بعد اجتماعات ماراطونية استغرقت يومين، تعلن حكومة برلين عن أكبر ميزانية للتقشف في تاريخها. إذ تعتزم خفض النفقات في موازنات الدولة بقيمة 80 مليار يورو حتى عام 2014 . وفي هذا الصدد صرحت المستشارة أنجيلا ميركل قائلة: « إن الهدف من برنامج التقشف هو ضمان استمرار الاستقرار المالي». وأكدت المستشارة في مؤتمر صحافي عقدته مع حليفها الليبرالي وزير الخارجية غيدو فيسترفيلله أن «لا بديل عن التقشف» ، موضحة أن المستقبل «يحمل معه أوقاتا عصيبة». وأضافت أن أعضاء الحكومة بذلوا جهودا استثنائية للخروج بخطة تقشف صلبة. وأبدت تفاؤلها في التغلب على الصعوبات وخفض النفقات «في حال توفر القدرة على تنفيذ هذه الإجراءات» . وإذا كانت الأغلبية الحكومية مضمونة في البرلمان الاتحادي ( البوندستاغ)، فإنها لم تعد مضمونة في مجلس الولايات الألمانية (البوندسرات) بعد الخسارة الكبيرة التي لحقت بالتحالف المسيحي الليبرالي جراء الهزيمة الانتخابية لهذا التحالف في ولاية شمال شرق فاليا. وعرضت ميركل ووزير خارجيتها حجم التقشف الذي سيبدأ العام المقبل وحتى نهاية عام 2014 على الشكل التالي : 11,2 مليار يورو عام 2011 و19,1 مليارعام 2012 و24,7 مليار عام 2013 و 26،6 مليار يورو عام 2014 . وأضافا إلى ذلك مبلغ ستة ملايير يورو تقريبا بسبب العجز المستمر سنويا في صناديق التقديمات الصحية، ما يرفع الرقم شبه النهائي للعجز المالي إلى 86 مليار يورو. وشدّد المسؤولان على أن الحكومة لن ترفع من حجم الضريبة على الدخل أو على القيمة المضافة، وإنما ستغطي قسما كبيرا من العجز عن طريق خفض النفقات الاجتماعية من جهة، وفرض ضريبة على الاقتصاد من جهة أخرى تتمثل بإحداث ضريبة على التحويلات المالية التي تجريها المصارف. وكمثال على الخفض ذكرت المستشارة علاوة الأطفال التي تدفع إلى الأهل وخفض التقديمات المعطاة إلى العاطلين القدماء عن العمل. وأكد المسؤولان أنه لن تلحق بقطاعي التعليم والبحوث أية تخفيضات على موازنتيهما، بل سيضاف إليهما مبلغ 12 مليار يورو. وقال فيسترفيلله إن بلاده تواجه «تحديات صعبة مستقبلا»، خاصة وأن ألمانيا عاشت خلال الأعوام الماضية بطريقة تفوق قدراتها. ودافع رئيس الحزب الليبرالي عن برنامج التقشف قائلا إن «عدم القيام بهذه الخطوة يعني إبقاء النزيف في جسم البلاد» . وأعلنت ميركل وفيسترفيلله في إطار خطة التقشف المقترحة عن تأجيل تنفيذ خطة بناء نسخة طبق الأصل عن واجهة القصر القديم الضخم للقيصر الألماني في قلب العاصمة برلين الذي بني على أنقاضه مبنى البرلمان خلال الحكم الشيوعي في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة وجرى هدمه في السنوات الأخيرة. وستوفّر الدولة مبلغا يفوق 500 مليون يورو على أن يعاد العمل به بعد عام 2014 . وانتقدت المعارضة والنقابات العمالية خطة الحكومة بشدة. وقالت أندريا نالس الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة، إن الخفض «سيطال الفئات الاجتماعية الشعبية غير القادرة على الدفاع عن مصالحها» . وتحدث رئيس الكتلة النيابية لحزب اليسار غريغور غيزي عن «ضربة قوية» وجّهتها الحكومة إلى السلم الاجتماعي في البلاد. وأعرب مسؤولون نقابيون عن خشيتهم من تدهور التوازن الاجتماعي القائم حاليا في البلاد. ومن جهته قال رئيس الاتحاد العام للنقابات العمالية ميشائيل زومر، إن التخفيضات المقررة في الاعانات الاجتماعية التي يستفيد منها المواطنون العاديون «غير عادلة»، مشيرا إلى أن ما قررته الحكومة «ليس بتقشف بمقدار ما هو استغلال للضعيف لصالح القوي» . ودعا زومر إلى زيادة ضريبة الإرث وإدخال ضريبة على الملكية وعلى المبادلات المالية في المصارف. وانتقد رئيس حزب الخضر المعارض جيم أوزدمير الخطة قائلا إن الحكومة «لا تفكر سوى بخفض النفقات الاجتماعية»