وأنت تقترب من جنان بنحليمة، حيث إدارة الملتقى الدولي للفلاحة في دورته الخامسة بمكناس، يبدو لك الورش، أوراشا، و كأنك إزاء خلية نحل، الكل فيها منهمك في إنجاز ما كلف به من مهام. و قد شارفت كل الأوراش على نهايتها، بعد ثمانية أشهر من الإعداد المادي و التقني و المهني و الأمني، و لم يتبق إلا تلك الرتوشات الأخيرة، التي تسبق استقبال العارضين و الزوار ... على الموقع الأثري الرائع بصهريج السواني، و على مساحة 100 ألف متر مربع، منها 65 ألف متر مغطاة، انتصبت الأروقة العملاقة، في تناغم لافت يجمع بين أصالة المكان، و حداثة الوسائل. في زحمة هذه الاستعدادات، و في قلب هاته الأوراش، كان لنا لقاء مع السيد جواد الشامي المندوب العام للملتقى .. رنين الهاتف لم يتوقف .. زوار ... مواعيد .. اجتماعات .. كل ذلك لم ينقطع طيلة الخمس و الأربعين دقيقة التي قضتها جريدة الاتحاد الاشتراكي داخل مكتب السيد جواد الشامي بإدارة المعرض، فكان الاستجواب التالي: - اليوم، و بعدما غادر الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب مرحلة الجنينية، وصار يتلمس مواقع النضج بين الملتقيات الدولية الأخرى، ما الذي يميز الدورة الخامسة لهذه السنة عما سبقتها من الدورات؟ - إن أول ما يمكن التنصيص عليه في هذا المحور، هو الاطمئنان، ذلك أن التوجسات التي كانت لا تفارقنا - كمنظمين- من أن لا نستطيع تحقيق الأهداف المسطرة في الملتقيات السابقة، قد انمحت تماما، و أنه يمكن القول منذ الآن بنجاح الدورة الخامسة للملتقى، الذي سيفتتح كالعادة تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك. أما عما يميز الملتقى الخامس عن سابقيه، فهو ظاهرة العود، ذلك أن كل العارضين الذين عرفهم الملتقى الرابع كانوا هم السباقين لإعلان مشاركتهم في الدورة الخامسة، طبعا مع إضافة عارضين جدد، حيث ارتفع العدد إلى 700 عارض، ضمنهم 100 عارض أجنبي، و إذا كان ثلاثة أرباع من العارضين هم خواص، فإن تسابقهم على المشاركة في الملتقى، ليس له من تفسير سوى أن المعرض أصبح ذا مردودية، و قيمة مضافة في المجال. ومن بين مميزات ملتقى هذه السنة أيضا، أنه إذا كانت مشاركة القطب الدولي فيما سبق من الملتقيات، هي مشاركة سياسية و رمزية فقط، حيث لم يتعد التمثيل الأجنبي في أحسن الدورات 17 دولة، فإن الكم الهائل للقطب الدولي لملتقى هذه الدورة، قد يجعل من المعرض بالفعل ملتقى دوليا بامتياز. و في إطار مميزات هذه الدورة أيضا نسجل التوازن الذي حققناه - و نحن على بعد أسابيع من تاريخ المعرض- في توزيع الأقطاب على الأروقة بما يتماشى و منطق العرض و الطلب، حيث فاق تسويق الأروقة 700 رواقا داخل المساحة المغطاة لوحدها. - خصصتم يومي 28 و 29 من أيام المعرض للمهنيين فقط، و ذلك على عكس الملتقيات السابقة التي كانت مفتوحة للعموم و المهنيين طيلة زمان العرض، فإلام تهدفون من وراء هذا - الهدف واضح جدا، فإجراء تخصيص يومين من أيام الملتقى الستة للمهنيين فقط، أملته الرغبة في تأكيد بلوغ المعرض إلى مستوى التخصص، و بلوغ المعرض إلى هذا المستوى ليس هدفا في حد ذاته، و إنما هو وسيلة، نراهن من ورائها على جلب زبناء جدد من مختلف تخصصات القطاع. - لا شك أنكم - كمنظمين- قد حددتم رهانا علقتم عليه مقياس نجاح الدورة من فشلها، فما هو رهانكم على الدورة الخامسة للملتقى الدولي للفلاحة؟ - هي في الحقيقة رهانات، وليس رهانا واحدا، فقد يبدو لكم غريبا، إذا كنا قد راهننا في هذه السنة على 500 ألف زائر فقط، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الزوار في الدورة السابقة ما يناهز 700 ألف. و هذا راجع، كما أسلفت القول، إلى تخصيص يومين من عمر المعرض للمهنيين، والمراهنة في هذا المستوى، هي على ما مدى مردودية الزيارة على الفلاح، و ما مدى انعكاس ذلك على مستوى تعامله مع الأرض. رهان آخر، أعتقد أننا قد هيأنا له كل أسباب النجاح، و أعني بذلك، أن يلعب الملتقى دور المؤطر، من خلال التظاهرات الثقافية الموازية للمعرض، من محاضرات، و ندوات، و موائد مستديرة، و لقاءات مفتوحة .. بما يعادل ثلاث تظاهرات في اليوم، و كل ذلك في نطاق المعرض، حيث خصصنا سبع قاعات للأنشطة الموازية يسع بعضها لألف مقعد. واسمحوا لي بالمناسبة بأن أعلن منذ الآن عن بعض أهم تلك التظاهرات، و التي ستفتتح بالمحاضرة التي مقرر أن يلقيها السفير الأمريكي بالمغرب في موضوع تسويق المواد الفلاحية إلى الأسواق الأمريكية. وهناك أيضا المحاضرة المنتظر إلقاؤها من طرف كاتب الدولة الألماني في الفلاحة، الذي يترأس وفدا هاما إلى المعرض من خمسين شخصية، ضمنهم خمسة و ثلاثون رجل أعمال. كما ينتظر أن يشارك هو نفسه في الإشراف على عقد تعاون و تبادل خبرات في المجال بين المغرب وألمانيا. وبتاريخ 30 أبريل، سيشارك خبراء من فرنسا في ندوة حول المنتوجات الفلاحية المحلية، وتربية المواشي. أما النشاط الثقافي المنتظر تأطيره من طرف خبراء أستراليين، فقد حدد له تاريخ فاتح ماي .. يضاف إلى ذلك، الزيارات المقررة للوفود الرسمية التي يشكل الجانب الإفريقي منها حضورا وازنا. رهان آخر أيضا، لا يقل أهمية عن سابقيه، على الأقل في نظرنا كمنظمين، و يتعلق الأمر بمراهنتنا على أن يتحول الملتقى إلى فرصة للعارضين ليصبحوا مشاركين في التنظيم، من خلال فسح المجال لتقبل الملاحظات، و إيلائها ما تستحق من اهتمام، بل و تنفيذ ما هو قابل منها للتنفيذ في الحين. و بذلك نصبح جميعا عارضين، و جميعا منظمين، مما يضفي على الملتقى نفحات ديمقراطية، سيكون لها دور في تسويق صورة المنتج المغربي، كما نريده نحن، لا كما يتصوره الآخر. - بكم تقدرون الكلفة المادية الإجمالية للمعرض؟ وهل هناك ربح مادي من وراء إقامة تظاهرة دولية من هذا الحجم؟ - إن تسويق سمعة طيبة و صورة مشرقة عن المغرب، مستنبطة من واقع معيش من خلال سلوكات وتأطير وكفاءات فعاليات المعرض، لهو أكبر ربح نراهن عليه، وهو ربح لا تقدر قيمته بأية كلفة مادية. ونحن ولله الحمد، استطعنا أن نسوق علميا، كون منتوجاتنا الفلاحية، هي المتوج الأكثر مراعاة لسلامة وصحة المستهلك، من بين منتوجات دول حوض البحر الأبيض المتوسط. بل إن فلاحتنا، هي الأكثر مراعاة لقدرات الأرض، بعدم حملها على إنتاجية عالية، بفعل مواد كيميائية ينعكس آثارها السلبي على مستوى المنتوج، و سلامة المستهلك. فمثلا هناك زيوت بعض دول حوض المتوسط، معروفة بإنتاجيتها العالية، لكن نسبة الحموضة فيها تفرض إعادة تصفيتها، لإعادة التوازن الغذائي لها من جديد. - اخترتم لدورة هذه السنة شعارا: «الفلاحة و التنمية المستدامة»، فما هي الخلفية المؤطرة لهذا الشعار؟ - إن العالم اليوم أصبح مدركا أكثر من أي وقت مضى بأن تضافر الجهود و الإنتاج المندمج و التكاملي، هو الكفيل، بالتقليل من الآثار السلبية للاحتباس الحراري، و نضوب الموارد الطبيعية. كما لم يعد خافيا على أحد اليوم مدى الدور الذي يلعبه الأمن الغذائي في الاستقرار الاجتماعي و السياسي، و بما أن التنمية المستدامة، لا تتحقق إلا بتحقق هذا الاستقرار، فقد اخترنا هذا الشعار الذي نعبر من خلاله على أن الفلاحة معطى جوهري، و قطاع أساسي لأية تنمية مستدامة. - جواد الشامي المندوب العام لملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، هل من كلمة أخيرة لقراء الجريدة؟ - لن أفشي سرا إذا قلت بأن الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، قد امتلك عبر مراكمة التجارب، بنكا للمعلومات، جعلت منه رقما صحيحا في أية معادلة تواصلية بالفلاحة عبر العالم، و لعل المتخصص في المجال هو من يدرك هذه الطفرة النوعية التي حققها الملتقى و يكفي الملاحظ إلقاء نظرة على توزيع الأقطاب الموضوعاتية عبر المعرض ليدرك هذه الحقيقة.