يخصص جيل كيبل كتابه «يوميات حرب الشرق» لرحلته التي قام بها إلى مصر وسوريا ولبنان وقطر ثم الإمارت العربية المتحدة، قصد التقاط شهادات واعترافات من الطلاب والأئمة والمناضلين الإسلاميين من أجل فهم حقيقي لما جرى يوم 11 شتنبر 2001، وإلى أين انتهت كارثة الجهاد الإسلامي التي بدأت بمهاجمة نيويورك وآلت إلى انسحاق الطالبان ومطاردة بن لادن والانحطاط السياسي للتيار الإسلامي. يتأمل كيبل كل شيء في المدن الإسلامية التي زارها منذ عشرين سنة وعاد إليها ليجدها تتخبط في عصر ظلام غير مسبوقة. وشيء واحد لا يفارق فكره: هذه المدن هي العش الذي ولدت وترعرعت فيه أفكار التطرف الإسلامي. هذه المدن هي المقدمة الأولى التي أنتجت 11 شتنبر. نقدم هنا ، وطيلة شهر رمضان، ترجمة كاملة لكتاب كيبل الشيق. إلى ميشيل ماريان رجل الفكر تقليديا «الوفد»، الذي تعود جذوره إلى ما بعيد الحرب العالمية الأولى، هو حزب لائكي يسيره الوجهاء والبورجوازيون المعتدلون، والأقباط والمسيحيون ممثلون جيدا. و في أيامنا هذه ، أصبح لحصيفته اليومية نبرة عنيفة نجدها عفويا في عنوان إسلامي. لكن صحف الإخوان المسلمين غير مرخص لها، والحزب ينظر بطمع إلى هذه الفئة من القراء والناخبين. هل هذا الصنف من الإسلام المعمم من الأخلاق والعقليات، هو ما يظنه البعض أنه هو الأقوى؟ هل ذلك هو الترجمة الصحافية لهذا الحجاب الذي يغطي رأس الغالبية العظمى من المصريات اللواتي نصادفهن في الشارع ، وهو لباس ترسخ، بل إنه لم يتراجع إلا قليلا، منذ آخر زيارة لي؟ سأذهب لأطرح السؤال على جمال الغيطاني. نعرف بعضنا منذ عشرين سنة. وهو يعتبر اليوم من أكبر الكتاب العرب المعاصرين. للوصول إلى مكتبه، في عمارة «الأخبار»، حيث يدير ملحقا «أخبار الأدب»، يجب أن تمر بحشد من البوابين والمكلفين بالمصعد، وعبر قاعات واسعة حيث يجلس رجال ونساء يحتسون الشاي والقهوة، و يظهر انه لا يشغلهم أي شيء. مكتبه الصغير ، بالعكس من ذلك، عبارة عن خلية مليئة بالطنين دائما ، يلتقي فيها الزوار والمتعاونون بلا توقف ، يجلسون على مقاعد مغلفة بجلد السكاي الأسود، وسط ملفات وكتب مكدسة في كل مكان. خلال زيارتي الأخيرة له، منذ أربع سنوات،كان يستقبل مجموعة من الطلبة من آسيا الوسطى، الفراخ المتخرجة من النظام السوفياتي، كانوا يهيئون بحثا حول إحدى رواياته. بتأثر التقطوا بعض الصور مع الأستاذ بواسطة آلة التصوير الروسية قبل ذهابهم في عطلة. كل العمل الروائي لجمال يريد تدوين الثقافة العربية في الحضارة العالمية. كان مضطرا إلى مواجهة المتدينين الأكثر تطرفا الذين يصادرون كتاب «ألف ليلة وليلة»بتهمة الفجر، والنضال من أجل اتهام الروايات الحديثة بمجرد أن تتضمن بعض التلميحات المنتقدة لبعض التقاليد الإسلامية. كما انه، ومنذ البداية، لا يكن أي تعاطف مع بن لادن و أولئك الذين يتقاسمون مع نفس الرؤية للمجتمع. كل من يوجد في المكتب شجبوا هجوم 11 شتنبر في نيويورك و واشنطن، ذلك العمل الإرهابي اللايعذر، الذي خلف ألاف الضحايا المدنيين الأبرياء. لكنهم يعودون بسرعة إلى اتهام السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. الصحافيون الشباب الذين اشتبكوا في النقاش تحدثوا عن الحصار المفروض على العراق، وعن معاناة المجتمع العراقي، وعن صدام حسين الذي خرج معززا من الحرب. وكانوا يثورون بحدة خصوصا ضد عدم تدخل الولاياتالمتحدة في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، منذ انتفاضة الأقصى، في خريف سنة 2000. وهذه القوة الأمريكية المطلقة، التي ينتقد تدخلها هؤلاء القوميون، أو ينتقدها آباؤهم، باسم معاداة الامبريالية، هي اليوم متهمة ب «اللامبالاة الناعمة». وبذلك هي تسمح للأقوى، إسرائيل، بالسيطرة على الخصم الفلسطيني. إنها علاقة غريبة مع أميركا، ومع الغرب عموما، نسجت في عالمنا المعولم: الحذر المعلن يلتقي مع جاذبية قوية. رفض النموذج مع الرغبة في الديمقراطية التي تفتقد إليها العديد من دول العالم الإسلامي.المطالبة بالخصوصية الثقافية مع الرغبة في الاعتراف والحاجة الملحة إلى المساهمة، على قدم المساواة، في الثقافة العالمية. وكانوا يسألونني لماذا، بدلا من أميركا، لم تتدخل أوربا. لماذا لا تلعب القوات الاستعمارية القديمة ،التي تعرف خصوصية بلدان جنوب وشرق المتوسط، دور المصلح لاجتناب القطائع الكارثية الكبرى بالنسبة للعرب والمسلمين بالدرجة الأولى، في حالة ما إذا تمكن بن لادن والطالبان من الاستيلاء على خيال الشعوب.