في المقدمة التي خص بها الطبعة العربية لكتابه «سيدي شمهروش: الطقوسي والسياسي في الأطلس الكبير»، يقول حسن رشيق: «يقوم الباحثون في العلوم الاجتماعية، أحيانا، بدراسة بعض الظواهر الاجتماعية التي لا يوليها المثقفون ورجال السياسة والناس بصفة عامة، الاهتمام اللازم. وإذا كان المرء يحط من شأن السحر والشعوذة وزيارة الأضرحة، والشوافات والدعارة، الخ، فإن أية دراسة لهذه الظواهر الاجتماعية، وأخرى مماثلة، ستكون عديمة الجدوى، بل مضرة. إذ يمكن أن يتساءل القارئ عن أهمية دراسة ممارسات «شعبية» و»هامشية» و»منحرفة»، الخ. إن الأهمية، أولا، ذات طبيعة معرفية. ذّلك أننا نفهم بصورة أفضل أنماط الفكر السحري والديني والعلمي، حين نعقد مقارنات فيما بينها. كما نفهم بشكل أفضل مختلف أشكال العلاقات بالمقدس، حين ندرس كذلك الممارسات التي تعتبر بدعة من زاوية النظر السائدة لديانة ما. ومن ثم، فالسوي والعادي لا يمكن فهمه دون دراسة الممارسات المنحرفة ( الانتحار، الجريمة، الهرطقة...). « ثم إن المجتمع الذي لا يعمل سوى على اتهام أفعال مواطنيه، بدلا من فهمها، هو مجتمع جامد ومتكلس. فكم من الأحكام المتسرعة كانت مشوشة على فهم مجتمعاتنا(...)». من هذا المنطلق بالذات الذي برهن على ضرورته حسن رشيق، ومعه باحثون آخرون لا يتسع الحيز لسردهم جميعا، نخصص ملف العدد الحالي من «الاتحاد الثقافي» للمغارات السحرية في المغرب وطقوسها، عبر عرض محتويات كتاب «عبادة الكهوف بالمغرب» لهنري باسي الذي صدرت طبعة جديدة منه موخرا بعد طبعته الأولى الصادرة عام 1920، ونشر مقاطع من مؤلف إدمون دوطي الذي يعتبر مرجعا في المجال: السحر والدين في إفريقيا الشمالية (1908). وفي رحم قلق السؤال المعرفي نفسه الذي عبر عنه حسن رشيق في مقدمة الترجمة العربية لمؤلفه المشار إليه، القلق ذاته الذي سنخصص لمقاربته، كذلك، مقالات وملفات أخرى في الأعداد القادمة من الجريدة، نفسح المجال لمعطيات بسيطة قد تتولد عنها علامات استفهام عميقة: - في مغرب الحماية التي رفعت رايتها فرنسا وإسبانيا في 1912، بل وقبل خضوع البلاد للاحتلال الأجنبي، أنجزت الكثير من الدراسات الأنثروبولوجية العميقة حول المغرب، رغم هيمنة النزعة الاستعمارية عليها، منها مقالات نشرتها مجلة « هسبيريس» ودراسات صدرت في كتب تظل مرجعا إلى حد اليوم، مقالات ودراسات تناولت بالوصف والتحليل تمظهرات الإسلام الشعبي مغربيا والطقوس الوثنية التي لم تفلح الديانة الرسمية للبلاد في إزاحتها (إميل درمينغم، دوطي، هربر، لاوست، الدكتورة ليجي، إميل موشون، ويسترمارك...). - منذ نال المغرب الاستقلال، لم تصدر سوى عناوين رصينة نادرة درست المعتقدات والممارسات الشعبية لدى المغاربة، منها مقال لبول باسكون في «لاماليف» تحت عنوان « أساطير ومعتقدات في المغرب» ( 1986) ومؤلفات تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة لنادية بلحاج، مصطفى أخميس وخديجة النعموني. لماذا كل هذا الكسل إذن في تناول ظواهر اجتماعية منغرسة عميقا في الذهنية والسلوك المغربيين؟ سؤال مؤرق سيظل مشروعا ومشرعا، سؤال بسعة غياب وتغييب معرفة الذات الضرورية لكل مجتمع لا يريد أن يكون جامدا ومتكلسا.