زادت حقينة مجموع السدود المغربية يوم الاثنين 18 يناير الجاري بحوالي 4 ملايير متر مكعب من الماء عن المستوى المسجل في نفس التاريخ من السنة الماضية. غير أن ارتفاع الحقينة الى ما مجموعه 14 مليار و 152,8 مليون متر مكعب، في ظل ظرفية اضطرت فيها الوزارة الوصية الى تفريغ الملايير من الأمتار المكعبة في الأنهار ومنها إلى البحر، بل وإلى المناطق السكنية والحقول الزراعية، صار يشكل في نفس الوقت مصدر اطمئنان وبهجة ومصدر تخوف وتهديد. هيمنة الاطمئنان والبهجة تأكدت بعدما تهاطلت الأمطار بغزارة وملأت السدود وغذت الفرشة المائية لدرجة أن بعض مناطق سوس ماسة التي كانت تواجه مخاطر الجفاف والتصحر ارتفع فيها علو الماء بحوالي 3 أمتار، أما الحقول، فقد ارتوت بما يكفي، وحتى تلك التي كانت تواجه مخاطر الضياع بفعل تحولها إلى برك مائية، استعادت حيويتها مباشرة بعد بزوغ الشمس وهبوب الرياح، وقد صار الفلاحون يراهنون على إنهاء الموسم الفلاحي بجني محصول يزيد عن المعدلات المعتادة دون أن يصل إلى المستوى القياسي المحقق في الموسم السابق. أما الخوف فيظل قائماً لأن الخسائر الفادحة التي تكبدها العديد من سكان وفلاحو جهة الغرب شراردة بني احسن للسنة الثانية على التوالي أبانت عن سوء تدبير جلي للموارد المائية وعن غياب توجهات استراتيجية تؤمن تعميم الاستفادة من الأمطار المتهاطلة وتحمي من وقوع خسارات في الأرواح والممتلكات، فتوقف الأمطار عن التهاطل لا يعني أن مخاطر الفيضانات في الغرب قد انتهت، بل على العكس من ذلك، فإن ذوبان الثلوج، التي بلغ علوها في بعض المناطق 4 أمتار يساعد على استقبال السدود الممتلئة كالقنصرة والوحدة وادريس الأول لحمولات من الماء تزيد أحجامها عن الكميات المسموح تقنياً بتفريغها، وفي غياب معطيات تحدد بشكل مدقق الكميات المرتقب تدفقها في السدود وموعد تدفقها، فإن كل الاحتمالات تبقى واردة. من حق السلطات المعنية بتدبير قطاع الماء أن تبرز فوائد ارتفاع معدل حقينة السدود الى حوالي 90% ولكن من واجبها كذلك أن توضح الأسباب التي حالت دون تفادي الفيضانات، وأن تبين للمنكوبين وللمهددين بارتفاع منسوب الوديان ولمن وضعوا في حالة تأهب قصوى، طبيعة السيناريوهات المرتقبة والخسارات المحتملة في كل من هذه السيناريوهات والوسائل المتاحة لتفادي المزيد من الخسائر. كم كان بود كل المغاربة أن يستبشروا بارتفاع المعدل الإجمالي لامتلاء السدود إلى 90%، ولكن مخاطر امتلاء السدود التي تغذي سبو وبهت وورغة إلى ما يزيد عن 100% تعكر صفو فرحتهم وتجعلهم أشبه بمن يتزامن يوم عرسه مع وقوع كارثة لفئة من أهله وذويه، فكما أن للماء فوائده، فإن له أيضاً مخاطره، ومن لا يتقن علوم تدبير الماء لا يحق له أن يتطاول على قطاع أساسي للحياة ولتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكنه في نفس الوقت، قابل للتحول إلى كارثة إنسانية وبيئية، لأن ما تقتله الشمس يمكن أن يحيى بالماء أما ما يقتله الماء، فلا يمكنه أن يحيى بالشمس.