في اطار مناقشة مشروع القانون النتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلكين والذي صادق عليه مجلس النواب في دورته الأخيرة ، قدمت النائبة سلوى كركري بلقزيز مداخلة اوضحت فيها مواقف وتصورات الفريق الاشتراكي . وكان هذا المشروع قد استغرق مدة حوالي ثمانية عشر شهرا في الدراسة على مستوى لجنة القطاعات الإنتاجية ، وهو قانون مؤسس يتناول حقوق والتزامات عدة أطراف . بتصويتنا على مشروع القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك، نساهم في وضع ركيزة أخرى على طريق ترسيخ دولة القانون ، وملء فراغ قانوني طالما شكل موضوع جدل ونقاش وطني أطرافه المستهلك وجمعيات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق المستهلك والتجار والموردون. إن المجتمع السياسي لم يكن غائبا عن هذا النقاش إذ سبق للفريق الاشتراكي أن قدم مقترح قانون لحماية المستهلك بتاريخ 13 يونيو 2003، وحينه وأعاد تنقيحه وأحاله على رئاسة مجلس النواب بتاريخ 9 ماي 2008 . ونضم أيام دراسية حوله. والملاحظ أن مشروع الحالي أستوعب أهم وجل مقتضيات مقترح الفريق الاشتراكي. وقد شكل الخطاب الملكي بتاريخ 20 غشت 2008 محطة حاسمة في إخراج هذا القانون الاستراتيجي والمهيكل إلى حيز الوجود حين قال جلالته «واستكمالا لمقومات الدعم الاجتماعي نحث الحكومة على تفعيل الآليات التشريعية والمؤسسية الهادفة لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين وضبط الأسعار ومحاربة الرشوة. ولهذه الغاية ندعو الجهازين التنفيذي والتشريعي إلى الإسراع باعتماد مدونة حماية المستهلك»... وإذا كان هذا المشروع قد استغرق مدة حوالي ثمانية عشر شهرا في الدراسة على مستوى لجنة القطاعات الإنتاجية ، فلأن الامر يتعلق بقانون مؤسس، ويتناول حقوق والتزامات عدة أطراف مما فرض علينا في إطار اللجنة تعميق النقاش وتحديد المفاهيم والمصطلحات والصيغ قبل اعتماده. ومرة أخرى حكمتنا، أغلبية ومعارضة منهجية التوافق بهدف تجويد النص وجعله أكثر توازنا وإنصافا للجميع. ونعتبر أن هذا المشروع سيكون مهيكلا وحلقة أساسية في مسلسل التأهيل القانوني للبلاد لعدة اعتبارات أهمها : 1 - مرجعية هذا المشروع: يشدد مشروع القانون في ديباجته على سبعة حقوق أساسية بالنسبة للمستهلك يفصلها في أهم أبوابه مستندا إلى مرجعية حقوق الإنسان الكونية في جيلها الثاني والثالث ، وهو ما ينسجم مع التوجه العام لبلادنا المدركة لكون حقوق الإنسان لا يمكن اختزالها في الحقوق السياسية والحريات الفردية والجماعية دون ضمان الحقوق المدنية والاجتماعية والحقوق الاقتصادية . 2 - السياق الوطني والدولي العام ، حيث يأتي اعتماد هذا المشروع في سياق دينامية التشريع والتأهيل القانوني للبلاد استجابة لمتطلبات النمو وبروز خدمات وأنماط استهلاك جديدة من جهة ومتطلبات الانفتاح وتحرير الأسواق وعولمة المبادلات من جهة ثانية. فهذا القانون إضافة إلى قوانين المنافسة وحرية الأسعار ومدونة التجارة وقانون حماية المعطيات الشخصية ، يجعل الترسانة القانونية الوطنية متساوقة على الأقل في الحد الأدنى مع متطلبات شراكاتنا مع الخارج، وخاصة مع الوضع المتقدم لبلادنا في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي. لذلك كان من الطبيعي الرجوع إلى القانون المقارن المتعلق بحماية المستهلك المعتمد في الدول المتقدمة. 3 - تكريس حق المجتمع في حماية نفسه من الغش والتدليس و التعسف واستغلال النفوذ ومن كل الممارسات السيئة وغير القانونية في المعاملات التجارية. ومن مزايا هذا القانون شموليته، حيث يمكن اعتباره مدونة بكل المقاييس تحدد تدابير حماية المستهلك في اقتنائه السلع وحصوله على الخدمات التجارية وعلى القروض البنكية العقارية وغير العقارية مع التنصيص على الضمانات التعاقدية وعلى الخدمة بعد البيع. هكذا جاء مشروع القانون محكوما بهواجس تكريس الحقوق، فاتحا أمام المستهلك إمكانيات الدفاع عن حقوقه وحماية مصالحه. وقبل ذلك كرس حقه في معرفة ماذا يستهلك حيث خصص لإعلام المستهلك القسم الثاني بكامله. وسيمكن هذا الحق