أدت أصيلة واجب الوفاء تجاه الروائي السوداني الراحل الطيب صالح، الذي واظب على حضور موسمها الثقافي منذ1980 وحتى2006 ، بإطلاق اسمه على حديقة وسط المدينة، كان قد أدى فيها صلاة العيد، التي أدركته بها ذات موسم. وإن كانت أصيلة قد استقبلت الراحل بالأحضان، وفتحت له بيوتها ودلته على مكامن أسرارهاالأطلسية، حتى صار وجها من وجوهها الأليفة الجديرة بالانتظار والشوق، فإن «سيدي الطيب « كما يحلو لصديقه محمد بنعيسى، رئيس منتدى أصيلة أن يناديه، حمل مشروع الموسم في قلبه وفكره، مبشرا بقيمته عربيا ودوليا، ومراهنا عليه في تأسيس فضاء للحوار الحقيقي والتلاقح الانساني والثقافي الخلاق. ومما زاد من وقع لحظة إزاحة الستار عن اللوحة الرخامية، التي تحمل اسم الراحل، حضور نخبة من رواد الفكر والثقافة في السودان، من ضمنهم رئيس اتحاد الكتاب السودانيين والأمين العام للاتحاد ومدير مركز الطيب صالح الثقافي في الخرطوم ومدير مركز عبد الكريم الميرغني بأم درمان، بالإضافة إلى جمع غفير من أدباء ونقاد وفنانين عرب وأجانب، من ضيوف الدورة31 لموسم أصيلة الثقافي. وفي جلسة أولى من الندوة التكريمية للراحل، التي تستمر يومين، تباينت زوايا النظر إلى التجربة الروائية للكاتب، لكنها أجمعت على إسهامه الجم في تحديث الكتابة الروائية العربيةوفتح آفاق جديدة في تقنيات السرد تصنع نقلة نوعية من مرحلة نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويحيى حقي، حسب الناقد المغربي محمد برادة. وفي قراءة لتجربة الطيب من خلال رائعته، التي سجلت ضمن أحسن مائة رواية عالمية، رصد برادة إضافات الراحل من حيث توسيع دائرة التخييل وشمولية التيمات وتعدد أصوات السرد، بما يتيح استيعاب أزمنة متعددة، فضلا عن تفوقه في المزامنة بين اليومي الواقعي وبين التأملي الوجودي. وإذ عرف مبدع « عرس الزين» أساسا كروائي وقاص، فإن الناقد المصري صلاح فضل يصرعلى أن هذه المقاربة تبخس مساهمة الكاتب في إثراء العقل العربي على مدى نصف قرن من خلال منظومة انتاجية متنوعة، تتضمن تأملات في الشعر ومطارحات في الفكر واختراقات عميقة للثقافة العالمية. ورأى الناقد أن أهمية التراث السردي للراحل تكمن بوجه خاص في التوازن الفريد بين شعرية السرد وحيوية الكتابة النثرية. وحظي إشكال العلاقة مع الغرب باهتمام خاص من لدن المتدخلين، الذين لامسوا رؤية كاتب ينتمي إلى بلد إفريقي ذاق مرارة الاستعمار تجاه الغرب، الذي فتح له آفاق التعلم وتجريب الحرية الفردية، دون أن ينسى أنه الغرب نفسه الذي يمارس الاستعمار والاستغلال تجاه شعوب الجنوب، وهو عنصر بارز في سلوكات بطل روايته «موسم الهجرة الى الشمال « مصطفى سعيد الذي ينتقم من الغرب المستعمر بعلاقاته الجنسية مع نسائه البيضاوات، حسب ما جاء في مداخلات الروائيين المغربي محمد عزالدين التازي والسورية هيفاء البيطار. وكان الروائي الطيب صالح (من مواليد1929 )، مرشحا قبل وفاته لنيل جائزة نوبل للآداب، علما بأن أعماله ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة. وقد حصل عام2002 على جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، حيث أسبغ عليه المشاركون صفة « شيخ الرواية العربية» .