تضمنت الإحصائيات الرسمية حول ما صار يعرف باسم «حرب الطرق» معطيات تؤكد أن عدد قتلى حوادث السير المسجل خلال سنة 2009 ارتفعت إلى ما يزيد عن 4000 قتيل، أي بزيادة بلغ معدلها 6,45% كما أن عدد الجرحى فاق 103000 مصاب، أما عدد الحوادث فارتفع بنسبة 18% ليصل إلى حوالي 69 ألف حادثة. الحصيلة المعلن عنها رسمياً تعني أن معدل قتلى حرب الطرق ارتفع من 10 في اليوم إلى حوالي 11 في اليوم، وتعني كذلك أن الحصيلة العامة للسياسة المنتهجة في هذا القطاع سلبية وتحتاج إلى مراجعة جذرية لوضع الأصبع على كل أماكن الخلل مع الحرص على معالجة كل منها وفق مخطط شمولي يضع حماية أرواح مستعملي الطرق فوق كل اعتبار. الإقرار بتزايد عدد ضحايا حرب الطرق فيه إقرار ضمني بمحدودية دور حملات محاربة تجاوز السرعة القانونية بواسطة الرادارات العالية التقنية وبعدم نجاعة الرفع من نقط المراقبة، وفوق كل هذا فيه إقرار بأن منح اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير ميزانية بحوالي 4,5 مليار درهم لم يسفر عن تقليص الكلفة المادية لحوادث السير التي تحمل الخزينة خسارة تقدر قيمتها بحوالي 11 مليار درهم في السنة ولم يسفر عن تقليص الكلفة الاجتماعية الناتجة عن ارتفاع عدد اليتامى والأرامل والمعطوبين. عند استحضار البلاغات طيلة سنة 2009 يتضح أن السبب الحقيقي في ارتفاع معدل القتلى إلى حوالي 11 في اليوم ناتج عن حوادث السير التي يتسبب فيها النقل العمومي من حافلات وشاحنات وسيارات أجرة، وهذا معناه أن السياسة المعتمدة في تنظيم النقل العمومي أسفرت عن نتائج عكسية، حولت كل مستعملي الطرق إلى ضحايا محتملين بمن فيهم السائقون الذين لا يكتفون بتفادي ارتكاب الأخطاء وإنما يحرصون على تفادي أخطاء الآخرين. الحصيلة الكارثية المعلن عنها تقتضي من كل مستعملي الطريق، وخاصة منهم السائقين، المزيد من الحدر والتركيز، ولكنها تقتضي في نفس الوقت الكف عن تبرئة ذمة بقية الأطراف وخاصة منها الوزارة الوصية وباقي المصالح المعنية ببناء الطرق وبتنظيم حركة المرور. إن مظاهر تردي شروط السلامة الطرقية تتجلى بشكل خاص في العديد من «المنجزات» الحديثة مثل تلك التي حولت الطريق الشاطئي الرابط بين المحمدية والرباط من طريق وطنية قادرة على التخفيف عن الطريق السيار من حدة الازدحام إلى طريق عاجزة حتى عن استيعاب سيارات رواد المحطات السياحية التي أقيمت بجنباتها، كما تتجلى في غياب الصيانة الذي طال حتى ملتقى الطرق القريب من القنيطرة في اتجاه طنجة والمعروف بالنقطة الكيلومترية رقم 9. إن التخفيف من حدة «حرب الطرق» لا يتم بسن قوانين صارمة على غرار «مدونة السير» وإنما يتم بتوفير البنيات والعلاقات التنظيمية القابلة للتطبيق، فالتوفيق بين الرفع من انسيابية حركة المرور وبين فرض احترام القانون يمر بالضرورة عبر مخطط شمولي يحد من مخاطر الطرق دون أن يقلص من قدراتها على المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذه مسؤولية تتقاسمها كل الأطراف.