المستهلك من التصرف والاختيار عن وعي في ما يرجع إلى السلع التي يستهلكها و الخدمات التي يؤدي عنها، وذلك بالنسبة للسعر والمكونات والمنشإ وتاريخ الانتاج وانتهاء الصلاحية . إننا بتكريس هذا الحق ننتقل من الضرورة إلى الإلزام القانوني في سياق رقمي معولم وزمن تكتض فيه الأسواق بالبضائع وعروض الخدمات غير معروفة المنشأ ولا المصدر. ويكرس المشروع مبدأ حماية المستهلك من الممارسات السيئة ومما سماه الشروط التعسفية خاصة عندما يعرف التعسف ضمانا لحقوق كافة أطراف العملية التجارية تكريسا لمبدإ التوازن في الحقوق. وفي الزمن الرقمي وغزو الصورة والصوت لكافة أمكنة تحرك الإنسان، ووسط الفوضى التي يعيشها سوق الإشهار على مستوى الشكل والمحتوى واللغة، يتناول المشروع النشاط الاشهاري في بعده التجاري حيث يمنع الإشهار الكاذب والمخادع أو المخل بشروط المنافسة الشريفة. ويمكن اعتبار ما جاء في هذا المشروع بشأن الإشهار مدخلا لإصلاح هذا الحقل الذي نأمل أن يعرف بدوره إصلاحا جذريا من خلال إصدار قانون في الموضوع. من المكاسب الأساسية التي جاء بها هذا المشروع لفائدة المستهلك، حقه في التراجع داخل أجال حددها القانون وحقه في الإصغاء إليه من طرف المورد وحقه في أن يكون ممثلا في مجلس المستهلكين وحقه في اللجوء إلى القضاء لاسترجاع حق أو التصدي لشطط أو تعسف أو تدليس. وفي مجموع هذه الحقوق يبرز دور المجتمع المدني كطرف معترف له بحق التقاضي باسم المستهلكين ورفع دعاوى للدفاع عن مصالحهم الجماعية في مواجهة الغش والتدليس والتعسف في ممارسة عملية البيع، فيما تم تكريس مبدأ تمثيل جمعيات المستهلكين في إطار سمي الجامعة الوطنية، و التنصيص على إحداث مجلس استشاري أعلى للاستهلاك. ومما يضفي على المشروع طابع التأصيل كونه يتناول الاستهلاك في مفهومه العصري، إذ لم يختزله في ما نأكل وما نشرب، بل كان أكثر شمولية وتطرق للخدمات والقروض الاستهلاكية والعقارية وخدمات التأمين مسايرا بذلك نمط الاستهلاك المعاصر والذي تهيمن فيه الخدمات على أكثر من 60 في المائة مما نؤدي مقابلا عنه. ومما يجعله قانونا استشرافيا كونه يتناول التجارة عبر وسائل الاتصال الحديثة خاصة عبر الانترنت حيث نص على عدة ضمانات للمستهلك في حالة الشراء عبر هذه الوسيلة الإلكترونية التي يعرف استعمالها تزايدا متواصلا من جانب الشباب المغربي. وورد في مشروع هذا القانون بعض الإجراءات المهمة في ما يخص مواكبة تنفيذه، خاصة إحداث صندوق للاستهلاك لتمويل عمليات التحسيس والتوعية والتأطير. وسيكون من الأنجع اتخاذ عدة إجراءات مواكبة ليدرك المجتمع المغربي أن هذا القانون سيكون وراء قيام ثقافة جديدة للاستهلاك ولصناعة الجودة وأمام أداة قانونية لضمان حقوق أطراف العملية الاستهلاكية. ومن هذه الإجراءات : 1 - الإسراع بإصدار النصوص التنظيمية المنصوص عليها في القانون. 2 - توحيد أجهزة الرقابة والبحث والتحري والتحلي بالصرامة في المراقبة دون شطط ولا تعسف. 3 - إدماج قضايا الاستهلاك خاصة استهلاك الخدمات في برامج تكوين القضاة تعزيزا للتكوين في القانون التجاري والمعاملات البنكية. 4 - تكوين العاملين في جمعيات حماية المستهلكين والتحفيز على تأسيس جمعيات في المناطق التي لا يوجد بها مثل هذه الجمعيات. 5 - اعتبار الوثائق التي سيعتمدها المجلس الأعلى الاستشاري للاستهلاك مراجع بالنسبة للإجراءات التنظيمية والقانونية والإدارية في مجال محاربة الفساد والغش. 6 - الحرص على مراجعة هذا القانون على الأقل كل ولاية تشريعية اعتبارا للتطور الذي تعرفه المعاملات التجارية وللتحولات في أنماط الاستهلاك وخاصة في ضوء انتشار التجارة الالكترونية. إننا باعتمادنا هذا القانون نكون قد وضعنا ركيزة أخرى في تشريعاتنا الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وان الامر يتعلق بتشريع يلامس معاملات يومية تهم كافة المواطنين . وإذا كنا نعتبر مصادقتنا خطوة أساسية ، فإن الرهان الأكبر سيكون في تصريف هذا القانون حتى ينعكس على المعاملات ويتجسد في الثقافة اليومية لضمان ثلاثية : «الحق والمصلحة والجودة».