يعتبر اليوم النجم التلفزيوني العربي الأول في العالم، خاصة بعد فوزه بالجائزة الدولية للبرامج التلفزيونية المباشرة، ضمن 10 برامج تلفزيونية عالمية. وبرنامجه الرياضي اليومي «صدى الملاعب»، الذي يعتبر البرنامج العربي الوحيد في العالم المرتب في المراتب العشر الأولى عالميا، يحقق نسب مشاهدة تتجاوز 120 مليون مشاهد عبر القارات الخمس. بل إن هذا البرنامج التلفزيوني، هو الذي يجعل قناة « إم. بي. سي » الأولى مشاهدة في كل العالم العربي، لأنه يحتل مرتبة جد متقدمة بعيدا عن كل البرامج الأخرى في قنوات «الجزيرة» أو «المستقبل» أو «العربية». وهو برنامج تأتي قوته من أسلوب التقديم الذي يتبعه معده وصاحبه، أستاذ الأدب الإنجليزي سابقا بجامعة دمشق، المنحدر من عائلة عريقة في سوريا، مصطفى الآغا.. وما فوزه منذ أسبوع بجائزة أحسن برنامج تلفزيوني عربي، ضمن مهرجان التلفزيون العربي بالبحرين، إلا تحصيل حاصل. ذلك أن برنامجه هذا يأتي في مقدمة كل البرامج المباشرة في الفضائيات العربية ( سياسية، اجتماعية، ثقافية، فنية، ورياضية) ويكفي التذكير أنه فاز في سنة 2009 فقط، بأكثر من أربع جوائز وازنة. خلال زيارتي إلى مدينة دبي، حيث مقر قناة «إم. بي. سي.» بمدينة الإعلام الشاسعة هناك، طلبت لقاءه لمعرفتي المسبقة بقوة برنامجه التلفزيوني، وأيضا لشغفه الكبير بالفرق المغربية وبالجمهور المغربي، فرحب مشكورا باستضافة « الاتحاد الاشتراكي» بمكتبه بمقر القناة، ساعة قبل انطلاق حلقة جديدة من الحلقات اليومية لبرنامجه الناجح. وكان اللقاء معه عفويا، صادقا، يترجم محبة أصيلة منه لكل ما هو مغربي ولرموزه الرياضية والفنية. { لك سمعة طيبة في المغرب، مثلما أن برنامجك المباشر «صدى الملاعب»، واحد من أكثر البرامج الرياضية متابعة في المغرب والعالم العربي.. وبعد فوزك مؤخرا بواحدة من أرقى جوائز التلفزيون في العالم، ( سلمت له في نهائي كأس القارات للفرق البطلة في العالم بأبوظبي)، نود من خلال هذا اللقاء، أن نرسم لقرائنا نوعا من الحوار البورتريه لمصطفى الآغا.. بالتالي، لنبدأ من البدايات: أين ولد الأستاذ مصطفى الآغا، وما قصته مع الإعلام الرياضي؟ إنك تعيدني إلى سنوات بعيدة.. أنا من دمشق بسوريا، من عائلة كبيرة العدد (11 أخا وأختا)، وفي عائلة الآغا هناك حضور وازن للأدب والكتابة وعلم الموسيقى. وما أذكره من طفولتي البعيدة، أنني كنت طفلا شغوفا بالقراءة، ولم أكن أخرج كثيرا إلى الشارع أو الحارة، مثل أقراني. الحقيقة كنت أحب العزلة أكثر. وأتمنى أن تصدقني، حين أقول لك، إنني في سن العاشرة، بدأت أقرأ الأدب الروسي العالمي، مثل تشيكوف وأخناتوف وغيرهما. ثم في مرحلة لاحقة شغفت بأرسين لوبين. بالتالي، ما أذكره أن طفولتي كانت جد منظمة.. { هل الأمر اختيار أم توجيه من العائلة؟ لا، هو طبع في. كنت ميالا للأدب. ومازلت أذكر كيف أنني بادرت إلى إنشاء مجلة حائطية بالإنجليزية في مستوى الإعدادي، وكانت تجربة نادرة حينها. والغريب أني كنت بعيدا عن الرياضة. وبعد حصولي على الباكالوريا، توجهت إلى دراسة الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق. خلال هذه المرحلة، كنت معروفا بحس انتباهي الشديد للمحاضرات، وكنت أدونها، وأبيعها بعد ذلك للطلاب. بالتالي، فقد وجدتني أكتب عن أسماء كبيرة مثل شكسبير وس. إليوت، ثم رواد الأدب الأمريكي والألماني. هذا الأمر أغناني كثيرا معرفيا. وحدث أن التقيت زميلا صحفيا هو ياسر عزالدين من الأردن، وأنا في السنة الأولى، فأخذني إلى مقر جريدة «الإتحاد»، فالتقيت رئيس تحريرها الأستاذ عدنان بوز رحمه الله، فطلب مني أن أكتب معهم، لحاجتهم إلى مترجم إنجليزي، وكان معهم عادل أبوشنب ، وهو شاعر