أكد محمد جسوس أن أهم منجز حقق في المجال السوسيولوجي في المغرب هو أننا لم ننجز نظرية كبرى، إذ الاختلاف في المجال السوسيولوجي هو رحمة، وما يوجد فعلا هو اجتهادات في زمان ومكان معين. محمد جسوس الذي كان يتحدث في زمرة من أصدقائه المهتمين بالمجال السوسيولوجي من الباحثين والمريدين، خلال تكريمه الجمعة الماضي، اعتبر أن جيله من الباحثين كان له امتياز أنه اشتغل في وقت موسوم بانهيار النظريات الكبرى، لذلك كان اعتماده على تأسيس الاسس النظرية انطلاقا من الميدان، قبل استبدال نظرية بأخرى، والاسس الكبرى التي أوصى محمد جسوس بدراستها وضبطها الآن من طرف السوسيولوجيين المغاربة هي المدنية والعقلانية والبيروقراطية والدولة البورجوازية والتنوع والنقد باعتبارها أولا اساس التغيير، ولأنه لا يمكن ثانيا الذهاب الى الحداثة دون الاعتماد على هذه الاسس وضبطها لأنها اساس كل حداثة، مثلما أوصى بضرورة تغطية كل مناطق المغرب بالبحث السوسيولوجي، لأن ما تم تغطيته شمل مناطق معينة فقط، مع تغطية المغرب في اطاره المغاربي الكبير، والاهتمام بالدراسة المقارنة وبالانتروبولوجيا والبحر الابيض المتوسط. حفل التكريم هذا الذي نظمته مجموعة الابحاث والدراسات السوسيولوجية في رحاب كلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط يوم 30 ابريل 2010 تضمن مجموعة من المداخلات والشهادات، أسهم فيها كل من الاساتذة عبد الرحيم بنحادة عميد الكلية وعبد الحفيظ بوطالب رئيس الجامعة ومحمد الناصري، عثمان اشقرا، مصطفى محسن، عبد الحي المودن، المختار الهراس، محمد زرنين وادريس بنسعيد، وهي العروض التي ستجمع لتصدر بعد ذلك ضمن الكراسات التي تنشرها كلية الاداب. المتدخلون أجمعوا على نبل خصال ونضال المحتفى به، عالما وإنسانا ومفكرا أصيلا، ومربيا ومعلما صاحب قضية ورسالة، ومنارة علمية يهتدى بها، بل إن منهم من ذهب الى حد اعتباره وليا صالحا من أولياء الله، أو ولي الصالح العام كما وصفه أحدهم. وصاحب زاوية هي بيته الذي يقع بإحدى زوايا زنقة من ازقة اكدال والذي ظل يعج ويضج دوما بطلبته ومريديه رغم الازمات الصحية التي عانى جسوس منها. إنه واحد من الصلحاء الحداثيين الذي انغمس في العمل من أجل المجتمع ومصلحة البلاد، عالما وعاملا وفاعلا لا يبتغي إلا الاجر من الله، وهو واحد من زمرة النصحاء في المجال البيداغوجي والسياسي والعمراني، بإسهامه الكبير في ورشة التصميم العمراني واعادة هيكلة مدينة الرباط لدرجة أصبح معها خبيرا في الشأن الحضري. وهو واحد من المناضلين الاشتراكيين الملتزم بالاشتراكية، والملتزم بالاخلاق، الجامع بين ماركس المادي والواجب الكانطي، لذلك، فهو يفهم الاشتراكية كأخلاق والتزام،قبل أن تكون معرفة ملموسة بالواقع الملموس: «إنما الاشتراكية الاخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا». وينزع نحو الفلسفة الاجتماعية ويؤمن بالحرية والعقلانية والتقدم وبالمشترك الانساني العام. ولانه يؤمن بالنقد، فقد عمد محمد جسوس منذ البدايات الى التأسيس لسوسيولوجيا نقدية تنطبق على المجتمع المغربي، وتنطلق من نقد المعرفة الغربية، ونقد الفهم الخصوصاني القائل بالخصوصية المجتمعية المغربية، ونقد الدعوة الى تأسيس علم اجتماع عربي، ومنذ البدايات أيضا اهتم محمد جسوس بالتغيير الاجتماعي، حيث قدم رسالة عن نظرية التوازن وتفسير التغيير الاجتماعي بإحدى الجامعات الامريكية في أوائل الستينيات، مرورا باهتمامه بالعالم القروي قصد المساهمة في التنمية وخروجه من التأخر الاقتصادي. وفي كل ذلك كان جسوس يعطي الأولوية للتقعيد وللتأصيل من أجل مدرسة سوسيولوجية مغربية، ومن أجل علم اجتماع يستوفي شروط العلم ويستجيب لخصوصية المجتمع المغربي.