والفيلم الجماعي «رماد الزريبة»، وفيلم «أليام أليام» للمعنوني ...إلخ. أما اليوم، فإن التصريح الرسمي بالمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي يفرض على رجال السينما بمختلف التخصصات مضاعفة الجهود لدعم هذا المشروع الملكي الذي يرمي إلى استدراك الوقت لتأهيل المجتمع المغربي بكل مكوناته لمواكبة الركب الحضاري، ولتقوية روح الالتقائية التوافقية مع القواة الحية في البلاد التي كانت تطمح لتحقيق وترسيخ هذا المشروع مجتمعيا منذ الاستقلال. لقد حان الوقت لتجاوز منطق تكريس المنطق التقليدي بكل تجلياته وهواجسه التجارية الرخيصة والذي كانت تطمح من خلاله جيوب المقاومة الحفاظ على واقع تقليدي بدوي اثنوغرافي قبلي وعشائري. وفي هذا السياق، نقترح بعض القضايا التي نراها تكتسي أهمية كبيرة في سياق المتغيرات الدولية السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية في الحاضر والمستقبل والتي يجب أن يلتفت إليها الإبداع السينمائي: * قضايا الشباب ارتباطا بظاهرة عولمة الثقافة، واكتساح التكنولوجيا، وصراع الأجيال، وتطور السلط داخل الأسرة، وتصارع التقليد والحداثة، وأمراض الإدمان الجديدة، والموضة، والتمثلات الجنسية، والتحولات الذوقية الموسيقية،..... * تطور العلاقة بين المرأة والرجل وتطور التمثلات المجتمعية اتجاه الأسرة ومدى تماشي مدونة الأسرة مع المشروع التحديثي وواقع العلاقة بين الجنسين. وهنا لا بد من استحضار الإشارات الملكية القوية للعهد الجديد التي جعلت من السيدة الأولى بالمملكة أميرة تخرج من الظل السلطاني حيث تم تمكينها من ممارسة نشاطها كامرأة مثقفة ومفكرة ومؤسسة عمومية تساهم بمعرفتها في تنمية بلدها. وللتذكير، فقط، فالمرور إلى هذا المستوى من الحرية يجب مقارنته مع وضع عقيلة المغفور له الحسن الثاني التي كانت محتجبة عن الظهور العام تماشيا مع سلطة التقليد وقوة الرقابة الدينية. * الاهتمام بالتاريخ وبرواده في المجالين السياسي والثقافي مع استحضار الصراع الدائم بين التقليد النفعي الفئوي والحداثة كصراع دائم بين السلطة والثقافة (ابن رشد وابن خلدون كنموذجين). * التاريخ السياسي للاستعمار والمقاومة. * التعليم ما بين التقليد والحداثة. * التاريخ السياسي للمغرب المستقل بأحداثه الحقيقية مع استحضار شخصياته القوية كعبد الكريم الخطابي، وعلال الفاسي، والمهدي بنبركة، وعمر بنجلون، وعبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمان اليوسفي، ومحمد عابد الجابري،......... * العلاقات التاريخية المغربية الجزائرية والقضية الوطنية. * الديمقراطية والانتخابات والتدبير المحلي وحقوق الإنسان. * العولمة وردود الفعل الدينية (الانفتاح والإرهاب). * النقاش اللغوي والهوياتي. * الانفتاح، الإسلام والآخر. * الانفتاح، والتكنولوجيا، والإدارة المغربية. * الانفتاح وتطور تمثلات المجتمعات القروية. * المعمل الصناعي، التطور التكنولوجي، وتطور العلاقات بين العمل والرأسمال التقني والمالي. * العلاقات بين الجنسين والأنترنيت. * الثقافات المحلية وإيديولوجية ثقافة الإنسان العالمي (مقومات الغزو الثقافي الجديدة). * طبيعة العلاقة بين السلطة والمثقف وتطورها ...إلخ.