من المتوقع أن يشكل ارتفاع أسعار الحبوب بسبب موجة جفاف وحرائق في روسيا ضغوطا على الشعوب التي تكابد بالفعل تداعيات الازمة المالية وقد يذكي الاضطرابات خصوصا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وأجزاء من أوروبا. وارتفعت أسعار القمح حوالي70 بالمائة منذ يونيو بعدما اجتاحت روسيا أسوأ موجة جفاف في130 عاما لتصل الي أعلى مستوياتها منذ2008 حينما أشعل الصعود الكبير السابق لاسعار الغذاء شرارة احتجاجات وأعمال شغب في عدة اقتصادات ناشئة. ويحذر محللون من احتمال تزايد خطر اندلاع أعمال العنف في الشوارع اذا ظلت الاسعار مرتفعة. وقال جوناثان وود محلل الشؤون العالمية بمؤسسة كنترول ريسكس «يمكن أن نشهد بعض أعمال الشغب في الشوارع لكنني لا أتوقع سقوط أي حكومات». وأضاف قائلا «أحد الجوانبالمشكلة الان هي انها أخف حدة بكثير مما كانت عليه في 2008 لان لدينا مخزونات أكبر من المواد الغذائية. لكن على الجانب الاخر فان دولا كثيرة لا تتمتع بأوضاع مالية جيدة للتعامل معها (مشكلة ارتفاع الاسعار) بسبب الازمة المالية». ويمكن أن يمتد ارتفاع الاسعار خصوصا في الاسواق الناشئة حيث تشكل المواد الغذائية نسبة كبيرة من مشتريات الأسر إلى معدلات التضخم ويؤدي الى زيادة أسعار الفائدة واتساع العجز. وتعتبر دول الشرق الاوسط وشمال أفريقيا خاصة مصر معرضة بشدة للتأثر بذلك كما هو الحال في بعض الدول الصاعدة ودول جنوب أوروبا حيث تشعر الشعوب بالاستياء بالفعل بسببتخفيضات كبيرة في الانفاق العام والاعانات الحكومية والاجور. وقالت ميتسا رحيمي المحللة في شركة جانوزيان للاستشارات الامنية «واردات الحبوب لها حساسية خاصة في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا حيث يعتبر الخبز عنصرا أساسيا في النظام الغذائي... منطقة شرق أوروبا أيضا بها مخاطر واضحة». وكانت الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن الازمة المالية في أوروبا أقل مما توقع الكثيرون رغم اضطراب الاسواق في مايوأيار بسبب اعمال شغب في اليونان لكن من المتوقع أن تزداد المخاطر في فصل الخريف حيث تدعو النقابات العمالية لتنظيم اضرابات وعندما يظهر تأثير اجراءات خفض الانفاق. وسعت دول وسط وشرق أوروبا الى التأهل للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي وذلك باتخاذ اجراءات صارمة لكن محللين يرون أن صبر الشعوب بدأ ينفد خاصة في رومانيا. كما تتركز الانظار أيضا على اسبانيا وايطاليا وفرنسا ودول البلطيق. وسيتوقف الكثير على المدة التي سيستمر فيها ارتفاع الاسعار ومدى امتدادها الى سلع أولية ومواد غذائية أخرى. ويقول محللون ان ذلك قد يؤدي سريعا الى مظاهرات حاشدة خصوصا في الدول السلطوية الفقيرة نسبيا حيث يعتبر الحفاظ على امدادات الغذاء أساس شرعية الحكومة. وسارع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الى فرض حظر على تصدير القمح ومن المرجح أن يحرص الكرملين على امتلاء صوامعه في حالة تضرر المحصول الشتوي للبلاد بصورة أكبر. وقالت مؤسسة ستراتفور للاستشارات الامنية «ترتبط امدادات