رسوب رئيس جماعة قروية في امتحان الشهادة الابتدائية، «حدث» يستحق التأمل، لأنه من رواسب مغرب الأمس، و قراءة دلالته في سياق مميزات مغرب اليوم، المنهمك في الإعداد لمغرب الغد. الخبر الذي نشرته بعض الصحف بداية هذا الأسبوع، أوردت فيه أن سكان تلك الجماعة تظاهروا مطالبين بتنحيته... في ما يشبه المطالبة بمحو«العار» عنهم. الرجل كان ينبغي أن يرسب، أصلا، في «امتحان» انتخابه لعضوية الجماعة التي يرأسها...لو أن تلك الانتخابات أحيطت بضمانات نجاح الديموقراطية، في إنتاج المؤسسة التمثيلية الفاعلة... بوعيها لذاتها، كون نسغها هو «المعرفة»... معرفة الأحوال، معرفة وضع مخططات العمل، معرفة آليات و وظائف التدبير الجيد، معرفة الواجبات قبل الحقوق، معرفة المنفعة لدرء المفسدة... كمية من المعارف النوعية، ليس بالضرورة، تضمنها الشواهد التعليمية العليا، ولكن بالضرورة تحتاج إلى أكثر وأكبر- ولو شوية- من الشواهد الابتدائية، زائد الخبرة الحياتية والتجربة المهنية وحظ معقول من التكوين السياسي، المفترض في عضو حزب سعى إلى عضوية جماعة تمثيلية. الرجل حاول تجاوز النقص التعليمي في مؤهلاته...قد يكون خضع لدورات تعليمية، وربما لجأ إلى دروس التقوية...ولكنه رسب في الامتحان، ورسوبا مدويا، أضحى معه مادة إخبارية، تفتح النقاش حول جوانب بالغة الهشاشة في تجربة الجماعات المحلية، وفي ما هو أبعد منها، الانتخابات برمتها و منتوجها بأكمله. إنها انتخابات ديمقراطية تلك التي حملت الأخ إلى «سدة الرئاسة» ...أصوات وضعها في الصندوق مواطنون أحرار ...ربما تأثروا بدوافع تعصب عشائري أو قبلي أو وعود وإغراءات معنوية أو مادية...غير أن العملية الانتخابية اتسمت بسلامتها من العيوب المسطرية والقانونية... هي ما يشبه السيول، ولو أنها انتخابات، و في جوهرها اختيار وانتقاء للتوجهات السياسية وللأشخاص، تجرف لنا النافع وقد يعلق به الضار... وهي سيول نابعة من مجتمع، بالكاد ينمي في أنسجته الألياف الديمقراطية وفي حواسه مقومات إدراكها وفي أساسها ثقافتها. الديمقراطية ثقافة شاملة وحداثية. محورها الإنسان بكامل حقوقه، والمواطنة بكامل وطنيتها، والعقل بكاشف أنواره... وهي ما يحفز المجتمع على التقدم، الذي يفعل في تخصيب تربة نموها وتجذير غرسها في المجتمع... وبالتالي ففعلها الأول إرادي، ريادي، طليعي ونخبوي... في مواجهة طحالب وأدواء نابعة من مستنقعات التأخر والتي تعتاش بها... بعض مسمياتها: الأمية، هشاشة مستوى العيش الاعتصاب القبلي والغيبي، الارتكان للقدرية، الذهول من مداهمة «العصر» لفضاءات التقليد... الديمقراطية بذلك المعنى تكون كاسحة نتوءات التأخر في أنسجتنا الاجتماعية إذا هي حافظت على خصائص النشأة ومنطلق المنشأ، ولم تفرغ من بعديها الحداثي والمواطني. الأخ الراسب في امتحان الشهادة الابتدائية، والإخوة الراسبون في امتحانات الكفاءة التدبيرية وبالتالي الأهلية الانتخابية، حتى وبعضهم يداري ضعفه بدزينة شهادات دراسية، أولئك الذين تسربوا من ثقوب الممارسة الديمقراطية، غالبا بروافع شعبوية وبالضغوط المعنوية والإغراءات اللاأخلاقية المتداولة في أحراش وأزقة الفاقة، ليلتهموا الجوهر الديمقراطي الحداثي والمواطني للانتخابات، ويقضموا من صدقية تمثيليتها الشعبية. إنهم من يشكل عوامل كبح ديناميكية التحول الديمقراطي، من مجرد آلية لتدبير المشاركة الشعبية إلى موصل لشحنات الفعل التنموي. الجماعات التمثيلية، القروية كما البلدية، أوعية رئيسة لمشاريع صوغ التجدد المتواصل أو المستدام للمغرب، هي اليوم في حاجة إلى تمنيع من «أوبئة» الأمية والنفعية المصلحية، الشخصية أو الفئوية، والاستثمار الحزبوي المحدود في نفعه ومداه... وحالة من نوع عجز رئيس جماعة قروية، في الحصول على شهادة الدروس الابتدائية، صورة ووضع لا تطيقه مهام الجماعات المحلية في المشاريع الطموحة لمغرب اليوم... وما لا يستساغ أكثر هو أن تمتص قوارض التخلف الأخرى كل الجوهر الديمقراطي للانتخابات المحلية والوطنية... ويقيني أن ذلك، لا و لن يسمح به التفاعل الكيميائي لوعي مثقفي الوطن مع إرادة وطموح شعب، لكي ننتج مغربا أبعد ما يكون عن آلامنا فيه وأقرب ما يكون إلى حلمنا به.