عبد الكريم سوروش، فيلسوف إيراني، مفكر ثوري أصبح أحد أبرز وجوه المعارضة، من مواليد طهران سنة 1945، تحول الى الفلسفة بعد دراسات في الصيدلة ببريطانيا. وعاد الى إيران ، وساند الثورة الايرانية في بداياتها سنة 1979. وكان عضوا في المجلس الثقافي للثورة واستاذا بجامعة طهران، سرعان ما أظهر مقاربة نقدية للإسلام في السياسة فقد على إثرها منصبه واختار المنفى منذ 10 سنوات نحو ألمانيا والولايات المتحدة. ومنذ سنة 2000 يعمل كأستاذ زائر يحاضر في هارفارد ودّرس في جامعة يال وبرينستون، له عدة مؤلفات حول فلسفة العلوم او القانون الاسلامي. وتصوره لإسلام عصري يجعل منه أحد أصوات الحركة الاحتجاجية التي تهز ايران منذ عدة أشهر. صحيفة «لوموند» الفرنسية أجرت معه حوارا مطولا، نقدم للقارىء ترجمته. } منذ إعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد، المثير للجدل، في يونيه 2009، توالت المظاهرات في ايران بالرغم من حملة القمع الشرسة؟ هل هي مقدمة لثورة؟ احتجاج على انزلاقات الحكومة؟ ماذا يجري حقيقة في الجمهورية الاسلامية؟ ماذا يجري في إيران؟ العالم كله يرى بأن هناك حركة تمرد واحتجاج ضد النظام. ليس فقط ضد أحمدي نجاد والحكومة، ولكن مجمل النظام ومؤسساته. هذه الحركة بدأت ظاهريا مع إعادة الانتخاب المزور للرئيس احمدي نجاد في يونيه 2009، لكن في الواقع، اسس هذا الاحتجاج كانت موجودة منذ مدة، مثلا في ظل رئاسة الاصلاحي محمد خاتمي (2005/1997)، كانت أسس هذه الاحتجاجات في عقول الناس، لاسيما في الجامعات. وانتخابات يونيه 2009 الماضي هي التي سمحت لكل هذا الغضب بالظهور الى العلن، هذه الحركة وجدت في الانتخابات مناسبة للتعبير عن نفسها بوضوح، ومنذ ذلك الوقت تعرف هذه الحركة مدا وجزرا. حاليا هناك نوع من الفتور كما رأينا يوم 11 فبراير بمناسبة الذكرى 31 لثورة 1979، ولو أنه لايجب تضخيم هذا الفراغ، وسنعود الى ذلك. من الناحية النظرية، وهذا أمر مهم، تعيش الجمهورية الاسلامية أزمة جديدة، لم نكن نعير ذلك اهتماما، ولكن كانت هناك دائما صراعات داخلية. ومنذ البداية قامت الجمهورية الاسلامية على مبادىء لايمكن الدفاع عنها مثل مبدأ«ولاية الفقيه» (الذي يؤسس لأسبقية الديني على السياسي). هناك الكثير من الاشياء لم تحدد، هل المعارضة السياسية جريمة؟ ماذا يعني مفهوم الحرية، أين هي حدودها وحدود حرية الصحافة؟ ماذا يعني البرلمان والانتخابات؟ كل هذه الاشياء تطورت مع الثورة دون ان نقوم بتنظيمها، وهكذا استطاع النظام التعامل مع ذلك لبعض الوقت، ولكن ذلك لم يعد ممكنا بعد ثلاثين سنة، خاصة في مجتمع شاب ومتعلم أكثر فأكثر، ينظر بوضوح للوضعية ولكنه لايتلقى سوى إجابات فضفاضة، على تساؤلاته. } ماهي اليوم طبيعة هذا النظام الذي ما فتىء يتطرف؟ إنه بدون شك نظام ديني استبدادي و«ولاية الفقيه» مفهوم استبدادي ديني عوض الاستبداد الملكي للشاه. في ذلك الوقت كانت الشعارات الثورية المرفوعة تعد الشعب بالحرية والاستقلال والجمهورية الاسلامية. ولكن في النهاية الذي ظهر هو هذا الاستبداد الديني. آية الله الخيميني (مؤسس الجمهورية) لم يتعاطف ابدا مع فكرة الديمقراطية. وهو الذي عارض ان يتم التنصيص عليها في تحديد الجمهورية الاسلامية، لأن الاسلام في نظره، يشمل كل شيء: الحرية الديمقراطية، العدالة، الجمهورية، الاقتصاد العادل. لقد باعوا هذه الفكرة المبسطة للناس، ويجب ان اعترف بأننا اشتريناها في ذلك الوقت،و لم نفهم بأن الامور غير واضحة الا متأخرين، حتى بالنسبة لهم،ونرى ذلك اليوم حتى في النقاش الذي برز حول قضية مطابقة العلوم الانسانية مع الاسلام، بما أن العلوم الانسانية تهم الفلسفة والسياسة، فلا شيء يمكن ان ينتج عنها. كل هذا يوضح ان الازمة تتعمق وانهم يبحثون بلا جدوى وبكل الطرق عن مسؤولين مرة في الخارج، وأحيانا في الداخل، والوسيلة الوحيدة التي يستطيعون استعمالها هي القمع المتزايد. الارث الايجابي الوحيد للثورة هو تزايد عدد الطلبة كانوا 200 ألف قبل 30 سنة واصبحوا اليوم حوالي 2 مليون. واذا ما اضفنا عائلاتهم يكون عددهم حوالي 10 ملايين شخص في كل البلاد. وهو ما يعني ان جزءا مهما من السكان بإمكانهم فهم ما يجري، وتفسيره وتحليله، ولم يعد ممكنا خداعهم بتبريرات واهية. } حركة الاحتجاج «الخضراء» كانت عفوية وغير منظمة، ماذا تريد بالضبط؟ ليس هناك إجماع، للناس آراء مختلفة، ولكن في رأيي، لايمكن تفسير ما يجري بآليات اليمين واليسار او آليات العلماني وغير العلماني، جوهر المشكل الذي يعود الى أكثر من قرن هو الصراع ضد الاستبداد. إنه مشكل هذا البلد منذ عدة عقود. بدأ ذلك بالثورة الدستورية لسنة 1906، وكان ذلك ضد الاستبداد الملكي، كما كان الشأن بالنسبة للثورة الفرنسية، حيث كان الناس يطالبون قبل كل شيء بالعدالة. في ظل حكم الشاه نفس الشيء: ماكان ينقص هو العدل بالاساس، واليوم مانزال في نفس النقطة. ما يطالب به الناس في الشارع هو العدل حتى قبل الحرية، فهم لا يناقشون طبيعة النظام المحتمل، ما يريدونه هو العدل، والمشكل يبقى جوهريا لأن الجزء الاكثر فسادا في النظام اليوم هو السلطة القضائية. وان تكون قيادة السلطة القضائية منتخبة وليست معينة من طرف المرشد الاعلى للثورة علي خامينئي، سيشكل ذلك تقدما، وتجربتي علمتني ان قلب الديمقراطية الغربية هو بالضبط استقلال النظام القضائي. يمكن ان تتوفر على اتنخابات، على برلمان، على صحافة ولكن اذا كان الجهاز القضائي فاسدا فإن كل شيء فاسد، انه عماد الديمقراطية. في إيرا ن لابد ان تكون السلطة القضائية مستقلة . } كيف السبيل الى ذلك، هل الأمر يحتاج إلى ثورة، أو تغيير أو فقط تطور تدريجي؟ أنا لا أدعو إلى ثورة، ثورتان خلال جيل هذا كثير. الثورات تخلف دائما آثارا مؤلمة، حمامات دم، العنف.. أعرف أن الثورات لا يخطط لها، فهي تأتي، لكن لا نستطيع توقعها. وباستثناء بعض الشباب الذين لم يعيشوا ثورة 1979، هناك قليل من الناس على استعداد لذلك. } هل باستطاعة المرشد الأعلى للثورة علي خمينئي تغيير مجرى الأمور؟ ظاهريا لا يبدو المرشد الأعلى مستعدا لذلك، لا أعتقد أن يكون في ذهنه ما يمكن أن يهيء للتغيير. لكن هذا مانراه من الخارج. في العمق. داخل الحكومة من رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني، مازال قويا داخل دواليب السلطة، ومازال له أنصار... الناس يفهمون أن الأزمة جدية. والمرشد الأعلى لم يعد تماما هو المرشد الأعلى، والحرس الثوري (الجيش الإيديولوجي للنظام) له اليد العليا على الكثير من الأشياء. والأمر يتعلق بمصالح متبادلة بين مختلف فصائل النظام. } المحافظون الذين يساندون احمدي نجاد، الذي يؤمن هو أيضا بعودة المهدي المنتظر، لهم وزن مهم في هذه المعادلة؟ صحيح، لكن المحافظين يخلقون نقيضهم، بالمعنى الميغلي، لا يمكن أن تستمر الأمور بهذا الشكل. اعتقد أن أحمدي نجاد صادق عندما يتحدث عن المهدي المنتظر، إنه رجل بدون ثقافة، وما يقوله عن الموضوع النووي يؤكد جهله. هذا الجهل يفسر إيمانه بالشعودة والغيبيات، ولكن لابد من حصول تغيير، وإلا فإن الجميع سيخسر، لاسيما وأن المرشد الأعلى الذي لا يتعامل مع الأنترنيت مقطوع عن العالم، لقد أصبح سجين نظامه الذي سيطر داخله حراس الثورة وأعضاء مكتبه. هاشمي رفسنجاني يطع على الأمور عبر الأنترنيت كل يوم لمدة ساعة، فهو يصل إلى العالم الخارجي، إنه يفكر. سيأتي يوم سيكون فيه حتميا إجراء استفتاء حول صنع ثورة، حرب أهلية أو الاستمرار في هذه الوضعية. متى؟ لابد من انتظار موضوعه، سيكون حدود سلطة المرشد الأعلى. فإن تم تحديد سلطاته سيصبح المرشد الأعلى مجرد زعيم افتراضي. في إيران مازال من السابق لأوانه ومن الصعب المواجهة المباشرة مع ولاية الفقيه. } يوم 11 فبراير، حقق أحمدي نجاد انتصارا أمنيا على الحركة «الخضراء» التي لم تستطع التظاهر في الشارع. ما هو مستقبل هذه الحركة؟ يوم 11 فبراير لم يكن انتصارا ساحقا للنظام، لقد اتخذ كافة الاحتياطات ونشر الشرطة واستدعى أنصاره كما كان يفعل دائما. لابد من التريت، فمع توالي الانتخابات، ستتوفر المزيد من الفرص للحركة «الخضراء» فالانتخابات لم تكن لمدة، سوى «آليات» في يد النظام لتبرير شرعيته، لم يعد ذلك ممكنا الآن. وهو ما سيجبر النظام على إعادة تحديد قواعد المشاركة الديمقراطية في اتجاه تضييقي، بل ولا دستوري وهو ما سيخلق أزمة جديدة. إعادة فتح الجامعات في شتنبر المقبل سيكون أيضا مناسبة للاحتجاج. و لكن بطبيعة الحال لا يجب أن يصبح الشارع مسرحها الرئيسي، لابد أن يصبح هذا الاحتجاج أكثر تنظيما. أما فيما يخص مخاطر التطرف فهي موجودة. لكن الجميع متفق علي ضرورة تفادي وقوع ذلك. لأن هذه الحركة لا يمكن أن تسمح لنفسها بذلك. فهي لا تتوفر سوى على الجماهير ووعي الجماهير. ويجب أن يصبح التريت والهدوء سلاحها. خلال سنة أو سنتين سيحدث شئ ما. } الإسلام في إيران ليس هو الضحية الأولى لثلاثين سنة من الاستبداد الديني؟ جوابي هو نعم، ولكن هناك تفسيرات مختلفة للإسلام، تفسير الاستبداد الديني، التقليدي، الرسمي ضحية لهذه السنوات الأخيرة، الآن تضرر هذا التفسير، ولكن لا يمكن الدفاع عنه. بالمقابل، بدأ تفسير جديد للإسلام يظهر، تفسير أكثر ديمقراطية منفتح على الحداثة وحقوق الإنسان التي لا تعتبر كقيمة غربية. صحيح أن هناك أناسا يبتعدون عن الإسلام بسبب الصورة التي أعطاها النظام عنه. لكن هذه المقاربة الديمقراطية بدأت تتقوى. والحركة الخضراء رمز لذلك. وهذا شيء مهم، لأنني أعتقد أن حكومة مناهضة للإسلام أو لامبالية بالدين لا يمكن أن تفوز في إيران. هذا أمر واقع. ولو أن شيئا من العلمانية مطلوب بين الدين والدولة. في المستقبل لا أعتقد أن تفسيرا أحاديا ورسميا للإسلام سيفرض نفسه. ستكون هناك تعددية دون مرشد أعلى وكل واحد سيختار مرشده الروحي. } لماذا لا يسمع صوت بعض رجال الدين المنتقدين للنظام؟ طرحت عليهم السؤال. لماذا أنتم صامتون، بينما أنتم في قرارة أنفسكم لا توافقون على كل ما يفعله النظام الحالي، أنتم الذين انتفضتم ضد نظام الشاه سنة 1979؟ هل تدرون ما كان ردهم؟ «مع هذا النظام الذي ينبني نظريا على الإسلام، نتوفر على بعض الأشياء المشتركة. مع الشاه لم نكن نتقاسم شيئا، وبالتالي كان ممكنا أن ننتفض» إضافة إلى أنه في مواجهة الشاه، كان لرجال الدين بديل حقيقي يقترحونه، النظام الإسلامي، كانوا يحسون أنهم أقوياء وقادرون على دعوة الناس إلى الانضمام إليهم. الأمر ليس كذلك اليوم، يمكنهم أن ينتقدوا هذا الإجراء أو ذاك. يمكنهم أن يكرهوا هذا الشيء أو ذاك، ولكنهم لا يتوفرون على نظرة ديمقراطية للإسلام يقدمونها للناس. هذه النظرة نجدها عند المثقفين ولا نجدها عند رجال الدين. فمصداقية رجال الدين لم تعد كما كانت وهم يعرفون ذلك. من قبل كان الناس يذهبون لرؤيتهم نظرا لمكانتهم وصيتهم الديني. كانوا يقبلون أياديهم، اليوم يذهبون لرؤيتهم من أجل السياسة، لأنهم قريبون من السلطة. رجال الدين لم يعودوا محترمين لمكانتهم الدينية. في نظام ديمقراطي، لا نخشى الزعيم، نحترمه، وعلي خمينئي لا يثير أي احترام عفوي، بل يهابه الناس فقط. } هل ساهمت الثورة الإسلامية في صنع صورة سيئة عن الإسلام في الغرب؟ في المجتمعات الإسلامية كان وقع الثورة هو أن الإسلام يمكن أن يستعمل للقيام بثورة. إنه قوة لا يمكن تجاهلها. والحركة «الخضراء» تحاول إظهار ذلك اليوم بترويجها لصورة إسلام ديمقراطي. في المجتمعات الغربية لم تكن النظرة دائما محايدة. حملنا الإسلام الكثير من الإختلالات التي هي في إيران، من صلب المسلسل الثوري كما رأينا ذلك في أماكن أخرى. لقد وقعت شيطنة الإسلام. ولكن لا يجب النظر إلى هذا البلد فقط من خلال ما تقوم به حكومته. فإيران هي أيضا مجتمع ديناميكي. لا نرى ذلك كثيرا، فبالرغم من القمع، هناك الكثير من الكتب تنشر، والكثير من الأفلام التي تصور. وهذا مؤشر إيجابي.