يخصص جيل كيبل كتابه «يوميات حرب الشرق» لرحلته التي قام بها إلى مصر وسوريا ولبنان وقطر ثم الإمارت العربية المتحدة، قصد التقاط شهادات واعترافات من الطلاب والأئمة والمناضلين الإسلاميين من أجل فهم حقيقي لما جرى يوم 11 شتنبر 2001، وإلى أين انتهت كارثة الجهاد الإسلامي التي بدأت بمهاجمة نيويورك وآلت إلى انسحاق الطالبان ومطاردة بن لادن والانحطاط السياسي للتيار الإسلامي. يتأمل كيبل كل شيء في المدن الإسلامية التي زارها منذ عشرين سنة وعاد إليها ليجدها تتخبط في عصر ظلام غير مسبوقة. وشيء واحد لا يفارق فكره: هذه المدن هي العش الذي ولدت وترعرعت فيه أفكار التطرف الإسلامي. هذه المدن هي المقدمة الأولى التي أنتجت 11 شتنبر. نقدم هنا ، وطيلة شهر رمضان، ترجمة كاملة لكتاب كيبل الشيق. إلى ميشيل ماريان رجل الفكر الاثنين 15 أكتوبر. جزيرة «روضة» ملجأ من الصمت وسط ضجيج القاهرة. للإخوان المسلمين مقر في عمارة متوارية على رصيف النيل. يجب ترك الأحذية في المدخل: البهو، المفروش بموكيت من الأيام السعيدة، أصبح قاعة للصلاة، قالوا لي. ربما هذه طريقة لفرض على الزائر القوانين الثقافية للحركة ، لإظهار للغربي أنه ينبغي عليه أن يتخلى بمعية حذائه عن عجرفته وقناعاته. أتذكر تلك الصور على التلفزيون حيث شوهد شيفرنادزه - وكان آنذاك وزيرا للشؤون الخارجية السوفييتية - وهو يستقبل بالجوربين فقط من قبل الخميني الذي خصه بجلسة مطولة. كنت على موعد مع عصام العريان. كان في الخمسينات من العمر، يفوقني ببضع سنوات، وهو نائب رئيس نقابة الأطباء، و من النقابيين المهنيين الأوائل المراقبين من طرف الإخوان، الذين كان معقلهم الكبير، خلال السبعينات، يوجد بكلية الطب والهندسة. قمت بترجمة وتقديم إحدى مقالاته، وهو طالب طب، في أطروحتي ، منذ عشرين سنة. التقينا فيما بعد بهولندا، في أحد المؤتمرات. كان قد قرأ الترجمة العربية لكتابي « انتقام الله». آخذني على تركيزي على المتطرفين، على حساب المعتدلين مثله. وقد سجلت ملاحظته باهتمام شديد، وبناء على تلك الملاحظة أعطيت الكثير من الاهتمام للمطالب الاستثنائية ل «الطبقة الوسطى المتدينة»، التي منحتني مفتاح قراءة الحركات الإسلامية المعاصرة، في تكاملها مع «الشباب المديني الفقير»، أو تعارضها معه. استقبلني بحرارة. بدأنا بالحديث عن السنين التي مرت منذ لقائنا الأخير. لقد قضى خمس سنوات في السجن و سألني هل لاحظت عليه أي تغيير. شاربه أصبح أبيض كليا. المعتقل السابق انحاز إلى موقف إطلاق سراح أحد معتقلي الرأي، الجامعي المصري-الأمريكي سعد الدين إبراهيم، العدو اللدود للإسلاميين، وضحية غضب نظام يدلله رغم ذلك، لكن شمله العفو عندما صرح بأن الانتخابات الأخيرة جرت تحت مراقبة دولية. رسميا السيد إبراهيم متهم بعدة خيانات، لكن أعضاء اللجنة التي تدافع عنه غير مقتنعة بتلك التهم. وبتعاطف الأخ المسلم عصام العريان، الطبيب الرمزي للطبقات الوسطى المتدينة، قام بخطوة أحبها الديمقراطيون واللائكيون. إنه يملك معرفة معقولة عن النقاشات الدائرة بين المتخصصين الفرنسيين في الحركات الإسلامية، ويعرف، على عكس بعض الجامعيين الذين يبالغون في هذا الملف ويرون فيه بتعاطف أن لشعوب الجنوب كامل الشرعية. وأنا أطالب برؤية تتخذ مسافة من الأشياء، لا تجعلني أتعاطف قبليا مع الحركة. لكن إنه بدون شك بالنسبة إليه هذه هي الفرصة لتمرير رسائل حيث ليس لرفاق درب الإسلاميين أية مصداقية. سلمني إضبارة من بلاغات الإخوان المسلمون المصريون، وتنظيمات أخرى يوجد فيها أئمة يرتبطون بهم في مختلف بقاع العالم، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، نجم التبشير العالمي بفضل برنامجه الأسبوعي «الشريعة والحياة» على قناة الجزيرة. النصوص تشجب بلغة قوية جدا اعتداءات 11 شتنبر، معتبرة إياها أعمالا إرهابية مخالفة تماما مع رسالة الإسلام، و تتهم أصحاب هذا الفعل الذي هو «جريمة ضد الإنسانية»، كيفما كانوا. وحدة الاتهام ستصبح فيما بعد ذريعة لشجب بنفس القوة، حسب ما يمكن ننتظر، «الإرهاب الصهيوني» في فلسطين، ولمعارضة أي هجوم أمريكي على «الشعب الأفغاني الشقيق». لكننا سنكون غير منصفين إذا ما استخففنا بشجب الاعتداءات على الولاياتالمتحدة. ورغم أن بن لادن لم يتهم بالاسم، إذا ما طلبنا من المسؤولين الأمريكيين تقديم الأدلة التي في حوزتهم، فإن التبعية الإسلامية المنظمة حول الإخوان، التي تقدم نفسها ناطقا رسميا للطبقات المتوسطة المتدينة، تخاف أولا أن تجد نفسها مجرورة في مزايدة لا تتحكم فيها. إنها تخشى من أن تخسر كل شيء في انطلاق جهاد ينتهي بالانقلاب عليها، ويفتح مرحلة طويلة من اللايقين، علاوة على خراب شعوب العالم الإسلامي، يكون بداية فوضى تستفيد منها الأنظمة الحاكمة لإحكام اليد، وقهر الإخوان باتهامهم بإثارة الشغب.