ما أن يتجاوز المرء القنطرة المؤدية صوب غابة بوسكورة حتى يلمح على طرف الطريق وإلى غاية المدخل الرئيسي للغابة، أشخاصا يصطفون الواحد جنب الآخر، رجالا ونساء، شابات وشبانا، بعضهم يعرض الخبز للبيع والبعض الآخر البيض واللبن والزبدة البلدية دون إغفال «المسمن» و «البطبوط». مواطنون من قاطني المنطقة يستغلون فرصة تواجد أشخاص/أسر يرغبون في التريض أو التجول والنزهة بالغابة يومي السبت والأحد وخلال أيام العطل للقيام بهذا النشاط «المدر» للدخل البسيط، بحثا عن دراهم معدودة «تسد» الخصاص والعوز الذي يعيشه أغلبهم ممن يعانون من العطالة ولاموارد قارة لهم باستثناء بعض الأنشطة البسيطة التي تبقى هي المصدر الأساسي للرزق. المشهد ذاته يتكرر داخل الغابة وإن بشكل آخر، حيث تنتصب مجموعة من «الخيام» عبارة عن بعض الأغصان وأسمال بالية وأجزاء من الحصير أو البطانيات «المتهالكة»، التي يتم تشكيلها كي تستغل كفضاء بسيط يمكن الالتجاء إليه اتقاء حرارة الشمس وأشعتها أو مياه الأمطار، بينما يتم وضع بعض الطاولات ومجموعة من الكراسي تسمح للزائرين بالتحلق حولها لتناول كوب شاي وبعض الفطائر «المسمن» المدهونة بالزبدة البلدية، وبعض البيض المسلوق أو تناول طاجين في وجبة الغداء. أسر بأكملها تتجند لاستقبال زائري غابة بوسكورة، البعض يجلب المياه أو ينظف المكان، والبعض الآخر يعد الشاي، والسيدات يعجن العجين ويطبخن، والهدف واحد: «خدمة الضيوف» والبحث عن دراهمهم التي ستكون عونا لهم على الحياة وتبعاتها اليومية، بينما يفضل البعض الآخر طهو الذرة المقلية وبيع البالونات وعلب «الشيبس» والبسكويت، وإعداد «مراجيح» خاصة كفضاء للعب بالنسبة للأطفال، ويافعون يعرضون عليهم ركوب الحمير والخيل والقيام بجولة لايشترطون لها أجرا بل ينتظرون أريحية آباء الأطفال وذويهم. فئات اجتماعية فقيرة وبسيطة «استثمرت» في فضاء غابوي هو الآخر يحبل بالعديد من المشاكل، «استثمار» بوسائل شخصية لم تحرك ساكنا في القائمين على مجال التنمية البشرية للقيام بمبادرات من شأنها تأهيل الفضاء ومنحه المزيد من الجمالية والقيمة المضافة كي يرتفع الاقبال/الطلب عليه، ومساعدة «أصحاب» المكان من خلال منحهم خياما في المستوى وطاولات وكراسي من أجل توفير بنية لاستقبال لائقة ، فقيم المبادرة الوطنية ومبادئها ظلت بعيدة عن متناول باعة «المسمن» واللبن ببوسكورة الغابوية وانعدمت آثارها ،اللهم أطلال مشروع متعدد الاختصاصات وخمس خيام وزعت سابقا على بعض المحظوظين واستثُني الآخرون منها ، ليلجأوا إلى الحصير والأغصان!