من مفارقات الديمقراطية المحلية على مستوى الجهة، و دون الخوض في البعد المالي، هو الاعتراف الدستوري لهذه الأخيرة بصفة الجماعة المحلية التي تتطلب استقلالا إداريا و ماليا و اعترافا بالصلاحيات التداولية و التنفيذية من جهة، و محدودية دورها وخاصة منتخبيها مجسدين في رئيس المجلس الجهوي من جهة أخرى. حيث يتضح من خلال استقراء النص القانوني هيمنة شبه مطلقة للوالي على مستوى صلاحيات التنفيذ داخل الجهة، فضلا عن الدور الوصائي المزدوج اتجاه الرئيس و قرارات المجلس، و هو وضع يتناقض مع مباديء الديمقراطية المحلية و متطلبات دعمها، و يفترض مراجعته في أفق توسيع و تعميق المشروع الجهوي بالمغرب. وضعية صلاحيات التنفيذ بالجهة تتوزع صلاحيات التنفيذ بالجهة بين كل من العامل و الرئيس، بالرغم من أن الجهاز التنفيذي الأساسي هو العامل. * صلاحيات العامل: من أبرز هذه الصلاحيات التي تعتبر عنصرا حاسما في الاعتراف لهيأة ما بصفة الجهاز التنفيذي هي الأمر بالصرف، و في هذا الإطار فإن الآمر بالصرف بالجهة، بموجب مقتضيات التنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها، هو عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة، بينما الآمر بالصرف بالجماعات الحضرية و القروية هو رئيس المجلس الجماعي، و صفة الآمر بالصرف تؤهل العامل لتحضير و تنفيذ ميزانية الجهة و أيضا الحساب الإداري، و كذا الأمر بالاستخلاص و الإنفاق. إضافة إلى الأمر بالصرف، فإن العامل يعد الجهاز التنفيذي لقرارات المجلس الجهوي، حيث يختص باتخاذ تدابير التنفيذ، و على الرغم من ضرورة استشارته للرئيس في ذلك و ضرورة توقيع الرئيس بالعطف على هذه التدابير، فإن العامل بإمكانه في حالة رفض التوقيع من طرف الرئيس الاستغناء عن ذلك و إصدار الأمر بالتنفيذ. كما أن العامل هو الممثل القانوني للجهة أمام مختلف الهيآت القضائية بالمملكة. و هذه الصلاحيات المخولة للعامل، و خاصة صلاحيات التنفيذ، أقر القانون في مواجهتها إمكانية إخضاعها للرقابة و المساءلة، سواء من قبل الرئيس أو من قبل المجلس عبر الرئيس، حيث يتوجب على العامل إخبار الرئيس بالتنفيذ أو إخبار هياكل المجلس (المكتب، مندوبي اللجان) بطلب من الرئيس بحالة تقدم التنفيذ. إلا أن أهم أشكال الرقابة الممارسة من قبل المنتخبين في الجهة هي المتعلقة بمراقبة مدى مطابقة تدابير التنفيذ مع قرارات المجلس الجهوي، و هي رقابة تتم إثارتها إما بمبادرة من الرئيس أو من ثلث أعضاء المجلس، و تتمثل في توجيه المجلس طلب إيضاح إلى العامل بخصوص عدم تطابق هذه التدابير مع قرارات المجلس، و بالإمكان في حالة عدم الجواب في ظرف ثمانية أيام أو في حالة عدم الاقتناع بالجواب تقديم ملتمس بالأغلبية المطلقة للأعضاء إلى وزير الداخلية، غير أن هذا الملتمس يرفع من قبل العامل نفسه، حيث تتم الإجابة على هذا الملتمس في ظرف شهر، و بإمكان المجلس بعد ذلك إحالة الأمر على المحكمة الإدارية للبث فيه. كما أن بإمكان أعضاء المجلس الجهوي خلال الدورات العادية مساءلة العامل في جلسات عمومية بطلب