كاظم! »لك وحشة« ومرحبا بك في المغرب امتداد وطنك العراق المتألم وتحديداً في مدينة الدارالبيضاء في هاته الأمسية الفنية التي عودتنا على مثيلاتها الفرقة المغربية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو صلاح الشرقاوي. نعم ستكون أمسية الجمعة 22 يناير الجاري موسيقية راقية، لأن مكوناتها لا يمكن أن تؤكد إلا ذلك وكما تصر على أن تقول/ تغني »أشهد« في زمن أضحى فيه الطرب العربي الأصيل مهدداً بالتهريب إلى عوالم الاغتراب من جهة، وبتجفيق ينابيعه تمهيداً لإنزالات غوغائية لا شرقية ولا غربية يكاد ضجيجها يذهب بالآذان والأذواق من جهة ثانية. كاظم لن يكون فقط في هذه الأمسية مجرد صوت عربي يؤدي مقطوعات منها ما ألفناه ونختزنه في أذواقنا وفي مخيلاتنا المنفتحة على الغزل والشدو، بل سيكون أولا وقبل كل شيء كاظمَ الغيظ والحزن العراقيين والساهر على تدوين زمن انهيار العراق ومآسي العراق. إذ مهما ترنح به النغم في أجواء المنظومة اللحنية العربية عزفاً ونصوصاً، فإنه سوف لن يكون في عيوننا وآذاننا وضمائرنا، إلا ذلك العراق/ المأساة الذي »استوطن الأغراب، بلداته« وفي ناصيتها بغداد التي تئن كرادتها وشوارعها من السعدون إلى فلسطين إلى أبي نواس ومآذنها من الكاظمية إلى مولاي عبد القادر الجيلالي. وسوف لن نطلب إليه ونحن نستمع إلى إبداعاته، إلا أن يكون ويظل ذلك النشاميُّ الذي يلهج باكيا بالكلمة واللحن (بصيغة الانتشاء) مآسي أرض الرافدين مياها ونخيلاً وما عانته ولاتزال من ترسبات الغزو الامبريالي وتخريب ممنهج للقيم التراثية المجسمة والمكتوبة والمرسومة، والتي لا تترسل مياه دجلة والفرات إلاَّ دموعا لا تنضب على مآلها، بقدر ما تترسل على خدود الأمهات الثكالى والأرامل والأيتام في »تحدياتك« إنسانية وبطولية.هي أصلا أمسية للفرح، لكن حتى وإن كان النغم مَهْرباً للاستمتاع، فإن مضامين القطع التي سيلهج بها كاظم هذه الليلة، ستجد نفسها مجبرة حتى وإن حاولت أن تكون غير ذلك على استحضار العراق شعباً وتراثاً وقيماً منهارة تفرض على كل عربي ضريبة الألم والحسرة والاستذكار، وهو استذكار له قاموسه ومعجمه الفني في أصوات كتاب وشعراء بغداد والبصرة والكوفة والنجف تكتب يومياً وعلى وتيرة تدفق مياه الرافدين »هوايا« قصائد/ شهادات/ مراثي تؤكد أن الفرح ليس هو المفقود في العراق في بيوتها وأسواقها ومعاهدها ومساجدها وكنائسها، بل المفقود هو الأمل، الأمل في ماذا؟ أجب أيها الكاظم الساهر وإنا إليك لمنصتون أوفياء ومع »تحدياتك« متضامنون.