العثور على مكان شاغر لركن السيارة قبالة سوق «الكلب» بملتقى محج محمد السادس وشارع أبي شعيب الدكالي، يعد أمرا صعبا وشاقا، فالمنطقة ومحيطها يعرفان إقبالا كبيرا للمواطنين/ الزائرين، الراغبين في قضاء مآرب مختلفة، كما تعتبر محطة لوقوف سيارات نقل البضائع المتوسطة والشاحنات مما يجعلها دوما تعيش حالة من الاكتظاظ والجلبة. وما يزيد من تفاقم حدة العرقلة ودرجتها، جحافل سيارات وشاحنات الجر «الديباناج» التي تتوقف في كل مكان وبأي شكل من الأشكال غير متوجسة، مادام العقاب لا يطالها لكونها «بنت الدار»! حركة و«نشاط» مع وقف التنفيذ.. رغم كون اليوم هو يوم السبت ثامن أيام شهر الصيام، والساعة لم تتجاوز عقاربها العاشرة صباحا، فإن ذلك لم يمنع من تواجد حركة دؤوبة بالمنطقة، التي يؤثث جنباتها، انطلاقا من مقر الوقاية المدنية صوب تقاطع الشارع مع محج محمد السادس، عشرات الباعة المتجولين من أصحاب «الفرَّاشات» الذين استقروا بالمكان وأحدثوا ثقوباً بأرصفته حتى يتسنى لهم نصب الواقيات الشمسية للاحتماء بها من أشعة الشمس. يصطفون الواحد جنب الآخر، معظمهم أشخاص تجاوزوا عقدهم الرابع، يزجون الوقت من خلال الاستماع للمذياع، أو قراءة القرآن، في حين كان بعضهم يستحضر ذكريات قديمة مرتبطة بفترة الشباب، أحاديث لم تمنع بعضهم عن ثني أحدهم كان يحاول البحث له على موطئ قدم بالقرب منهم من أجل بسط سلعته، بدعوى أن المكان/ «لبلاصة» يخص شخصا آخر سيحضر بين الفينة والأخرى. مواطنون بسطاء لم تمنع الابتسامات التي كان يرسمها بعضهم على شفاههم من إخفاء الحزن الذي تفضحه نظراتهم، والمعاناة المحفورة على قسمات وتجاعيد وجوههم، والتي تترجمها نوعية السلع التي يعرضونها، فمعدودة هي على رؤوس الأصابع تلك الصالحة للبيع، أما السواد الأعظم منها فيعبر عن بؤس أصحابها وحاجتهم، إذ يصعب على المرء أن يستوعب أن هذا النوع من «السلع» له زبائن يقتنونه ! سوق بمواصفات خاصة! ما أن تتجاوز أقواس الواجهة الأمامية «للسوق» بخطوة أو خطوتين، حتى تجد في استضافتك أكياسا بلاستيكية سوداء وركاما من النفايات والأزبال المتناثرة ذات اليمين وذات الشمال. أزبال تأبى إلا أن تكون في استقبال زائري السوق عند الدخول ولدى الخروج أيضاً، فحضورها طال حتى الباب الخلفي الصغير المطل على سوق العيون، ونفايات تأخذ حصتها من المساحة الجغرافية للمكان شأنها في ذلك شأن عمال كانوا منهمكين في تركيب آليات وعتاد من أجل نصب حلبات للسباق وأخرى للألعاب المختلفة من دراجات، سيارات وعربات تتخذ أشكالا حيوانية وغيرها.. دائمة الحضور في الساحة التي تحتضن معرض الألعاب هذا منذ سنوات! غير بعيد عنهم وقف مجموعة من الأشخاص بعضهم فرادى، والبعض الآخر جماعات، فيما كان آخرون يتحلقون حولهم، متجمهرين لمشاهدة ما يعرضونه للبيع، الذي لم يكن سوى حيوانات، الأليف منها بجوار المفترس في وضع غير طبيعي على الإطلاق! سوق «الكلب» للعصافير وطيور الحمام... تربية الطيور المختلفة أنواعها هواية تشد إليها المحبين من مختلف الأعمار أطفالا ويافعين، شيبا وشبابا، يلتئم شملهم بهذا الفضاء، بعضهم يعرض عصافيره وطيور الحمام للبيع وآخرون يبحثون عن ضالتهم منها لاقتنائها، إلى جانب مستلزمات تربيتها من أقفاص وأطعمة وأقرصة مدمجة أو شرائط الكاسيط لتلقينها