من الرئيس. هذا فضلا عن الصلاحية المعترف بها للمجلس الجهوي، على غرار مختلف المجالس التداولية، للبت في الحساب الإداري المقدم من العامل. و يتضح من خلال مختلف أصناف الرقابة و المساءلة التي يخضع لها العامل أنها تتم من قبل المنتخبين عموما، بينما يمارس فيها الرئيس دور الوسيط الإجرائي أو المسطري. * صلاحيات رئيس المجلس الجهوي: يبرز من خلال المقتضيات القانونية المتعلقة بصلاحيات الرئيس أنها تنحصر أساسا في صلاحيات التنظيم للدورات و الجلسات، و من تم فهي أقرب إلى مهمة كاتب عام منها إلى مهمة رئيس للمجلس. و هكذا يختص الرئيس بإعداد النظام الداخلي للمجلس الجهوي باتفاق مع المكتب، لكنه يعرض على المجلس للتصويت عليه ليحال لاحقا على سلطة الوصاية من أجل المصادقة. كما يقوم الرئيس بإعداد جدول أعمال دورات المجلس بتعاون مع المكتب ، إلا أنه ملزم بتبليغه إلى العامل الذي يمتلك صلاحية اقتراح إدراج مسائل إضافية. و عند حصر جدول الأعمال النهائي فإن الرئيس يوجهه إلى العامل قبل افتتاح الدورة بخمسة أيام على الأقل. و من صلاحيات الرئيس هو السهر على النظام أثناء جلسات المجلس و يمتلك بالتالي صلاحية الطرد في حق المتسببين في الإخلال بالنظام، غير أنه و حتى في هذه الصلاحية يمكن الاستنجاد بالعامل في حالة تعذر إقرار النظام. و يعين الرئيس مندوبين لرئاسة اللجان الدائمة، و تكاد تكون هذه الصلاحية الوحيدة التي لا تتطلب تدخلا من العامل أو سلطة الوصاية. كما يمارس الرئيس دور الوسيط بين المجلس و العامل عند توجيهه لنسخ من قرارات المجلس إلى العامل لتنفيذها، بالرغم من أن هذا الأخير يمتلك حق التعرض المعلل اتجاه القرارات التي لا تتطلب مصادقة وصائية و ذلك في حالتي البطلان (موضوع خارج اختصاصات المجلس، مخالفة القوانين، عدم تعليل رفض الحساب الإداري...) أو قابلية الإبطال (مثلا القرار الذي شارك فيه منتخب يهمه بصفة شخصية أو كنائب). و في معرض تنظيم الرئيس لدورات المجلس فإن بإمكانه أن يطلب من وزير الداخلية عبر العامل (كما يمكن للعامل أن يقوم بهذا الطلب بشكل منفرد) إعلان استقالة العضو المتغيب لمرتين متتاليتين دون سبب مقبول من المجلس أو الممتنع عن القيام بالمهام المنوطة به و ذلك بعد السماح له بتوضيح موقفه. بينما يلاحظ أن الاستقالة الاختيارية لأعضاء المجلس توجه إلى العامل دون الرئيس الذي يرفعها بعد ذلك إلى وزير الداخلية. و من أبرز اختصاصات الرئيس الإدارية وظيفة التعيين، حيث بإمكانه تعيين كاتب عام و أيضا مكلفين بمهام أو بالدراسات لمؤازرته، سواء في إطار وضعية إلحاق أو عبر التوظيف المباشر بموجب عقدة، بالرغم من ضرورة التأشير عليها من طرف العامل، هذا الأخير يتدخل أيضا في تحديد عددهم. و هذه الأطر المعينة بإمكان الرئيس، على غرار العامل، استدعاءها لحضور الجلسات. و يمثل الرئيس المجلس في المؤسسات العمومية ذات الطابع الجهوي، كما يستعين في ممارسة اختصاصاته بالمصالح الخارجية لمختلف القطاعات الوزارية و لكن بتدخل من العامل. و هكذا تكاد تتطلب صلاحيات الرئيس في مجموعها تدخلا