فطن المغرب إلى أهمية القطاع السياحي ودوره في التنمية الاقتصادية ببلادنا، لكن السياسات المتبعة في تدبيره كانت مزاجية لدرجة لاتتصور. فالمزاجية في التعامل مع القطاع أضرت بالمنتوج السياحي المغربي قبل أن يتأثر بالظرفية الدولية وحرب الخليج الأولى وأحداث الحادي عشر من شتنبر وبعدها موجة الإرهاب والتطرف، فهذه العناصر لاتشكل إلا جزءا بسيطا من مسببات الأزمة التي تعيشها السياحة المغربية، أزمة تتداخل فيها عناصر أخرى يحاول المسؤولون التغاضي عنها وإرجاعها إلى الظرفية الدولية فقط. لايختلف إثنان في القول بأن القطاع السياحي بالمغرب يعرف مشاكل تعيق نموه بالشكل الذي يتناسب مع المؤهلات الطبيعية والرصيد الثقافي والتنوع الجغرافي الذي يعرفه المغرب. قطاع من الأهمية بمكان لايستطيع المغرب الاعتماد عليه بشكل كبير لتحقيق نمو اقتصادي يحقق الطفرة النوعية للإقتصاد الوطني، قطاع مازال بعض المسؤولين يتناولون الحديث عنه عبر خطابات تطمينية لاتلامس حقيقة الواقع الذي يعيشه. الرؤية أو الإستراتيجية السياحية التي اعتمدت قبل ثمان سنوات تقريبا، كانت تهدف في البداية إلى بلوغ 10 ملايين سائح في أفق 2010، والرفع ثلاث مرات من الطاقة الإيوائية، والرفع خمس مرات من مداخيل السفر، وبالتالي رفع حجم قطاع السياحة إلى 13 في المائة من مجمل النشاط الاقتصادي، لكن لاشيء من ذلك تحقق. فالواقع أن الاحصائيات المقدمة من طرف وزارة السياحة حول عدد السياح الذين زاروا المغرب تشمل أيضا الجالية المغربية المقيمة في الخارج والتي يدخل أفرادها المغرب سنويا في زياراتهم العائلية، وتشمل أيضا الرحلات المنظمة والتي تعرف بأسعارها البخسة حيث تبقى نسبة استفادة المغرب منها جد محدودة لدرجة أن بعض الوفود السياحية، وبحسب ما صرح لنا به مجموعة من الفاعلين في القطاع السياحي، تغادر المغرب بصفر مصاريف! ناهيك عن حركة رجال المال والأعمال والتي تكون طوال السنة، وحاول المسؤولون عن القطاع القفز عليها وإقحام رجال الأعمال الذين يأتون إلى المغرب من أجل «البزنس» ضمن خانة السياح «للنفخ» في الأرقام فأطلقوا عليها تسمية «السياحة الإقتصادية»! فلكي يصبح المغرب وجهة سياحية حقيقة، يتوجب أن يشتغل ضمن إطار استراتيجية منسجمة مع أهداف واضحة، استراتيجية لاتنحصر فقط في تأهيل العنصر البشري وبنيات الاستقبال السياحي، بل أيضا استراتيجية تأخذ ضمن أولوياتها تأهيل فضاءات مدننا وقرانا السياحية و تحسين أسطول مواصلاتنا وطرقنا، استراتيجية تدمج المجتمع بأكمله ضمن أوراش سياحية مفتوحة، فالمغرب يتوفر بالتأكيد على مؤهلات سياحية إلا أنها غير مستغلة بالشكل المطلوب، يكفي أننا نتوفر على ثماني مناطق مصنفة ضمن التراث العالمي، بكل من تطوان ومكناس وفاس ومازاكان، الصويرة ومراكش وقصبة أيت بنحدو بوارزازات، بالإضافة إلى ساحة جامع الفنا بمراكش والمصنفة ضمن التراث الشفوي للإنسانية ، إلا أن وضعها الحالي في أسوأ حال وزيارتها لمرة واحدة كفيلة بأن تدفعك إلى الإحجام عن زيارتها مرة أخرى لحجم درجة الإهمال الذي يطالها، دون الحديث عن محيطها وروادها والطرق المؤدية إليها! والخلاصة أن القطاع السياحي بالرغم من كونه نشاطا اقتصاديا مهما، إلا أنه مازال يعتبر قطاعا موسميا، فالقطاع كان يعيش في ظل غياب تصور شمولي لتنميته وذلك لفترة طويلة قبل أن يطلق المغرب سياسة المخططات بالرغم من محدوديتها،الشيء الذي جعله يعيش إكراهات جمة «حولته» إلى مجرد قطاع موسمي حيث يرتفع عدد الليالي السياحية فقط خلال الصيف، كما أنه يسجل ضعف جودة الخدمات المقدمة و ضعف وسائل التنشيط مما يُشعر السياح بالملل!