رعب المرضى النفسانيين والمختلين عقليا أضحى يتحكم في العديد من شوارع /أحياء العاصمة الاقتصادية، في غياب استراتيجية فعلية للاهتمام بهذه الشريحة وتجنيب المارة والمقربين منهم من عواقب «ثورة» محتملة غادرة! خلال نهاية الشهر الفارط ومطلع الحالي وقعت حوادث مختلفة على امتداد التراب البيضاوي أبطالها «مختلون»، تفاوتت حدتها وحالت الألطاف الإلهية ، في مجملها، دون أن تكون الخسائر فادحة. فبشارع حسن العلوي وبينما كانت سيدة مسنة تعبر الطريق في اتجاه منطقة عين البورجة، إذا بمختل عقلي يغافلها من الخلف ويدفع بها نحو الشارع حيث وسائل النقل المختلفة تمر من المكان، والتي كان من الممكن لإحداها أن تصطدم بها. واقعة مماثلة شهدتها «المدينة القديمة» حين انتابت نوبة هستيريا أحد المختلين وشرع في رشق المارة بالحجارة. وغير بعيد، وبشارع محمد الخامس، تجرد مختل من لباسه وشرع يطلق العنان لكلام نابٍ. نفس المشهد تكرر بحي الداخلة بزنقة الإمام القسطلاني. وبدرب الكبير أقدم شخص ، قال عنه جيرانه إنه يعاني اضطرابات عقلية، على إضرام النار في ملابسه داخل غرفته ولولا انتباه ويقظة السكان لكان المنزل احترق عن آخره! إنها حكايات لمختلين عقليا يجوبون أرجاء المدينة، يضطر البيضاويون إلى التعايش معهم والتسلح بالحيطة لتفادي أي مكروه ما دامت أعداد المختلين هي في ارتفاع لا في تراجع، و«جرائمهم» بدورها في اتساع، إذ يتداول المواطنون فيما بينهم أخبار المعتوهين بنوع من التخوف والرهبة، سيما حين تتطور إلى جرائم كما هو الشأن بالنسبة للمعتوه الذي أقدم على قتل والده بمراكش، وآخر ذبح والدته بقصبة تادلة، في حين أقدم شخص يعاني من اضطرابات نفسية على محاولة قتل جاره باستعمال بندقية صيد بالمحمدية! المركز الجماعي للطب النفسي بالدارالبيضاء في سنة 2009 استقبل 949 حالة، أما خلال شهر يناير وفبراير من السنة الجارية، فقد وصل عدد من تقدموا إلى «جناح 36»، وهي التسمية التي يعتبرها القائمون على أمر المؤسسة، عيبا في حق الجميع، ما مجموعه 173 حالة، في حين بلغ عدد من طلبوا الاستشارة من المصلحة خلال السنة الفارطة 8931 حالة، والحالات التي وردت على مصلحة المستعجلات والتي يكون أصحابها في حالة خطيرة، 13 ألفا و 441 حالة، ليصل مجموع من زاروا المركز في 2009 إلى أكثر من 22 ألف شخص، أخذا بعين الاعتبار حالات لايتم تسجيلها لظروف متعددة، ويبلغ معدل الاستشفاء بالمركز في المتوسط حوالي شهر، حسب الحالات، إذ من الممكن لبعض الحالات ألا تتجاوز اليوم الواحد أو اليومين، في حين حالات أخرى لاتزال تمكث بالمركز منذ سنين. إقبال كبير على المركز من أقارب المرضى لايستطيع القائمون عليه تلبيته بأجمعه، ويضطرون إلى عدم قبول حالات عديدة لانعدام الأسرّة، فالمركز لايوفر سوى 104 من الأسرة من أصل 124، إذ أن 20 منها غير مستغلة بالنظر إلى ضعف عدد العنصر البشري الذي يتجسد في 33 ممرضا وحوالي 30 طبيبا، إضافة إلى ضعف اللوجستيك والموارد المادية التي، رغم إرادة العاملين بالمركز، فإنها تحول دون منح خدمات أكبر لشرائح مريضة، في مقابل ارتفاع نسبة المرضى! حال المرضى المختلين عقليا الذين يتوفرون على أقارب هو أفضل من «حمقى» الشارع العام الذين لاأهل لهم، أو متخلى عنهم، فهؤلاء يتم توجيههم إلى المركز الخيري لتيط مليل حيث يعيشون ظروفا أخرى، ويحظى بعضهم ، بدرجات متفاوتة، باهتمام مستشفى الطب النفسي بتيط مليل المجاور للمركز، والذي يتخبط بدوره في دوامة من المشاكل والإكراهات تجعله غير قادر على منح خدمات طبية أفضل وأشمل لأعداد الحمقى الذين تظل الشوارع والأحياء البيضاوية موطنهم، ويصبح المواطنون في حالات نوباتهم «طرائد» لحمقهم وسلوكاتهم «المجنونة»!