في الايام الاولى لشهر رمضان، وقبلها بأسابيع، تقبل الأسر المغربية على أسواق بيع التمور والتوابل والفواكه، وبدون تخطيط تحدث هجرة داخلية جماعية الى الأسواق الشعبية حيث تتوفر المواد الاستهلاكية بكثرة وبأثمنة أقل مما هي عليه في الآحياء الراقية وأسواقها المكيفة، فيضطر أغلب الناس الى استعمال وسائل النقل العمومي، مما يجعل الازدحام شر لا بد منه، والاكتظاظ قدر يفرضه ضيق ذات اليد، وهذه الوضعية تجعل الراكب يتحسس جيبه عشرات المرات خوفا من أن يتسلل اليها عشاق رياضة الأصابع . الاوتوبيس هذا اليوم يعج بالزعيق والصراخ والعراك، فالترمضينة تجعل الانسان قابلا للفوران لأتفه الأسباب وكأن رأسه استحال عود ثقاب قابل للاشتعال عند الاحتكاك بأبسط لمسة، فحتى السائق اليوم يبدو أنه مبتدئ في السياقة ولم يسبق له أن ساق حتى حمارا، فشركات النقل أصبحت توظف بالوساطة والزبونية والرشوة في عز أزمة التشغيل، كما أن هذه الشركات بدأت تتخلص من النقابيين وتعوضهم بسائقين يطلق عليهم اسم البوجادي، كصاحبنا الذي يقود الأوتوبيس فكاد أن يتسبب في عشرات الحوادث دفعة واحدة، مما أفزع الركاب وأثار غضبهم، فوقف واحد منهم رافعا احتجاجه بغضب، فأوقف السائق الأوتوبيس واقترب من الرجل المسكين يتحداه بعضلاته المفتولة وسأله «.. هل أفهم من كلامك أني بوجادي لاأعرف سياقة الأوتوبيس ؟» وبينما كان الرجل يتفحص عضلات السائق ويقارن بين حسنات الصمت وسيئاته في هذا الشهر الفضيل، اعتذر الرجل للسائق قائلا: « أبدا، من قال أنك لا تعرف السياقة ؟ اننا نحن ياسيدي الذين لا نعرف كيف نركب!»