على باب الاعتراف، نافذة ورسم جديد لأسماء ظلت دوما تمنحنا وحدة لقياس المرحلة، لقياس الزمن الذي لانلتفت إليه إلا حين نصبح أمام الفراغ. على باب الاعتراف ، لحظة لاستعادة الأمل بعد أن أعدم المستعمر والد الحسين بوهروال في إحدى ساحات مدينة النخيل، ظل الطفل وحيدا الى جانب الوالدة. بعد الاستقلال وكبقية أبناء الشهداء على امتداد المغرب، اهتدى رجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير، الى فكرة اعتراف بالرجال الذين قدموا للوطن أعز ما يملكون ... الحياة. فقاموا بتجميع كل أبناء الشهداء بمدينة الدارالبيضاء ليتكفلوا بتربيتهم وبتدريسهم. الحسين بوهروال كان من بين هؤلاء. ومن هنا بدأت الرحلة، نحو عوالم جديدة. الحسين بوهرال، يستحضر مع الاصدقاء الحميميين هذه المراحل الصعبة، مراحل بناء الذات الأولى. تعرفت على الحسين في بداية الثمانينات ، وهو آنذاك عضو في جامعة كرة اليد، ثم رئيسا لهذه الجامعة ثم رئيسا للرياضة المدرسية إضافة الى مهام أخرى في اللجنة الأولمبية المغربية وجامعة كرة اليد. أتذكر جيدا حين حل ضيفا علي في إحدى فنادق العاصمة اليونانية أثينابمناسبة احتضانها للألعاب المتوسطية في بداية التسعينات، كان وقتها مجبرا على المبيت، لينتقل فجرا الى المطار ومن هناك الى إحدى العواصم الأوربية. الرجل ظل بنفس الثوب وبنفس النفس، صامدا متصديا معبرا عن فكر نزيه، حر ومستقيم، قدم خدمات جليلة للرياضة الوطنية ولكرة اليد وللرياضة المدرسية على وجه الخصوص. كان الحسين في صراع ساخن مع أحد الوزراء في وزارة التعليم، وخاض معه حربا من باب لا مجال للتنازلات. وحين جاء وزير جديد وفي حفل الاستقبال، قال أمام الملأ: «الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن...». رغم أنه من أبناء مراكش، وفي عز صعود الكوكب المراكشي أيام محمد المديوري، لم يحشر الحسين نفسه في الأزقة الضيقة، بل ظل محافظا على قيمته وعلى وضعه الاعتباري. في عز الصراع الذي عرفته كرة اليد، كان الحسين أحد الاطراف المعنية، بل المقصودة، تكلمت معه بصدق حول آفاق هذا الصراع، أذكر أن زميلا كان حاضرا معنا ومازالت أكن له كل تقدير. تحدثنا مع الحسين حول السبل الكفيلة بإنهاء هذا الصراع، والجلوس مع الطرف الآخر الذي كانت مدينة الدارالبيضاء أحد المعادلات المساهمة فيه. لم نستطع أن نقنع الحسين، وقال وقتها، سأذهب إلى أبعد حد، مادام أن الجمع العام المقبل، هو جمع عام عادي، لكن لم يستحضر الحسين وقتها أن الجمع العام سيد نفسه وبإمكان الأطراف المشكلة له أن تدعو الى جمع عام استثنائي. وهذا ما حصل، ليترك صديقي الحسين مكانه في الرئاسة. المهم في كل هذا أن الحسين خرج مرتاح البال، وكانت بالفعل مفاجئة، حين قال، أنا عبرت عن وجهة نظري وليشرب الآخرين البحر. انتقل بعدها الحسين الى الرياضة المدرسية، ونقول بكل صدق أنه من بناة هذه الرياضة في عهدها الجديد بعد أن دخلت الأرشيف لمدة طويلة بسبب حرب أخرى كانت قائمة بين المرحوم الأستاذ عبد اللطيف السملالي وبين الوزارة التي كانت وقتها في يد حزب الاستقلال. من هنا ازدادت العلاقات عمقا بيني وبين هذا الرجل المراكشي ذو الطباع الخاصة إن لم نقل العنيدة. ظل هكذا يجوب المغرب طولا وعرضا، وكم مرة نصحته أن يقلل من الترحال والسفر الدائمين. لكن أدركت في الأخير، أن الرجل لا يحب المكان الواحد، كان يعشق الرحيل، كانت عيناه تبحث دوما عن المكان الفسيح، ليستريح. الحسين على امتداد هذا العمر، لم يعش مع الوالدة كثيرا، كان هاربا من ذاكرة متعبة، من ذاكرة تحمل ألما بعيدا. ومع وفاة الوالدة، وبعد أن وصل الى سن التقاعد. عاد بوهروال وحيدا صحبة الإبنة الى مدينة النخيل حيث يعيش هناك ، حيث يستريح.