سوري معروف. فالتحقت بهم. لكن، لابد من أن أخبرك أيضا، أنه خلال عطلي الصيفية، كنت أحرص على امتهان أعمال يدوية، مثل الحدادة والنجارة والصباغة، وعملت في مدينة ألعاب أيضا، ليس فقط للحاجة إلى المال، بل أيضا للحاجة إلى التجربة الحياتية. وهذا أمر أغناني كثيرا، لأنه سمح لي بالإنفتاح على تجارب إنسانية عديدة، وخبرت الناس كثيرا خلال مرحلتي الطلابية. مع توالي الأيام، وبحكم ترجمتي أساسا للأخبار المنوعة من الصحف الإنجليزية ومن وكالة رويترز، أصبحت مسؤولا عن صفحة المنوعات بجريدة « الإتحاد» السورية. ولقد بقيت فيها حتى التحقت مباشرة بقناة «إم. بي. سي.» بلندن في بداياتها. { كم بقيت فيها من سنوات إذن؟ ( بعد محاولة تذكر طويلة ).. والله أصبحت أنسى الكثير من التفاصيل، وأحيانا يحدث أن أنسى حتى اسم زوجتي ( ضحك ).. { قبل ذلك، أنهيت دراساتك الجامعية في الأدب الإنجليزي؟ نعم، وبتفوق. فعينت أستاذا في الجامعة. فأصبحت موظفا منتسبا إلى وزارة التعليم العالي، وليس وزارة الإعلام. ذلك أنني بقيت متعاونا مع يومية « الإتحاد»، وأنشط برنامجا تلفزيونيا بتلفزيون سوريا الوحيد آنذاك. ولقد تواصل الأمر حتى سنة 1992، حيث تدخل وزير الإعلام لدى وزير التعليم العالي، للسماح بإلحاقي إداريا بوزارته. فكان أن غادرت التدريس بالجامعة، بعد تجربة إعلامية غنية لي خلال ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1987 باللاذقية. وكانت تلك انطلاقتي التلفزيونية الحقيقية، لأنني كنت المعلق الوحيد على مباريات كرة القدم وكرة السلة. بعدها قدمت برنامجا تلفزيونيا باللغة الإنجليزية إسمه « سبورت ماغازين»، بالقناة الثانية السورية. بعدها برنامج «الأحد الرياضي»، الذي لا يزال موجودا إلى الآن. { هل زرت المغرب؟ ( قالها بمرارة ) لا.. { لماذا؟ المغرب والجزائر هما البلدان الوحيدان اللذان لم أزرهما بعد في كل العالم العربي. لكنني، جلت بلدانا عدة في العالم العربي وآسيا وإفريقيا، وغطيت كل الأنواع الرياضية، على امتداد 30 سنة. وواصلت كتابة مقالات في الصحف والمجلات. { إذن، مازلت تكتب إلى اليوم؟ أكاد أكتب في كل المجلات والجرائد العربية المتخصصة في الرياضة، الصادرة بالمشرق العربي. واليوم أكتب في حوالي 12 مطبوعة عربية، مثل «الشرق الأوسط» اللندنية و«الإتحاد» الإماراتية، و«الأيام» البحرينية، و« عكاظ» السعودية، ويومية «تشرين» السورية، وغيرها كثير. { حتى في المطبوعات المصرية؟ لا، في مصر لا.. لأن التعامل هناك إعلاميا مختلف. { هو محلي أكثر، وربما منغلق؟ أنا لم أقل شيئا.. { أنا أقوله.. المهم، متى التحقت بقناة « إم. بي. سي.» الفضائية؟ أي متى انتقلت من المحلي إلى الدولي؟ انتقلت إلى « إم. بي. سي.» سنة 1996، ومازلت فيها إلى اليوم. ولقد صادف حينها أن كانت منظمة دورة من دورات كأس الخليج، فعينت أنا ورئيس قسم جديد حينها إسمه مايك ديكسون، وكان رجلا محترفا من الناحية المهنية. ذلك، أنه بعد أن وقف على مستواي المهني، خاصة بعد تتبعي لكأس آسيا أيضا، عينني صحفيا رياضيا رسميا، ولم أغادر استوديو القناة إلى اليوم. ولقد تتبعت كل كؤوس العالم بعد ذلك. وأيضا كأس أمم آسيا، والعديد من التظاهرات الدولية الكبرى، كالألعاب الأولمبية والألعاب الشتوية، ومباريات التنس وغيرها. حتى وصلت إلى إعداد برنامج « صدى الملاعب». { هذا برنامج ناجح جدا اليوم. كم هي نسب المشاهدة؟ هي مهمة جدا، ومتقدمة جدا، لكنني غير مؤهل لإعطائك إياها. { تأكد أنني سأصل إليها بطريقتي!! ممكن. { كم تقدر عدد مشاهدي برنامجك مثلا في العالم العربي؟ أقدره ب 120 مليون عبر العالم. { هذا رقم مذهل؟ هو غير بعيد عن الحقيقة. { هناك سؤال مغربي محض الآن.. الذين يشاهدونك في المغرب، وهم كثيرون جدا، يلمسون في كلامك وحركاتك وملامح وجهك شغفا هائلا بالمغرب وبكرة القدم المغربية، خاصة فريق الرجاء البيضاوي وجمهوره... في بداية السبعينات، مباشرة بعد حرب أكتوبر، التي شارك فيها جنود أشاوس من المغرب، خاصة بطولتهم بجبل الشيخ، بدأت علاقتي ببلادكم ونجومها الرياضيين. لقد نظمت بطولة كأس القنيطرة بسوريا [ القنيطرة مدينة سورية توجد بالجولان السوري الذي جزء كبير منه محتل من قبل إسرائيل اليوم]، وبلغ النهاية المنتخبان المغربي والسوري. حينها تعرفت على نجومكم الكبار مثل أحمد فرس واعسيلة والهزاز... والذين تفرجت عليهم مباشرة وانتهت المباراة بضربات الجزاء. وكنت لا أزال صغيرا جدا في السن. كنا نعرف المغرب، من خلال أغنية «مرسول الحب» لعبد الوهاب الدكالي، ومن خلال أغاني ناس الغيوان وخاصة جيل جيلالة. بعد ذلك، توالت المعرفة والشغف بكرة القدم المغاربية، خاصة في نهائيات كأس العالم. أولا تونس سنة 1978 بالأرجنتين، ثم «الجريمة» التي ارتكبت ضد الجزائر في إسبانيا سنة 1982، ثم تأهل المغرب كأول دولة عربية وإفريقية إلى الدور الثاني في نهائيات المكسيك سنة 1986. بالتالي، فالحضور المغربي والحضور الجزائري كبير كرويا ورياضيا عندنا في المشرق العربي وفي سوريا. ومثلا، اليوم، حين تسمع عن موقف مروان الشماخ الرافض للعب في إسرائيل مع فريقه بوردو، فهذا هو المغرب، عنوان للشرف القومي والرياضي عندنا في المشرق. ثم حين تستحضر مسار لاعبين كبار مثل النيبت أو مادجر وغيرهما تشعر بالاعتزاز كعربي. فهؤلاء كانوا نجومنا العرب الكبار. ثم هناك تقارب ثقافي ووجداني غريب وكبير بين الشعب السوري والمغرب. نحن نفهم الكثير من لهجتكم وأغانيكم وأفلامكم. وأنا متأكد أن المغاربة يتواصلون جيدا مع المنتوج الفني السوري. وبلدكم والله يشكل عقدة لدي. فأنا أذكر، أنه في نهائيات كأس العالم بفرنسا سنة 1998، كنت أقول على الهوا عبارة علمني أحدهم إياها بعد فوزكم على سكتلندا، تقول: « داها داها، والله ما خلاها». ومن حينها ولدت علاقة حب وتقدير بيني وبين الجمهور المغربي الواسع. ولا يمكنني أن أتجاوز عن خصوصية مطبخكم المغربي، فأنا أذهب رفقة عائلتي دوما خلال رمضان إلى مطعم مغربي هنا في دبي، لأن أكلكم غني ولذيذ. { وما حكايتك مع الجمهور المغربي الذي دوما تشيد به في برنامجك؟ يا أخي، جمهوركم رياضي من النوع العالي. ونجومكم كانوا دوما أبطالا لدينا، منذ أحمد فرس، وعبد المجيد الظلمي، وبادو الزاكي وبودربالة، ثم عويطة ونوال المتوكل، وهشام الكروج في ألعاب القوى. فهذا رأسمال رمزي مهم لديكم. لكن، اليوم، حين تشاهد مباريات الرجاء أو الوداد أو الكوكب أو المغرب الفاسي، وتشاهد حرارة الجمهور وشغفه بالرياضة، تحبط من مستوى المنتخب المغربي. ثم جمهوركم يحضر بكثافة إلى الملاعب، وهذا ترجمان على أنكم شعب رياضة وفرح وإبداع رياضي، فحرام أن لا يكون المنتخب المغربي في مستوى ذلك الجمهور. فما يحدث لكم محزن. وصدقني، حين عشت في لندن كان حضور كشلول ويوسف شيبو لافتا، وحين كان الجمهور الإنجليزي يضع الطرابيش المغربية تقديرا لهما على عطائهما، كنت أشعر باعتزاز عربي لا حدود له وأقول لهم هذا من عندنا. فهذا هو دور الرياضة كإبداع وكلحظة للفرح. واليوم، والله لو جمعت لاعبين مغاربة وبدون مدرب، وقلت لهم إلعبوا، فإنهم سيلعبون أفضل مما نشاهده للأسف اليوم في المنتخب المغربي، أنتم شعب كرة ورياضة. ويكفي أن عندكم شابا خلوقا مثل هشام الكروج، والله ما رأت أطيب ولا أنبل من ذلك الفتى تواضعا ، وهو البطل العالمي والأولمبي. فهو قمة في الميادين، وقمة في الأخلاق. هذا هو رأسمالكم الذي يجب أن يبقى مشعا ومتواصلا.