يعجبك بعض مسؤولي الدار البيضاء وهم يجلسون في الصفوف الأمامية خلال المناظرات والندوات الوطنية حول البيئة، بل منهم من يرفع يده للتدخل والدفاع عنها، أو يقدم تصريحات عبر القنوات تهم «الخضرة» والمنتزهات، لكن حين تلقي نظرة على برامج ومشاريع هؤلاء لا تجد فقرة في الموضوع، قد تجد ما تشاء: قطع الغيار، الأسلاك، لكويحة، البوجيات، ليصانص، السيما، الدوليو... ولن تجد اسم نبتة في هذه البرامج والمخطوطات. الدارالبيضاء هي المدينة الوحيدة التي تقتلع فيها الأشجار وتغرس مكانها لوحات إشهارية، التي أضحت مؤثثا أساسيا للشوارع بعد أن أزاحت الاشجار وعلامات التشوير وأعمدة خرائط المدينة التي من المفروض أن يكون لها مكان، كما هو حال كل مدن العالم. وعلى ذكر اللوحات الاشهارية، فإن خزينة المدينة لا تستفيد من أموالها كاملة وتكلف إنارتها الملايين تقتطع من جيوب الساكنة.. وهذا موضوع آخر. الدارالبيضاء أيضا هي التي لم تحدث فيها حديقة إضافية لما ورثناه عن المعمر الفرنسي، «كجردة مردوخ» وحديقة الجامعة العربية، ومجمل الحدائق التي أحدثت أصبحت مصدرا للزوابع الترابية بفعل الإهمال وعدم الاهتمام، لأن أهم لحظة فيها هي التدشين، وبعد يوم التدشين لكل عين مسؤولة هندستها فيها، هناك من يراها عمارة وهناك من يراها مقهى وما شابه، المهم أن العين مؤطرة بالاسمنت ولاشيء غيره. هناك أسلوب جديد في «التحايل» على الأراضي من طرف بعض المنعشين حيث تجد أن صاحب مشروع سكني، يعد ببناء حديقة ومدرسة وغيرهما من المرافق، وبالفعل يترامى على أرض إضافية ويحدث فيها حديقة، لكن بعد أيام تجده عاود بيعها أو رسم لها «بلانْ جديدْ» لتحويلها الى عمارة، «بتواطؤ» مع العيون الساهرة على المجال، وغيرها من الحيل الكثيرة. الجميل في هذا كله، أننا لا نحث هؤلاء على تشييد إقامات وعمارات في المستوى حتى نحصل على بناء هندسي موحد للمدينة، على الأقل إذا لم نجد الحدائق والمنتزهات، نجد «الحيوط مرتبة»، ولا نمنعها من الترامي على المتنفسات. يبدو أنه لم يعد هناك من حل لهذه المعضلة مادام العشق للآجور لدى غالبية «الدوماليين» هو السائد، اللهم أن نطلب منهم بناء حدائق فوق العمارات، إذ قد تدفع هذه الفكرة بالتقدم الى الأمام، لأن المتنزه سيبحث عن وسيلة متطورة للتجول فوق السطوح وسيرقى فكره الى التفكير في شراء حوامة، ومن ليس له المال، ربما سيجتهد لصنع أجنحة! وقد سبق لأحد المهندسين في البيضاء، أن هندس حيا بكامله لن «يقشع» حتى القاطن فيه مداخله ومخارجه، ولما سُئل عن «عربزته» أجاب: إذا نظرتم من الطائرة ستجدون أنه يظهر من فوق على شكل وردة!