شكل دوما موضوع التحكيم داخل مجال كرة القدم الوطنية، أحد أهم المواضيع الأكثر جدلا والأكثر تشكيكا، وظل باستمرار على رأس النقاشات والانتقادات بعد كل دورة من دورات المواسم الكروية. خلال اللقاء الإعلامي، الذي عقدته لجنة الاتصال بالجامعة، والتي استضافت من خلاله العضو الجامعي أحمد غيبي، رئيس لجنة البرمجة والتحكيم، تم التطرق لهذا الموضوع من زوايا مختلفة ومتعددة، من خلال ورقة تقديمية تقدم بها رئيس هذه اللجنة الذي وقف عند محاور جديرة بالوقوف عندها. في مقدمة هذه الورقة التي يمكن اعتبارها تشخيصا لواقع حال هذه المؤسسة التي، وحسب المسؤول عنها، ستعرف خصاصا خطيرا خلال الثلاث سنوات المقبلة، بالنظر إلى سياسة التكوين القاعدي المنعدم (متوسط عمر حكام النخبة مرتفع جدا والخلف غير كاف)، وكذلك لغياب سياسة تكوين مناسبة لحكام النخبة، إضافة إلى انعدام التواصل بين المديرية الوطنية للتحكيم، المنشأة حديثا، واللجن الجهوية للتحكيم. هذا التشريح الأولي، يؤكد أن موضوع التحكيم، ورغم العديد من المبادرات التي أقيمت من أجل تطويره، ظل دائما غير قادر على الاستجابة لواقع الممارسة، إذ وبلغة الأرقام، فإن نسبة تغطية الحكام للمجال الكروي الوطني لاتتعدى 95 بالمائة بالنسبة لمباريات النخبة و20 بالمائة بالنسبة لباقي المباريات. لذلك فالضغط الحاصل اليوم، هو نتاج لتراكمات سلبية، لم تتم معالجتها في وقتها المحدد، مما أفضى إلى ركوب صهوة الحلول الترقيعية وإلى الضعف الواضح في الأداء. من هنا يكون التحكيم المغربي دوما محط انتقاد ومحط تشكيك في النوايا حتى لانقول في إعلان الأخطاء وفي إصدار القرارات، الشيء الذي يدخل الجميع في متاهات لاحد لها، يمكن أن تصل إلى حد الاعتداء، وهذا ما حصل في العديد من المناسبات. وكذلك في تحميل الحكم مسؤولية الهزيمة، وذلك عبر تصريحات نسمعها ونقرؤها في نهاية كل أسبوع. بالطبع، لايمكن أن يظل الجميع مكتوف الأيدي، أمام هذا الواقع الذي لايريد أن يرتفع ليصل إلى المستوى الذي نطمح إليه، مستوى الأداء الجيد في المباريات الوطنية، ثم الحضور القوى لحكامنا على المستوى الدولي، الذي لم يعد قائما البثة، سواء خلال نهائيات كأس الأمم أو كأس العالم التي حظي المرحوم بلقولة بإدارة مباراته النهائية. لجنة التحكيم التي يرأسها السيد غيبي، وضعت العديد من الخطوات الإصلاحية حتى تتمكن هذه المؤسسة من أن تكون إحدى الأدوات القوية داخل منظومة الإصلاح المرتقب. أولى هذه الخطوات، وكما جاء في الأوراق المعدة في هذا الشأن، أن تكون المديرية الوطنية للتحكيم مستقلة بشكل كامل عن كل المكونات المشكلة للكرة الوطنية. وهذه المديرية تعنى بشكل أساسي بالتدبير الإداري، وكذلك بإعداد وتنشيط مختلف التكوينات المرتبطة بالتحكيم الوطني. ولايمكن لقطاع مهم، كقطاع التحكيم، أن يظل حبيس نظرة ضيقة تهتم فقط بالحكم الجاهز ومراقبته ومعاقبته عند الاقتضاء، بل يجب أن ينظر إلى هذا الموضوع، باعتباره أداة منتجة، أداة تساهم بشكل كبير في تحسين وتلميع صورة الكرة الوطنية، وذلك عبر تنظيم تدريب ما قبل البطولة وبعد انتهاء النصف الأول مع إرساء وتفعيل تكوين مستمر، والعمل على تحسين أساليب التكوين سواء على المستوى الجهوي أو المركزي، مع الاعتماد على نظام شفاف في تنقيط وترتيب الحكام. هذه إذن، بعض العناوين الكبرى لتصور مستقبلي يروم تحسين الأداء وتحسين صوره الحكام لدى الرأي العام الكروي الذي لم يلمس منذ سنين أن هناك إرادة حقيقية في تطوير هذا الجهاز الذي يعتبر مفصليا في حياتنا الكروية. بالتأكيد أن الإعلام يشكل بدوره أداة مهمة في تطوير الكرة الوطنية، ولايمكن إطلاقا أن يظل الإعلام بعيدا عن مجال التحكيم وتفاعلاته الداخلية، فاللجنة المكلفة بأعداد الحكام لابد أن تجد الوسائط والوسائل الكفيلة، بخلق علاقة واضحة بين الطرفين، وبقدر ماكانت العلاقة واضحة بقدر ما تعاون الطرفان على إنجاز كل المشاريع والأرضيات القادرة على النهوض بهذا الركن الأساسي للكرة الوطنية الذي هو التحكيم.