لابد أن نخجل ونحن نقف على الواقع الثقافي البيضاوي اليوم. فقد عودتنا هذه المدينة، مدينة ابراهيم العلمي، ومحمد الحياني، ... على دفء الأنغام والفن الشعري والروائي والمسرحي والتشكيلي.. في وقت كان يُقمع فيه الفكر وتحارب فيه الجمعيات والمنتديات ، وتهدم فيه المسارح ويسحن فيه الرواد. مدينة زفزاف، التي كانت قبلة لكل مبدعي هذا البلد الطيب لتوفرها على مؤسسات الانتاج، تعيش اليوم خواء فظيعا تنتعش فيه الجريمة والإدمان والتشرد والبشاعة ، لما لا والتهذيب الابداعي قد تم اغتياله. اليوم ، وفي زمن تخصص فيه للجمعيات ملايير السنتيمات وتنتشر القاعات في كل شبر من هذه المدينة، ازداد الخواء أكثر واندثر معه الابداع. أتصور لو أن 500 مليون سنتيم التي منحت لإحدى الجمعيات، صرفت في السبعينات والثمانينات لفائدة مبدعي ذلك الوقت ، ماذا كانوا سيصنعون؟ أعتقد ان الركاب كان سينجز فيلمه الثاني، وأن الحياني لن يموت مغبونا ، وعبد الله راجع سيترك خزانة مليئة بالدواوين، ومسرح الهواة سيتحول الى مؤسسة حقيقية قائمة الذات لن تموت مع أفول الرواد ... مركبات كبيرة وعديدة، تعيش الفراغ إن ولجتها لا تلمس إلا البرودة، إذ بماذا ستفيد مركبات بدون إرادة تدبيرية لإحياء النشاط الابداعي ودعمه وماذا ستفيد منح لجمعيات معظمها يحمل شعار «التنمية»، هذا المصطلح الذي أضحى لدى البعض شماعة تعلق عليه كل مبررات الحصول على المال ولا شيء غير المال! في «الزمن الابداعي» الجميل الذي نحن اليه، لم تكن هناك سوى جمعيات تعد على رؤوس الأصابع، تُستنطق كل اسبوع وتحرم من الاعتراف ولم يسبق أن رأت درهما واحدا من الدولة، وكانت تنظم لقاءات ومنتديات كبرى هي التي ظلت موشومة في ذاكرتنا ، ومرجعا نتحدث به في الاكاديميات والمؤسسات! اليوم كل حي فيه جمعية ولا يعلم الكثير منها ماهو دورها، قد تجدها اليوم تجمع الازبال باسم البيئة ، وغدا ترمم بئرا ، وفي اليوم الآخر تنظم حفل ختان... أي انها مختصة في كل شيء ولا شيء، لان البوصلة الحقيقية قد أتلفها لها مانحو الدعم. فدور الجمعيات أولا واخيرا هو تأطير الشباب والاطفال وزرع روح المبادرة والفعل في عقولهم، لا ان تلبس لبوس تبرير الحصول على المنحة!