الشدو... وغيرها من أكسسوارات مختلفة، بما في ذلك وسائل صيدها وضمنها «الجباد». عصافير مختلفة الأحجام والألوان داخل أقفاص مغلقة موضوعة في جوف علب كارطونية أوبأقفاص داخل حقائب جلدية... وأنواع متعددة من طيور الحمام، هنا وهناك، بينما الرغبة تحذو عشاقها في التحصل عليها بأثمنة مناسبة. القط، الأرنب والدجاج... ليست وحدها الطيور والعصافير التي تعرض للبيع، فكل شيء قابل للبيع بسوق «الكلب». وعليه، فليس من العجب أن تجد قططاً مختلفة هي الأخرى معروضة يود أصحابها في بيعها، منها الغث ومنها السمين، وصاحبة اللون الأبيض أوالبني ذات الأعين «السماوية»، قطط يقول عنها أصحابها إنها «رومية» تغري بتربيتها وتبحث عمن تمنحه غنجها وتمارس عليه دلالها. وإلى جانب القطط، هناك الأرانب الأليفة المختلفة ألوانها هي الأخرى، وهناك طيور الدجاج «البلدي» وهناك الكلاب المنزلية الوديعة، لكن بالمقابل هناك أخرى متوحشة إن ثارت ثائرتها، فإنها لا تفرق بين الحيوان أو الإنسان! كلاب «البيتبول» حاضرة بقوة! أن يصدر وزير الداخلية مذكرة من أجل منع تداول كلاب البيتبول للخطر الذي تمثله، وأن يحدد والي جهة الدارالبيضاء السابق شروط التعامل مع الكلاب وتربيتها في دوريتين، تقومان على «حظر التجول» على هذه الفصيلة بالذات، وأن تُزهق أرواح أطفال أبرياء بفعل أنيابها، وأن تبتر رجل الطفلة نجوى عوان بعضة أحد هذه الكلاب، وأن تستعمل لاعتراض سبيل المارة لسلبهم أغراضهم، ولمقاومة رجال الأمن من طرف تجار المخدرات والمجرمين، وأن توظف في السطو على الأبناك وتُرمى بالرصاص ومع ذلك لاتفارق الحياة...، ومع كل ما سبق وغيره، فإن كلاب البيتبول تباع وتشترى بسوق «الكلب» بكل طمأنينة وراحة، باعتها ومقتنوها هم من اليافعين والمراهقين الذين لن يسلموا من خطرها إن مستها لوثة لحظة ما! كلاب تتجول بكل حرية بدون أن تُكمم أفواهها المفتوحة على كافة الاحتمالات، مادام المعنيون بالأمر متساهلين معها، و «مرخصين» لها ب «حق» التواجد في ساحة يقصدها الصغير والكبير! أوجه متعددة والقمار واحد في خضم هذه الجلبة ما بين بائع ومشتر، وزائر لاهم له سوى التطلع والاستكشاف أو تمضية الوقت، يحضر عدد من «تجار» الرهانات وباعة «الرْباح»، الذين ينصبون طاولاتهم ويضعون عليها 3 ورقات، محفزين جمهورهم لللمراهنة بدرهم واحد من أجل جلب دراهم أخرى بعد وضع اليد على الورقة المطلوبة. هذا في الوقت الذي فضل آخر تعويض الورق بالنرد /«الدومينو»، وآخرون لعبة «الخية» من خلال الخيط والمسمار، بينما آثر أحدهم «الاحتكام» إلى «حوض» مائي تطفو عليه مجموعة من الدوائر المرقمة وكل رقم يدل على كمّ القطع النقدية المعدنية الصفراء التي سيجنيها إن حطّت قطعته فوق إحداها. اللافت للانتباه أن ممارسي الرهان والمقبلين على هذا النوع من القمار ليسوا سوى أطفال صغار ويافعين، بينما فئة قليلة منهم هي من الراشدين! ساحة مفتوحة على الجميع ساحة سوق العيون مفتوحة على جميع الشرائح والفئات العمرية، غير موصدة في وجه أحد، فلا أبواب لها، مما يجعلها في متناول أيدي الكل، ويمكن لأي كان أن «يعبث» بها كيفما يشاء. أن تحتضن الصالح إلى جانب الطالح، وأن تمارس بها أنشطة قانونية إلى جانب أخرى غير مشروعة، كل ذلك يصبح بالإمكان ما دامت جهات المراقبة في خبر كان!