من العامل. و فضلا عن إمكانية توقيف الرئيس بقرار وزاري أو عزله بمرسوم، فإنه يخضع للمراقبة من طرف العامل الذي يمكنه، في حالة رفض الرئيس أو امتناعه عن القيام بمهامه، التماس الوفاء بواجبه، و في حالة الإصرار يحل العامل محله و يقوم بها بشكل تلقائي. و عموما، فإن علاقة الرئيس بالعامل يطغى عليها طابع الاختلال لصالح هذا الأخير، حيث يحتكر وظائف التنفيذ و الأمر بالصرف، بينما يقتصر دور الرئيس على مهام إجرائية، على الرغم من كونها لا تخلو بدورها من تدخل أو إشراك للعامل، و أبرز تجليات ذلك هو حضور العامل على يمين الرئيس في الجلسات و إمكانية تقديمه ملاحظات. إن الوظائف المحدودة للرئيس، و باستثناء بعض المهام الجد محدودة، تجعله بمثابة رئيس جلسات عوض رئيس مجلس. نحو إعادة توزيع الصلاحيات بين الرئيس و العامل بغض النظر عن المسلسل الذي أطلقته المبادرة الملكية لتوسيع و تعميق التجربة الجهوية، هناك مجموعة من المعطيات و الاعتبارات تفترض مراجعة الصلاحيات المخولة لكل من العامل و الرئيس، من خلال ضرورة منح صفة الجهاز التنفيذي لرئيس المجلس الجهوي عوض العامل و تأهيله للأمر بالصرف، و تتمثل في العناصر التالية: * اعتبارات الديمقراطية المحلية إذا كان من الطبيعي أن يكون العامل هو الآمر بالصرف على مستوى العمالات و الأقاليم، فإن الأمر غير ذلك على مستوى الجهات، فالنص القانوني اعتبر أن الأولى يتولى تدبير شؤونها مجلس منتخب، بينما على مستوى الجهات اعتبر أن تدبير شؤونها يتولاه بحرية مجلس منتخب بطريقة ديمقراطية، فكأن النص أراد التأكيد على حضور اعتبارات الديمقراطية في تدبير الجهات من خلال تكرار عبارات الحرية و الديمقراطية في نفس المادة. * المقارنة بوحدات محلية أخرى حيث لا يستساغ منح رئيس لجنة التعاون المشتركة بين الجهات صفة الآمر بالصرف، والحال أنها إطار أدنى من الجهة باعتبارها شكل من أشكال التعاون بين الجهات، بينما لا تمنح نفس الصفة لرئيس المجلس الجهوي. كما أن الجهة كامتداد للديمقراطية المحلية، التي تجسدها الجماعات الحضرية و القروية، تتطلب إدراجها في نفس سياق هذه الديمقراطية و منحها نفس الاختصاصات المخولة للأخيرة. * محدودية الاختصاصات و الموارد إن التخوف من تخويل الرئيس لصلاحيات التنفيذ يزول أمام محدودية الاختصاصات المخولة للجهات عموما، التي هي أثر مترتب على ضعف حجم الموارد و خاصة الذاتية (هناك ثلاثة رسوم فقط مخصصة للجهات في قانون جبايات الجماعات المحلية)، و بالتالي هزالة النفقات، حيث لا يمكن مقارنتها بمالية الجماعات الحضرية و القروية. هذه الأخيرة رغم أهمية عملياتها المالية مقارنة بالجهات، يتمتع فيها الرئيس بصفة الآمر بالصرف و بصلاحيات واسعة في التنفيذ، و بالتالي فمنح مثل هذه الصلاحيات لرئيس المجلس الجهوي يكون من باب أولى. و هذا التخوف يزول أيضا أمام وطأة الوصاية و كذا أصناف الرقابة المختلفة التي تخضع لها الجماعات المحلية عموما، سواء كانت جماعات حضرية و قروية أو جهات. (*) أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمكناس