إسرائيل اغتالت المبحوح ولكن القضية تحولت لخلاف جديد بين فتح وحماس وبين حماس ودبي،ولا يبدو أن العرب وليس فقط الفلسطينيين استخلصوا درسا من عملية الاغتيال،فالمكان والزمان يجعلا القضية أكبر من مجرد قتل مسؤول في تنظيم فلسطيني !. اغتيال الموساد الإسرائيلي لقيادات فلسطينية ليس بالأمر المستحدث، فهناك عشرات المناضلين الفلسطينيين الذين أغتالهم الموساد خارج فلسطين كقادة فتح الثلاثة -أبو يوسف النجار وكمال عدون وكمال ناصر- في شارع فردان في بيروت عام 1973 واغتيال الهمشري في باريس وزعيتر في روما والشقاقي في مالطا وأبو جهاد وابو إياد وأبو الهول في تونس الخ ،وقيادات تم اغتيالها داخل الوطن ومنهم مؤسسون كالشيخ ياسين والرنتيسي وأبو على مصطفى وأخرهم الرئيس أبو عمار .فما الجديد في قضية اغتيال المبحوح في دبي؟هل لأنه أهم من سابقيه من القادة الشهداء؟أم أن طبيعة المرحلة وخصوصا الانقسام الفلسطيني السبب في هذا الاهتمام؟ أم أنه أمر مقصود تضخيم الواقعة للتغطية على أمور أكثر أهمية كتهويد القدس والاستيطان في الضفة وطي ملف تقرير جولدستون ألخ ؟ . من الطبيعي أن تنكر إسرائيل مسؤولية الموساد عن اغتيال المبحوح أما غير الطبيعي الاعتراف بذلك، وبالتالي فالجدل حول مسؤولية الموساد جدل عقيم فلم يحدث أن اعترفت إسرائيل أو أي جهاز مخابرات في العالم بمسؤوليته عن اغيتال معارضين أو أعداء خارج بلدانهم لأن الاغتيالات الخارجية مرفوضة بالقانون الدولي وستثير حساسيات وتوتر في العلاقات مع الغير وخصوصا إن كانت الدول التي حدثت فيها الاغتيالات أو التي استعملت أراضيها للمرور أو استعملت جوازات سفرها دول صديقة ،وبالتالي سيكون من العبث أن ننتظر اعترافا رسميا إسرائيليا بالجريمة ،وإن كانت قطر والدول الأوروبية ستنتظر حتى تعترف إسرائيل أو تجد أدلة مادية دامغة وحاسمة في اتهام الموساد حتى تتخذ إجراءات ضد إسرائيل ،فهذا الأمر لن يحدث.ومن جهة ثانية لماذا يستغرب البعض استعمال الموساد لجوازت سفر أوروبية سواء كانت حقيقية أم مزورة ؟ يبدو أننا ننسى أن بريطانيا والمانيا وايرلندا وفرنسا دول ذات علاقات استراتيجية مع إسرائيل وتربطهم اتفاقات أمنية تنص على تقديم تسهيلات لبعضهم البعض لمحاربة الإرهاب وهي اتفاقات لا تقتصر على دول أوروبا وإسرائيل بل تشمل أيضا دولا عربية ،وهذا التنسيق الأمني تعزز بعد أحداث 11 شتنبر 2001، ومن هنا نلاحظ انه في لقاء ليبرمان وزير خارجية إسرائيل مع وزراء خارجية أوروبا لم توجه أي اتهامات لإسرائيل عن مقتل المبحوح ليس لأن ليبرمان انكر المسؤولية بل لأن أوروبا تعرف أن الموساد هو القاتل ولكنها تعتبر ذلك سلوكا طبيعيا ومبررا لإسرائيل. الأوروبيون الذين يدعمون إسرائيل في كل نهجها العدواني ضد الشعب الفلسطيني ويصمتوا على قتل الأطفال والمدنيين واستعمال الاسلحة المحرمة دوليا في غزة ويشاركون واشنطن حربها العدوانية في العراق وافغانستان لا يمكنهم إدانة قتل فلسطيني من حركة تعتبرها أوروبا إرهابية أو معادية للسلام . ولأن إسرائيل معروفة ببراعتها في العمل الأمني وفي التآمر فقد قصدت أن يكون ضمن القتلة فتاة فاتنة حتى تثير شكوكا اخلاقية في الموضوع،وربما عملت على استدراج فلسطينيين من حركة فتح ليكونوا في موقع الجريمة دون أن يكون لهم علاقة بالجريمة لتثير فتنة بين فتح وحماس وقد نجحت في ذلك، ثم جاء اتهام دبي لحركة حماس بوجود مشارك في الجريمة من داخل الحماس ليزيد الأمور تعقيدا. ونعتقد ان هناك كثيرا من الأمور التي قد تنكشف لاحقا وبعضها حاضر ويحتاج لتفسير،مثلا العدد الكبير من المتهمين، فقد أعلنت دبي بداية عن اسماء 11 متهما يحملون جوازات أجنبية ثم اضافت 4 آخرين ثم أضافت 15 آخرين ،فهل معقول لجهاز مخابرات أن يغامر بهذا العدد من أعضائه- حوالي 26- وهو عدد قابل للزيادة للقيام بعملية إغتال شخص واحد؟وهل هؤلاء هم القتلة بالفعل،أم ان وجودهم وتسهيل كشفهم مجرد تغطية على القاتل الحقيقي؟ وهل بالفعل توجد علاقة بين هؤلاء وجريمة الاغتيال أم أن المقصود تمييع القضية وخلط الأوراق؟