يتعامل بعض الناس مع النظارات الشمسية على أساس أنها اكسسورات للتباهي والزينة، فيقبلون عليها أو يحجمون عنها بهذا المفهوم، وهذا التعامل يركز على الجانب المظهري منها فقط، ويهمل جانبها الوقائي. لقد شاعت خلال السنين الأخيرة موضة النظارات الشمسية ذات البرواز العريض )المَاسْكْ ( Masque الذي يغطي نصف الوجه تقريبا، وهي موضة مستوردة من الولايات المتحدةالأمريكية والغرب، ظهرت في البداية استجابة لرغبة الممثلين السينمائيين الكبار في إخفاء ملامح أساسية من وجوههم قصد تفادي مضايقات المعجبين والصحفيين، مما دفع ماركات عالمية إلى التسابق لإنتاج أشكال مبتكرة منها. وما حدث بعد ذلك هو أن عددا من الأفراد عبر العالم، تأثروا بعملية التسويق الكبرى التي قامت بها ماركات عالمية مسجلة واستعملت فيها ممثلين سينمائيين كبار، فهبوا لاقتناء هذه النظارات تبعا للموضة الرائجة، إضافة إلى أن التقليد الأسيوي «الرخيص جدا» ساهم في انتشارها بشكل كبير في العالم. لكن ما يهمنا هنا هو الحديث عن الوظيفة الأساسية للنظارات الشمسية كما يدل على ذلك اسمها، إذ أنها وبغض النظر عن دورها الجمالي المتمثل في إضفاء بعض الوسامة على الوجه، فإنها توفر حماية حقيقية للعين من تطاير الغبار ومن أشعة الشمس، خاصة في بلد مثل بلدنا يستقبل كميات وافرة منها، مما يستوجب وضع نظارات شمسية لحماية العين من الأشعة فوق البنفسجية التي تنبعث مع ضوء الشمس. إلا أنه يجب التأكيد هنا على أمر هام، هو أن النظارات الشمسية ليست كلها صالحة للاستعمال، بل إن تلك الرديئة الصنع قد تكون مصدرا لخطورة كبيرة على العين، ناهيك عن بعض الأمراض الجلدية التي قد تسببها المواد المصنوعة منها خاصة في منطقة الأذن كيف ذلك؟ لاحظنا أن كثيرا من الناس «وهم في تزايد كبير سنة بعد أخرى»، يلجئون إلى نظارات شمسية رخيصة تتوفر اليوم بشكل «مهول» في الأسواق الشعبية بأثمنة لا تصدق! وهي طبعا لا تخضع لمقاييس المحافظة على صحة وسلامة العين، هذه النظارات تؤذي العين بشكل حقيقي، لكن ببطء، مما يصعب معه اكتشاف الأمر في حينه، وقد لاحظنا أن عددا من محترفي السياقة يستعملونها بشكل دائم تقريبا، لتفادي انعكاس أشعة الشمس على الزجاج الأمامي لسياراتهم وشاحناتهم، ونحن ننصح هؤلاء الناس وغيرهم على الأقل بعدم ارتداء نظارات شمسية من نوعية رديئة وقتا طويلا، تفاديا للإضرار بعيونهم واستشارة مبصاري متخصص أو مراجعة الطبيب المختص في طب و أمراض العيون إذا اقتضى الأمر ذلك. وهنا يجب التأكيد على أن النظارات الشمسية الداكنة التي لا تمنع الأشعة فوق البنفسجية، (وليس الوهج( من الدخول إلى العين، يمكن أن تشكل خطورة حقيقية عليها، فهي بسبب قتامتها تنقص من وهج الضوء، مما يجعل حدقة العين (المخدوعة) تتوسع لتسمح بوصول الأشعة فوق البنفسجية إلى داخل العين بشكل كبير، ولهذا فمن الأهمية بمكان عند شراء النظارات الشمسية الحرص على أن تكون مزودة بمرشح للأشعة فوق البنفسجية بنسبة مائة في المائة. لاحظنا كذلك أن بعض الناس لا يعرفون أن بإمكانهم وضع نظارات تجمع بين تصحيح النظر والوقاية من أشعة الشمس في نفس الوقت، وأن بإمكانهم كذلك استعمال زجاج طبيphotochromique)) والذي من خصائصه الأساسية أنه ينغلق عند تعرضه لضوء الشمس، وينفتح في الظل . وفي علاقة بهذا الموضوع أختم بملاحظة أعتبرها هامة جدا، هي أن حرارة الجو والتعرض للغبار ولأشعة الشمس لمدة طويلة دون أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة يمكن أن تتسبب في إثارة حساسية العين أواجتفافها والإضرار بها. وفي باب الوقاية هذا، لاحظنا أن عددا من الحرفيين المشتغلين بمهن النجارة والحدادة وغيرها، يهملون حماية أعينهم من الغبار المتطاير في الجو والأشعة المنبعثة من بعض الآلات والمعدات، ونكتفي هنا بمثال الحرفيين المشتغلين بمهن الحدادة الذين يهملون وضع الغطاء الواقي من الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من عملية التلحيم قبالة وجوههم. إن الأمر هنا لا يتعلق بالقدرة على الصبر و على التحمل، ولكن بأضرار تدريجية متراكمة على مدى قريب ومتوسط، ولذلك فنحن لن نتعب من الإلحاح على هؤلاء الناس بضرورة وضع الغطاء الواقي، لأن تعرض العين لكميات كبيرة من هذه الأشعة يؤدي إلى التهاب شديد في القرنية، والأدهى من ذلك أن بعض الناس يلجئون في مثل هذه الحالات برغم كل النصح الذي نسديه لهم بضرورة مراجعة الطبيب المختص لوصفات شعبية تعقد حالتهم بشكل خطير، قد يؤدي إلى فقدان بصرهم بشكل تام. خلاصة القول أن حماية العين بشكل سليم ليس أمرا مكلفا بالضرورة، فكم من مرة مثلا اقترحنا على أشخاص يضعون نظارات شمسية غير مزودة بمرشح للأشعة فوق البنفسجية أن يحتفظوا على الأقل بالبرواز (الإطار)، ويستبدلوا زجاجه بزجاج طبي معالج. (*) سهى الخلفي نظاراتية مبصارية متخصصة مجازة في العلوم الفيزيائية.