لم أكن أعرفه إلاّ كوجه أليف في المقهى الذي كنا معاً من رُواده، أمازيغي ممن تنطق ملامحهم بهذه الأصول، لا هو بالأبيض ولا هو بالأسمر، نحيل ورقيق كشاعر، يحدث له أن يتمايل طرباً مع هذه الأغنية أو تلك، لكن إن كانت الأغنية أمازيغية زاد من إيقاع جسده ودخل في طقس من الرقص شبيه برقصة المايسترو أحياناً، ومع كل ذلك، فإن بصمته الكبرى وعلامته المائزة هي الطريقة التي يحتفي بها بنخبه: يرفع كأسه وهو يديره، كما لو يحرك بنديراً عند نهاية الأغنية، إنه توقيعه الذي لا يُنسى. حدث في حالات قليلة أن خرج من عزلته، واقتحم علي طاولتي حيث أجلس وفي يده هذه القصيدة أو تلك، يقدمها لي كي أقرأها، أعطيه رأيي فيها، ثم يطلب مني أن أحتفظ بها. وفي الأسبوع الأخير، وقبل أن يرحل بشكل مفاجىء بسبب سكتة قلبية مباغتة، أصر على أن يُعطيني ما يزيد عن سبع قصائد، قرأ إحداها ذات مرة الأديب والروائي ادريس بلمليح، وصحح له بعض التكرارات والأوصاف الزائدة. ثم حدث أن ولجنا مرة المقهى، ولم نجد عبد اللطيف، وحده خبر غيابه كان حاضراً ، هكذا عبر بيننا كنسمة الجنوب، وهذا بعض ما ترك من أثر خطو عبوره: ...؟؟ اللغة اللغة جسد لظل الصمت ظل روح بلا جسد *** كلمات نقيد معصم الكلمات نشل اصابعها نكسر ريشة أماملها كي لا تهجرنا نخنقها في ثوابت اقلامنا نقتلها نكفنها في بياض اوراقنا نقيم لها قداسا وصلاة جنازة في اديرة النشر نشيعها الى مقبرة الكتب ورفوف متاحف المكتبات كم نحن جناة في حق الكلمات *** عشق إبرة ت ر ت ق ي ن ترتقين اشلاء بياض الصمت بصدى بقايا كلام سحابات أحلام تهمسين تخيطين بخيوط من مطر تراتيل طير عذبة الالحان تطرزين ورودا بعطر أنامل الماء تعزفين على أوتار أشعة الشمس تحلقين برشاقة جناحي الهواء تعتلين صهوة الريح بجلال يهيم فيه الخيط والخياط *** الشعر شفافية غامضة الشعر سد مدثر بالسماء مرصع بصفاء الماء يعرج ويسري بين الامتلاء والخواء الشعر اشراقات ليل بهاء لتهاليل وعود المستحيل زورق يمخر زرقة لهيب الموج الابدي يجترح الندى من نار اليم عرس مرجاني يغري فراشات ترقص بصمت جليل تماما كما الحمام يهدل بشفافية غامضة