الحبوب الكافية منذ فترة طويلة بالاستقرار الاجتماعي في روسيا». وترى ستراتفور أن روسيا قد تستغل الازمة لتأسيس منظمة اقليمية لمنتجي الحبوب تضم الدول المنتجة القريبة منها مثل روسياالبيضاء وقازاخستان وأوكرانيا. وقالت المؤسسة في مذكرة «استخدمت موسكو بشكل صريح امدادات الطاقة كسلاح سياسي اما برفع الاسعار أو قطع الامدادات». وسارع عدة مستوردين رئيسيين للقمح الروسي مثل السعودية وتركيا والاردن بالتأكيد على أن لديهم مخزونات كافية وانه لن يكون هناك تأثير فوري على المواطنين. لكن القلق يساور اولئك المستوردين. وقال اليستر نيوتن المحلل السياسي في نامورا «تتفاقم المخاطر دائما في الدول حيث توجد أعداد كبيرة من الفقراء في الحضر وحيث تشكل المواد الغذائية أكثر من 60 بالمئة من سلة مؤشر مشتريات المستهلكين». وأضاف قائلا «أكبر الدول المرشحة لاحتمال حدوث اضطراباتمن وجهة نظري هي مصر حيث توجد توترات كبيرة بالفعل مع اقتراب الانتخابات والمخاوف بشأن خلافة (الرئيس حسني مبارك). مصر لها تاريخ طويل من أعمال الشغب لاسباب تتعلق بالغذاء لكن تخميني هو أن التأثير الرئيسي سيكون على العجز في الميزانية مع ارتفاع تكلفةالدعم». ودائما ما كان لاسعار المواد الغذائية والدعم دلالات سياسية في مصر التي تجري الانتخابات الرئاسية العام المقبل بينما لم يتضح بعد ان كان مبارك /82 عاما/ الذي يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود تقريبا سيرشح نفسه مرة اخرى. وحدثت مشاحنات متفرقة أثناء توزيع تبرعات غذائية في الاسابيع الاخيرة وساد شعور بالسخط لارتفاع أسعار المواد الغذائية قبيل شهر رمضان لكن ذلك لم يفض الى تكرار الاحتجاجات التي شهدتها البلاد على نطاق واسع في2008 . وواجهت الحكومة تلك الاحتجاجات قبل نحو عامين بحملة أمنية ثم تعهدت بزيادة الاجور. ومن بين الدول الاخرى التي تحظى بمتابعة خاصة لترقب أي بوادر على الاضطراب الجزائر وسوريا التي تعاني جفافا واليمن غير المستقر بالفعل. وعلى النقيض هناك توقعات أقل لتاثير مباشر على أفريقيا ويرجع ذلك جزئيا الى قوة المحاصيل الرئيسية خاصة الذرة في جنوب القارة. وتباطأت وتيرة ارتفاع أسعار الغذاء في نيجيريا بفضل المحاصيل المحلية الجيدة. بيد أن ارتفاع الاسعار العالمية ما زال من الممكن أن يؤثر على بعض صفقات الاراضي المبرمة في الاونة الاخيرة والتي اشترت من خلالها دول من الشرق الاوسط واسيا قطعا من الاراضي الزراعية في أفريقيا ومناطق أخرى منها أوكرانيا وباكستان من أجل انتاج الغذاء. وربما لا يروق للشعوب المحلية الجائعة أن ترى الغذاء وهو يشحن الي الخارج. وترى شركة زوريخ للتأمين أن المخاوف من حدوث اضطرابات متعلقة بالغذاء ستدفع مزيدا من المستثمرين للبحث عن حماية من المصادرة أو الاضرار الناتجة عن أحداث عنف سياسية. وقد يؤدي ذلك الى ارتفاع العلاوات السعرية وتكلفة الاستثمار الاجنبي المباشر في المناطق التي قد تشهد اضطرابات. وقال دان ريوردان رئيس زوريخ للمنتجات المتخصصة «كنتيجة لهذا نتوقع أن يتزايد الطلبعلى منتجاتنا لمواجهة المخاطر السياسية».