ليس لي سر في هذا الفقر النظيف أيها المتسخون جدا، بغناكم الطارئ وبفقركم الذي سيكون: الفقر حين ينسى يصبح أكثر اتساخا من رذيلة! ليس لي سر، فلهذا ليس لسؤالكم : لماذا تستطيع أن تنام في وسط الضجيج الكبير بحثا عن مال قذر وروح معلبة في مخازن الشيطان ، من معنى وليس له من جواب سوى أنني بلا سر في هذه النظافة التي تعميكم. فقركم لا يصل الجيوب، فقركم في القلوب أيها السادة فقر يضيئ جوانحي، ولا يحتاج الى بونات تخافون على مقعد وعلى كرسي وعلى تحيات تعظيم فتأكلون بجوع كبير لحمي فأن أكون فقيرا أو لا أكون غير مرتبط بي، ولكن ما هو مرتبط بي هو أن أفرض عليكم احترامي، أيها البصاصون واللصوص وباعة اللحم البشري والعملاء ذوو الياقات النظيفة.. تستثمرون فقري في الاقتراع وفي الصناديق، وفي تلميع الصورة في نشرة الثامنة: كلكم يليق بكم فقري ، إلا أبنائي، الا أهلي ، إلا الذين رضعوا من ثدي الارض الجدباء حبها والصفات وأمراضها.. أبدو غريبا أمامكم بهذا الفقر كله وأنتم تتساءلون : كيف لدي كل هؤلاء الابناء بالرغم من الجوع ، ولماذا لا تلدون .. إلا قليلا .. كما لو أن جيوبي الوحيدة موجودة داخل بنطالي وليس خارجه! ولا تفهمون لماذا إذا جعت لا أدق جرسا لأدعو الخدم ولا أدعو السائق لكي لا تشعر زوجتي بالعزلة ولا يشعر دماغها بصحو مفاجئ قد لا يتحمل الثراء والابهة العابرتين.. أنا مملكة نفسي ، لن يقضي علي فقري ولن يثور علي، ولن يطيح بي جوعي لكم المال ، ولا مآل لكم لكم الحشم ولا حشمة لكم لكم الخدم ولا خدمة لكم لكم موظفون ولا وظيفة لكم لكم الأجرة ولا أجر لكم لم تبق لكم عضلة لتقفوا بها بقامات تليق بالاحترام وأصبح لكم لسان فقط، به تمدحون وبه تلحسون وبه تلعقون الاحذية والمناشف أنتم العكس، وأنا العكس الصحيح لم تكتشفوني إلا عندما تكلمت عني نشرات الاخبار والتقارير ، وفجأة اكتشفتم أنني موجود.. فجأة لم تعودوا تتباهون بالطفرة وفجأة عوض أن تتسابقوا على القروض والبنوك وعلى العلاوات والمرتبات، أصبحتم تتسابقون على الفقر والفقراء على صور في الصفيح وفي أعالي العزلة ووسط ثلوج أنفكو فجأة أيها المحترمون وضعتم خارطة البلاد أمامكم واكتشفتم العزلة في الريف وفي الاطلس والصفيح في البيضاء وفي المدن الجديدة واكتشفتم داء الحصبة والسعال الديكي واكتشفتم أن الصحة أقل بكثير مما يتطلبه العيش الى منتصف العمر والى شهادة باكالوريا فقري مصفاة وأختار به أصدقاء وبه أدقق في الوفاء وبه أختار ابناء شعبي الاوفياء وأختار أبناء شعبي الاتقياء فقري الذي لا يدخل البنوك ولا يدخل الصالات الرخيمة فقري شتوي وصيفي وفي كل الفصول ليس له من ثمرات سوى عزة نفسي.. هو مرضي العضال الذي لم يقتل روحي بعد فقري منفاي فقري الذي يحميني من السرقة ، ضد غناكم الذي لا يمنعكم من أن تكونوا لصوصا غناكم الاداري والانتخابي والسياسي والريعي أبشع ثراء، يجعل منكم لصوصا كما يجعل الحب آخرين .. شعراء. أصبح ثراءكم الوحيد في هذا البلد وأصبحنا مناجم الذهب لكي تكونوا مقربين الى ملك الفقراء.. وفجأة أصبحنا موجودين، وتسابقتم إلينا ،لأن ملك البلاد سمى نفسه ملك الفقراء.. ملكي وملك جيراني وجاراتي في العطالة والهشاشة والشاي البارد والسقيم. أيها المنافقون كم مررتم بالقرب منا، وكم سمعتم بآذان من حديد أنيننا.. لا دخل لكم فينا ولا دخل لنا فيكم ، أيها المنافقون، فاتركوا فقرنا نظيفا لاتحسدوننا عليه!! وتب أبو لهب وتب ما كسب على ظهرنا وإذا كنت أمدح فقري، فدفاعا عن ضميري ولا دفاعا عن بؤسنا لهذا استريحوا وأريحونا من تهافت العرض والطلب! اخرجوا من دربنا، واخرجوا من قصديرنا يا دمى متهاكلة. اخرجوا من تلفازنا فخير لأطفالي ألا يروكم وأن يتفرجوا على الرسوم المتحركة! كفاكم تطوفون بنا أكثر من 14 قرنا طوافا حول البيت ببكة المباركة. حذار أيها الراسخون الجدد في التضامن وفي الحرب على العطالة أيها المتشدقون بي في المحاضرات وفي كل ...صالة! حذار أبا لهب، إن لنا سلاحا لا يخيب: سخرية نووية ولسان مخصب!