عندما يلتقي المعتقد الغيبي والمقدس بالأفكار الخرافية تتولد عن ذلك عادات وطقوس تنتقل بفعل الممارسة لتصبح ظواهر اجتماعية راسخة تؤسس لعلاقات اجتماعية تصعب قراءتها وفك رموزها ما لم يكن الباحث متمكنا من وسائل اشتغاله وعلى اطلاع كبير بالتفاصيل الدقيقة لبنية المجتمع الذي يحتضن تلك الممارسات. في كتابه «سيدي شمهروش، الطقوسي والسياسي في الأطلس الكبير»، الذي صدرت نسخته العربية بترجمة عبد المجيد جحفة ومصطفى النحال، يوجه عالم الأنثروبولوجيا، حسن رشيق، دعوة للقارئ للغوص في عوالم سلطان الجن شمهروش والمعتقدات المرتبطة به من تقديم الذبيحة إلى تنظيم الموسم وإحيائه بمجموعة من الأنشطة كالتسوق والرقص واقتسام القرابين وكل ما تتم حيازته في النهاية بين أفراد الجماعات القبلية المحيطة بمقام شمهروش. وإن كان ثمة إجماع على أن شمهروش ينتمي إلى «الآخرين»، أي الجن، إلا أن الأقوال والروايات حول مصيره لا تزال تتضارب وتختلف، إلا أن الرأي الشائع يقول بموته، حتى أن أحد قضاة فاس صلى عليه الجنازة بمقبرة باب الفتوح. وينقل رشيق قول أحد مؤرخ يدعى «كاتي»، جاء فيه أن شمهروش كان يحمل في وقت من الأوقات لقب شيخ وعالم، وعلاقته بباقي الجن ليست علاقة الحكام بالمحكومين، بل علاقة الشيخ بتلاميذه. ويقال أن شمهروش كان جنيا «مسلما، يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وعلاوة على ذلك، حظي بلقاء رسول الله الذي أنبأه بيم موته»، بل وكان «يعرف كل شيء عن أصل الشعوب، وتاريخ الأنبياء، والدول، والبربر...»، ومن ذلك المنطلق كان يصدر أحكاما تستند إلى الشريعة، فهو، كما يقال، تلميذ الإمام البخاري. وبالانتقال إلى قبيلة آيت ميزان، على بعد ثلاثين كيلومترا جنوبمراكش، حيث يوجد مقام شمهروش، أو بالأحرى اختار شمهروش مقامه، حسب ما ورد في الروايات، يتضح للزائر أن للمقام مكانة خاصة عند ساكنة القبيلة، الذين يمارسون طقوسا خاصة تتماشى والهدف منها، حيث يتم التمييز بين «الزيارة»، «تيغرسي» أو الذبيحة، و»الموسم». فالزيارة تعتبر أمرا شخصيا، تمتزج فيها الطقوس المحلية بالعادات التي يأتي بها أصحاب الزيارة، في حين أن «تيغرسي» عبارة عن طقوس جماعية تقيمها الجماعة على شرف الولي، أما الموسم فيحيل على تجمع منتظم لأفراد وجماعات حول الولي يتميز بإقامة أنشطة إضافية كالتسوق والرقص وإقامة مراسيم الذبح واقتسام لحم القرابين. ويرصد حسن رشيق في هذه الدراسة السوسيولوجية مجموعة من الآليات الزجرية والإلزامية والضوابط التي يتم اعتمادها في حل النزاعات، وتقسيم المهام والقيام بالطقوس خلال الموسم أو الزيارة، أو من أجل اكتساب الزعامة مما يسمح لقبيلة ما ولأفراد معينين من السلالة توزيع الذبائح (الوزيعة). ويرى رشيق أن تقديم القربان ليس فعلا دينيا فحسب، بل يتعدى ذلك الإطار إلى ما هو سياسي، على اعتبار أن ذلك يقوم على أساس التناوب (بين القبيلة والسلالة)، كما أن الأمر (سواء على مستوى نحر الذبيحة أو توزيع لحمها) يخضع لذات المبادئ التي تتحكم في باقي الأنشطة السوسيو اقتصادية، رغم أن الملاحظة الأهم هي اقتسام الهيمنة بين الديني والسياسي. فالجماعة الدينية تكون حاضرة بقوة خلال القيام بالأدوار الطقوسية، أما الجماعة السياسية، متمثلة في جميع أفراد القبيلة، فهي التي تعمل على تنفيذ طقوس الذبيحة، وهو ما أسماه رشيق «القربان السياسي» أو «المعروف»، مقابل ذبيحة الموسم، حيث يظل التمايز بينهما متمركزا على مدى اعتماد الطقوس الإسلامية الخاصة بالذبح ومدى الاقتصار على عملية الذبح العادية التي لا تعدو أن تكون نسخة مما يقوم به الجزارون العاديون، مع ما يتعلق بذلك من قواعد سياسية (مبدأ التناوب، المزاد، التقسيم والتوزيع...).