«أنا مغربي لأني لا أملك هوية فأنا قبل الهوية». عبد الكبير الخطيبي قد يبدو من المبالغ فيه القول أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي أبدع مثقفيها بلغات متعددة. فإلى جانب العربية، الأمازيغية، الفرنسية والاسبانية هناك الانجليزية، الهولندية، الألمانية، الايطالية واللغات الاسكندنافية. كلها لغات يكتب بها كتاب من أصل مغربي. يشكل هذا التعدد غنى من دون شك للبلد الأصلي الذي هو المغرب ولبلدان الاستقبال المتعددة، وهذا الغنى يعكسه أيضا التعدد الثقافي واللساني الذي يعيشه المغرب، حتى أننا نفتخر اليوم بكون أن هناك أدب مغربي بلغات متعددة وإن كان بعض الكتاب في المشرق العربي لا يفهمون هذا التعدد. فالمغربي تتواشج في دواخله الثقافة العربية الاسلامية والأمازيغية و الافريقية دون أن ننسى البعد الاندلسي واليهودي. لا غرو أن الهجرة والموقع الجغرافي الاستثنائي للمغرب فتح أفقا للانسان المغربي كي يبدع بألسنة متعددة. فإذا كانت الفرنسية وإلى حد ما الاسبانية لأسباب تاريخية ارتبطت بالاستعمار جزء من الهوية المغربية إلى جانب العربية والأمازيغية لغات المغرب المتعدد، فإن لسان المغرب انغرس بشكل عميق في جذر اللغات الأخرى وبدأ أبناء الهجرة المغربية يبدعون في لغات أخرى منها الهولندية والألمانية والانجليزية والايطالية بل حتى اللغات الاسكندنافية شكل أفقا آخر للكاتب المغربي من أجل تعزيز حضوره في شجرة الآداب العالمية. أينما وليت وجهك تمة مبدعون مغاربة يكتبون بلغاتهم المتعددة فبغض النظر عن فرنسا التي استقر فيها الأولون ونسجوا نصوصهم إما باللغة العربية أو الفرنسية فهناك معابر أخرى سلك منها المبدعون المغاربة أو من أصل مغربي. فحتى فرنسا تشهد ثورة حقيقية من أسماء جديدة تفرض نفسها بتؤدة في المشهد الثقافي الفرنسي. فإلى جانب المبدعون الأوائل الذين أتثوا المشهد الثقافي الفرنسي من أمثال الشرايبي، خير الدين، بن جلون، اللعبي، المديني وأفيلال الذين كتبوا في سياق ثقل ثقافي و تاريخي رهنتهما العلاقة الاستعمارية بين فرنسا والمغرب، فإن هناك جيل آخر نسج نصوصه بعيدا عن هذه العلاقة منهم سهام بوهلال، محمد حمودان، عبد الله الطايع، سليم الجاي، عبد الاله الصالحي، محمد غرافي، فريدة العاطفي، حليمة حمدان، المعطي قبال، حنان درقاوي، محمد المزديوي. وفي الاطار نفسه يمكن الحديث عن الكتاب المغاربة في اسبانيا كنجاة الهاشمي والتي تصنع اسمها على مهل، بل إنها بدأت تحصد الجوائز دون أن ننسى القاص المغربي نبيل دريوش. ألمانيا هي الأخرى التي تستعد للاحتفاء بمرور نصف قرن عن الهجرة المغربية في بلاد الجرمان هي الأخرى تفسح المجال بين الفينة والاخرى عن أسماء في سماء الابداع. لابد من الاشارة إلى أن أول نص ألماني لكاتب من أصول عربية، هو لكاتب مغربي اسمه مصطفى الحجاج بعنوان « من القرد الذي يبحث عن تأشيرة». هي أسماء قليلة غير أنها تنقش اسمها تدريجيا في سماء الابداع الألماني فسواء ادريس الجاي الذي يضفي على ثراثنا الشفوي بعدا آخر عبر الترجمة أو الحلقة، أو عبد اللطيف بلفلاح القادم من عمق عبدة، أو عبد اللطيف يوسفي الذي أثار الإنتباه له من خلال أعماله القصصية، أو رشيد بوطيب الروائي الغارق في سلاسة الفلاسفة، كلهم كتاب يكتبون بأناقة كبيرة. إنها كتابة خارج التصنيف. هم وأخرون من أمثال وردة صافو، نور الدين بلهواري و الشاعرة الشابة ريم نجمي التي التحقت منذ نهاية السنة الماضية بكوكبة كتاب المهجر . لا غرو أن الكتاب المغاربة المنتشرين في بقاع العالم يشكلون قيمة مصافة لجغرافية الابداع المغربية المتعددة اللسان وان كانت المسيرة واضحة في فرنساوهولندا وبلجيكا وإلى حد ما ألمانيا، فإن عددا من الأسماء ترسم عوالمها وتطرزها على مهل في بقاع أخرى من الكوكب الأرضي. في الولاياتالمتحدةالامريكية هناك أسماء من أمثال القاصة فدوى مساط، خالد سليكي، نجوى المجاهد ليلى العلمي، وفي كندا هشام فهمي وعبدالرحمن بكار، دون أن ننسى عمر منير في جمهورية التشيك، وزكية خيرهم في النرويج. ولا يسعنا إلا أن نقف اجلالا لروح محمد لفتح الذي عاش ووافته المنية في أرض مصر. إنهم ألسنة المغرب المتعدة فسواء كتبوا بالعربية أو الفرنسية أو لغات بلد الاستقبال فمن دون شك إن نصوصهم هي قيمة مضافة للبلد الأصل وبلد الاستقبال. ينسجون نصوصهم ضمن أفق المغرب المتعدد المفتوح على آفاق أخرى أو كما سبق لعبد الكبير الخطيبي أن قال «أنا مغربي لأني لا أملك هوية فأنا قبل الهوية». * في الصفحة الثانية «كالب هولندا أو الهوية داخل الأدب